عمره أربعة وعشرون عاما شاب يافع إنقطع عن الدّراسة و أصبح "خريّج سجون" منبوذا من المجتمع ،تعكّرت نفسيته ما إنعكس على سلوكه في البيت و في الشارع ،"غربة" عمّقتها البطالة و الإنقطاع عن الدّراسة و إنسداد الأفق في وجهه ،هكذا حدّثنا الطالب فوزي من كلية الحقوق في تونس العاصمة عن جاره ياسين الذي دخل السّجن و قضى فيه عاما كاملا بتهمة إستهلاك "الزّطلة" تلك الحادثة التي قضت على مستقبل ياسين الدّراسي و أزّمت وضعه الإجتماعي المتردّي بطبعه في عائلة فقيرة بحي شعبي بائس بضواحي العاصمة .
"الزّطلة في متناول الجميع ،و الكل يدخّنها ،إذهب الى المدارس و المعاهد و أدخل الجامعات و الأحياء الشعبية و الرّاقية و سترى بعينيك كيف تنتشر هذه المواد المخدّرة حبوبا كانت أم سجائر ،الزّطلة أصبحت أمرًا مستفحلا و القانون جائر جدًّا في حقّها" يقول فوزي الذي يشتغل أطروحة التخرّج على قانون العقوبات ،يصمت فوزي قليلا ثمّ يضيف :"المعالجة بالعقاب وحدها لا تكفي ،ألا يجب التساؤل بدايةً كيف تدخل هذه المواد و كيف تنتشر و من يروّجها ؟ ثمّ كيف تستطيع أن تحول دون شاب وسط مجموعة من أصدقائه في سن المراهقة أن لا يدخّن الزّطلة و قد وصلت بين أيديهم بأثمان زهيدة و طرق سهلة ؟ هل من المعقول القضاء على مستقبل ألاف الأطفال و الشباب من أجل إستلاهكهم لمادة تروّج في وضح النّهار ؟ العمل الحقيقي و المعركة الكبيرة يجب أن تكون على مستوى المراقبة الأمنية و الكشف عن العصابات التي تروّج هذه المواد السّامة ،المستهلك هو الحلقة الأضعف و هو الضحيّة مرّتين مرّة عندما يستهلك و يدمّر صحّته و الثانية عندما يعاقب و ينتهي مستقبله الدّراسي و المهني و يتعكّر وضعه الإجتماعي" يقول فوزي و هو يحاول أن يشرح لنا الموضوع في أبعاده العميقة .
و "الزّطلة" أو القنب الهندي Cannabis هي نبتة ذو تأثيرات مخدرة ينتشر في البلدان العربية و تختلف التسميات من دولة إلى أخرى ففي حين يسمّيها التونسيون "الزّطلة" يسمّيها المصريون و المشرقيون عموما "البانجو" و تحظر معظم دول العالم تهريب أو ترويج أو بيع أو إقتناء الماريغوانا بموجب القانون , فيما تسمح به بعض دول الأخرى ومنها هولندا و أوروغواي و بعض الولايات الأمريكية مثل دنفر وكلورادوا . فيما تشدد دول أخرى عقوبات بيع أو تهريب أو إستخدام الماريغوانا كما في المملكة العربية السعودية والتي تعاقب بالإعدام على تهريب مخدر الماريغوانا إلى أراضيها .
أرقام حول الإستهلاك والعقوبات في تونس :
حسب مكتب المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان بتونس فإن المدانين بتدخين مادة “الزطلة” (القنب الهندي) نحو ثلث نزلاء السجون التونسية، وأكثر من نصف الموقوفين على ذمة القضاء.
وفيهذا الإطار دعا المحامي غازي مرابط، عضو مبادرة "السجين "52 التي تدعو الى تنقيح القانون المتعلق باستهلاك المخدّرات، في حوار مع موقع "المصدر" التونسي الى ضرورة فتح حوار وطني يجمع بين جميع الأطراف المتدخلة في هذه المسالة ليتم التوافق بصفة جدية على مشروع قانون شامل يهدف الى معالجة المدخنين لمادة الزطلة. ووصف غازي مرابط القانون 52 لسنة 1992 المتعلق باستهلاك المخدرات بالقانون الفاشل الذي أثبتت التجربة انه سبب في تفاقم ظاهرة تعاطي المواد المخدرة مطالبا تعويض بضرورة هذا القانون بقانون آخر ينص على استبدال العقوبة السّجنية لمتعاطي المخدرات ومادة الزطلة بشكل اساسي بعقوبات مدنية كالخدمة للصالح العام مع إخضاعه لبرنامج علاجي مع ضرورة إيجاد حلول ردعية للمروجين. وقال مرابط أن هناك ما لا يقل عن 8 آلاف موقوف في قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكا وترويجا من بين 25 ألف موقوف في السجون اليوم على حدّ تعبيره .
و تؤكد تقارير أصدرتها خلية علوم الإجرام في مركز الدراسات القضائية في تونس نهاية عام 2012 أن نسب تعاطي المخدّرات بين صفوف الشباب والمراهقين كبيرة جدا ومفزعة وتبلغ قرابة 30 في المائة بين الفئة العمرية بين 13 و35 سنة، أي أن هناك أكثر من مليون مستهلك لهذه المادة بين هذه الفئات العمرية". وكشفت هذه التقارير أنّ 57 في المائة من المتعاطين هم من الفئة العمرية بين 13 و18 سنة، بينما تقل نسبة التعاطي تدريجيا بين الفئات الأكبر سنّا حيث تصل إلى 36.2 في المائة بين 18 و25 سنة، لتنخفض إلى 4.7 في المائة بين سن الـ25 و35 سنة، في حين لا تتجاوز نسبة المتعاطين بين 35 و50 سنة الـ 2 في المائة وفق ماذكر موقع "المصدر" التونسي .
قضيّة المدوّن عزيز عمامي و تفاعل الحكومة :
قال رئيس الحكومة المؤقت مهدي جمعة خلال ندوة صحفية يوم أمس الأربعاء 14 مايو/أيار 2014 معلقا على إيقاف المدون والناشط المدني عزيز عمامي الذي تمّ إيقافه منذ أيّام على خلفيّة إستهلاك لمادة "الزّطلة" حسب مصادر أمنيّة بأن حكومته تدرس إمكانية مراجعة القانون 52 لسنة 1992 المتعلق باستهلاك الزطلة لأنه أصبح لا يتماشى مع الواقع الحالي للمجتمع على حدّ تعبيره .
و في ذات السياق طالبت النائبة في المجلس الوطني التأسيسي كريمة سويد بتنظيم حوار وطني حول قانون 52 المتعلق بتعاطي المخدرات في تونس ، مشددة على وجوب مراجعة هذا القانون بمشاركة محامين و اخصائيين نفسيين و اشارت كريمة سويد الى وجود 4 فنانين في السجن جراء هذا القانون الجائر ، موضحة ان يجب التعامل مع هذا فرض عقوبات سجنية مع الاسعاف بتأجيل التنفيذ مؤكدة على المعالجة الطبية لتفادي انتشار هذه الظاهرة كما ناشدت سويد في تصريح لاذاعة ''موزاييك'' التونسية الخاصة الحكومة من اجل التفكير في مراجعة هذا القانون.
كما دعت رئيسة لجنة التشريع العام بالمجلس التأسيسي كلثوم بدر الدين و النائبة عن حركة النهضة الإسلاميّة الى عدم المساواة في العقوبة المتعلقة باستهلاك المخدرات صلب القانون عدد 52 بين المبتدئ و المدمن على حدّ تعبيرها .
وقالت بدر الدين في تصريح إذاعي اليوم الخميس 15 مايو/أيار 2014 إنه ينبغي الأخذ بعين الإعتبار ظروف كل مستهلك على حدة، وقالت إن المبتدئ لا يجب أن ينال نفس عقوبة المدمن وذلك لأنه يسهل علاج الإدمان لدى المبتدئ على عكس المدمن فضلا عن إمكانية تحويل هذا الشخص إلى مجرم بقضائه مدة طويلة داخل السجن وأوضحت بدر الدّين في ذات السياق أن النية متجهة إلى الحط من العقوبة السجنية أو استبدالها بخطية مالية، محذرة في الآن نفسه من تنقيح القانون بصورة قد تشجع على إستهلاك المخدرات.
تحذيرات من خطورة تنقيح هذا القانون :
و في المقابل حذرت نقابة قوات الامن الداخلي في تونس من محاولة تغيير قانون 52 لسنة 1992 المتلعق بتعاطي مادة المخدرات "الزطلة" و اتهمت النقابة على صفحتها الرسمية بالفايسبوك "بعض الأطراف تريد تغيير الهوية التونسية المسلمة المعتدلة و المتحشمة كما تريد الضغط قصد إباحة استهلاك الزطلة بتونس لكي يصبح هذا الوطن مرتع المهربين و تجارة المخدرات و الإنحلال الأخلاقي و تكاثر القضايا الإجرامية و تبييض الأموال..حذاري من هذه الدعوات يا شعب تونس" وفق تعبير النقابة.
و جاء هذا التحذير على خلفية تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة مهدس جمعة امس خلال ندوة صحفية ، و التي اكد فيها حكومتة تدرس امكانية مراجعة قانون 52 المتعلق باستهلاك مادة المخدرات "زطلة" (القنب الهندي).
و في ذات السياق كذلك حذرت مديرة الإدماج الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية بتونس نعيمة الجلاصي اليوم الخميس 15 مايو/أيار 2014 في تصريح لإذاعة "موزاييك" التونسية الخاصة من مخاطر مراجعة القانون عدد 52 المتعلق باستهلاك المخدرات في اتجاه التخفيف خاصة في ظل تصاعد المؤشرات حول تفشي الظاهرة.
التوجّه نحو تنقيح قانون المخدرات:
من المنتظر أن تُعلن وزارة العدل التونسية قريبا عن قرار تعديل القانون 52 لسنة 1992 المتعلّق باستهلاك المخدّرات في اتجاه التخفيف في العقوبات المتعلّقة باستهلاك المخدرات وتعويضها بنظام علاجي وقائي وفق ماذكر عبد المجيد الزحّاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من المخدرات في حديث مع موقع "المصدر" التونسي حيث بيّن الزحّاف أن هذا القرار تم التوافق حوله بعد ان انتظمت مؤخّرا جلسة ضمّت وزارة العدل و وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية تقرّر خلالها تنقيح القانون المتعلق باستهلاك المخدرات والتوافق على تخفيف العقوبة وتعويضها بنظام علاجي وقائي.
وثمّن الزحاف هذا القرار قائلا أن التجارب قد أثبتت أن الجزم في هذه القضايا يضرّ بالمجتمع وينتج أكثر عدد من المستهلكين لا سيما و أن الشبّان والأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 سنة و 30 سنة هم اكثر فئة مستهكلة للمواد المخدّرة مثل مادة القنب الهندي "الزطلة" على حدّ قوله .
نص القانون المتعلّق بالمخدرات :
و حسب نص القانون فإنّ العقوبات المنصوص عليها في قانون 18 ماي 1992 كالآتي :
الفصل 4: - يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا والمحاولة موجبة للعقاب.
الفصل 5: - يعاقب بالسجن من ستة أعوام إلى عشرة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار كل من قام بأعمال الزراعة أو الحصاد أو الإنتاج أو المسك أو الحيازة أو الملكية أو العرض أو النقل أو التوسط أو الشراء أو الإحالة أو التسليم أو التوزيع أو الاستخراج أو التصنيع للمواد المخدرة بنية الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونا. كما يعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من عشرين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من هرب أو ورد أو صدر مادة مخدرة بنية الترويج أو الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونا.
الفصل 6: - يعاقب بالسجن من عشرين عاما إلى مدى الحياة وبخطية من مائة ألف دينار إلى مليون دينار كل من كون أو أدار أو انخرط أو شارك في إحدى العصابات سواء كانت موجودة داخل البلاد أو خارجها لارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون داخل البلاد أو كان يعمل لحسابها أو يتعاون معها بأي طريقة غير قانونية ولو بدون مقابل.
الفصل 7: - يعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من عشرين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من خصص أو استعمل أو هيأ مكانا لاستغلاله في تعاطي أو ترويج المواد المخدرة أو خزنها أو إخفائها وذلك بصفة غير قانونية ولو بدون مقابل