يدلي، اليوم، أكثر من خمسة ملايين تونسي بأصواتهم في 50 ألف مكتب اقتراع، في أول انتخابات رئاسية شفافة تجرى بعد الثورة، تمثل نهاية المرحلة الانتقالية في البلاد، بعد أربع سنوات من الجهد السياسي الذي أثمر دستورا توافقيا وبرلمانا تمثيليا ورئيسا جديدا في الأفق.

عقارب الساعة تدور بشكل متوتر في “المنقالة” في أعلى شارع بورقيبة، والقطار الترامواي الأخضر الذي يعبر الشارع يتحرك إلى محطته الأخيرة، تماما كما تدرك تونس محطتها الأخيرة في تجربة الانتقال الديمقراطي بعد عقود الحكم الفردي، أمس السبت كان للصمت الانتخابي، واليوم الأحد لشد الأعصاب والعض على الأصابع، غرف عمليات المرشحين دخلت حالة مرحلة الطوارئ القصوى، واليوم سيبدأ عد الناخبين ورصد صناديق الاقتراع وانتظار الرئيس الذي ستفرزه الصناديق.

وأنهت الحكومة والهيئة العليا المستقلة للانتخابات كافة الاستعدادات اللوجيستيكية والأمنية وتوفير كافة الضمانات لإنجاز انتخابات رئاسية نزيهة، وبسبب الوضع الأمني قررت الهيئة تأخير فتح مكاتب التصويت في ثلاث مناطق قريبة من الحدود مع الجزائر، وهي جندوبة والقصرين وقفصة بساعتين مقارنة مع باقي المكاتب التي تفتح على الثامنة صباحا، وإغلاقها أيضا بساعتين قبل باقي المكاتب التي تغلق على الساعة الخامسة مساء، وقررت الهيئة العليا للانتخابات منع بث أي سبر للآراء يوم الانتخابات لمنع أي تشويش أو توجيه لنوايا الناخبين، وتجري الانتخابات الرئاسية تحت أعين 27 ألف مراقب، من بعثات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية ومنظمات غربية، لكن 14 من منظمات المجتمع المدني التونسي تشكل ثلث كتلة المراقبين للانتخابات.

وعن تعدد المرشحين إلى 27 مرشحا (أربعة منهم أعلنوا انسحابهم بشكل متأخر)، لا يملك التونسيون الكثير من الخيارات، أبرز المرشحين من الصف الأول باجي قايد السبسي الذي تعطيه استطلاعات الرأي نسبة تصويت تصل إلى 40 بالمئة، والرئيس محمد المنصف المرزوقي الذي تشير التقديرات الأولية إلى حصوله على 32 بالمائة، ويأتي في المراتب اللاحقة رجل الأعمال سليم الرياحي الذي يعول على إحداث المفاجأة السياسية، وزعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي، إضافة إلى المرشح المستقل الهاشمي الحامدي.

لكن أكثر السيناريوهات المحتملة تشير إلى إمكانية وجود دور ثان بين الرئيس المرزوقي والباجي قايد السبسي، سيناريو يعيد تمثل المشهد الانتخابي في مصر في جوان 2012، عندما تواجه مرشح النظام السابق أحمد شفيق، مع مرشح الإخوان محمد مرسي، واستفاد الأخير من دعم القوى الثورية، لكن هذا السيناريو المحتمل قد يسير في الاتجاه المعاكس في الحالة التونسية، بفعل توتر العلاقة بين الرئيس المرشح المرزوقي والقوى الثورية، إضافة إلى أن الباجي قايد السبسي بات يمثل “الخيار الأمني واللجوء الانتخابي” بالنسبة لعدد من التونسيين، على اعتبار الرغبة في تحقيق نوع من الاستقرار، برغم المخاوف المتصلة بالعودة المعدلة للنظام السابق، حسب صحيفة الخبر.

وبرغم ذلك وبخلاف التجربة الجزائرية التي انتهت إلى أن يكون “الجبل” ساحة حسم مشروع المجتمع بين “المحشوشة” الإرهاب ودبابة العسكر، ما كلف البلاد عقدا من الدم وتكلفة اقتصادية واجتماعية قاسية، فإن التونسيين اختاروا ساحة المجلس التأسيسي لحسم الدستور توافقي ومشروع المجتمع، واختاروا حسم خياراتهم السياسية بالصندوق الذي أنجزوا به برلمانا تمثيليا متعددا، ومع ذلك يطمح التونسيون إلى تتويج المسار الانتقالي برئيس جمهورية تفرزه صناديق الاقتراع، لتحقيق الجزء الآخر من انتظاراتهم، بعد تحقيق ما يتصل بالحريات المدنية والسياسية، ورفع إكراهات القمع والتضييق، فانتظارات التونسيين في شقها الاجتماعي والاقتصادي لم تتحقق، خاصة مع الغلاء اللافت في الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، ومازالت معلقة على جسر تكلفة العبور الديمقراطي.