في الوقت الذي تتزايد في الضغوط على حكومة الوفاق في ظل تراجع قواتها ميدانيا أمام الضربات المتتالية للجيش الوطني الليبي وتقدمه في عدة محاور بالتزامن مع تحركات سياسية لرفع الاعتراف الدولي بها،يواصل فائز السراج مساعيه لاستجداء الدعم التركي والقطري أملا في اطالة أمد الصراع في العاصمة بما يضمن بقاء حكومته.

الى ذلك،التقى الرئيس التركي رجب طيب أوردغان، مساء الأحد، مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، لبحث مستجدات الأوضاع في ليبيا، وآفاق التعاون الأمني والاقتصادي بين البلدين.وتم خلال اللقاء الذي عقد بالقصر الرئاسي بمدينة إسطنبول، مناقشة البرنامج التنفيذي لمذكرتي التفاهم وآليات تفعيلهما والتي وقعها البلدين في شهر نوفمبر الماضي حول التعاون الأمني، وتحديد مجالات الصلاحية البحرية في البحر المتوسط.وفق بيان صادر عن المكتب الإعلامي للسراج.

وخلال اللقاء، أعرب السراج عن تقديره لموقف تركيا الرافض للاعتداء على العاصمة طرابلس، والحريص على عودة الاستقرار إلى ليبيا.من جانبه، جدد أردوغان "دعم بلاده لحكومة الوفاق الوطني، مشيدا بتضحيات أبناء الشعب الليبي دفاعا عن العاصمة الليبية وعن مدنية الدولة".بحسب البيان.

ويأتي هذا اللقاء في أعقاب لقاء آخر جمع السراج مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في العاصمة القطرية الدوحة حيث أعرب الأخير عن استعداد بلاده لتقديم أي دعم تطلبه هذه الحكومة في المجالين الأمني والاقتصادي.ووفقاً لبيان لحكومة الوفاق، فقد أكد الأمير أن "دولة قطر ستضاعف العمل من أجل أن تتجاوز ليبيا الأزمة التي تمر بها"، مبدياً "الاستعداد لتقديم أي دعم تطلبه حكومة الوفاق الوطني في المجالين الأمني والاقتصادي".

وكان السراج التقى كلاً من وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، ووزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، في قطر على هامش "منتدى الدوحة".وبحث اللقاء الخطواتِ العملية لتنفيذ مذكرتي التفاهم الأمنية والبحرية التي وقعها الجانبان مؤخرا، كما تناول مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية والجهود الدولية لحل الأزمة في ليبيا، بحسب ما أعلنت حكومة الوفاق على "فيسبوك".

وتأتي هذه اللقاءات بالتزامن مع خطوة جديدة لتركيا صوب تقديم دعم عسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية،باحالتها في ساعة متأخرة الليلة الماضية إلى البرلمان اتفاق ثنائي يشمل بنودا لإطلاق "قوة رد فعل سريع" إذا طلبت طرابلس ذلك.ولم يتضح متى سيتم التصويت في البرلمان الذي يهيمن عليه حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان.

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال الأسبوع الماضي إن بلاده قد ترسل قوات إلى ليبيا إذا طلبت ذلك الحكومة التي يتزعمها فائز السراج وتتخذ من طرابلس مقرا لها.فيما أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو السبت إن ليبيا لم تقدم طلبا إلى تركيا لإرسال جنود لدعم قوات حكومة الوفاق في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي.وردا على سؤال عمّا إذا كان هناك مثل هذا الطلب، قال جاويش أوغلو خلال منتدى الدوحة "لا، ليس بعد".

وبدأت تركيا بارسال الدعم لقوات حكومة الوفاق وهو ما أثبتته الوقائع على الأرض حيث نجح الجيش الليبي،الجمعة،في إسقاط طائرة مسيَّرة تركية،  خلال مشاركتها في المعارك الدائرة في العاصمة طرابلس.وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة بعد فرض حالة الحظر الجوي جنوب طرابلس من قبل القيادة العامة للجيش الليبي وهو ما يشير الى وصول طائرات تركية جديدة لدعم قوات الوفاق.

كما أعلنت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي، أمس السبت، استهداف مواقع عسكرية في مدينة مصراتة، على صلة بالاتفاق المثير للجدل، الذي أبرمه السراج، مع تركيا مؤخراً. وقالت، في بيان، إنه "تم رصد شحن كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمدرعات، والمعدات العسكرية المتنوعة، من عدة منافذ تركية بحرية وجوية إلى المنافذ البحرية والجوية التي تسيطر عليها ميليشيات حكومة (الوفاق) الإرهابية، وهو ما يبدو أنه تنفيذ لالتزام تركيا بتقديم دعم عسكري كبير ونوعي لميليشيات الحكومة الإرهابية".

ومنذ العام 2011،سعت تركيا في اطار سياسة أردوغان التوسعية استغلال حالة الفوضى التي عصفت بعدة دول عربية لدعم الجماعات الموالية لها لتكون ذراعها للسيطرة على هذه الدول.وتحركت أنقرة لاعادة التموضع في الساحة الليبية بما يضمن استمرار نفوذها في البلاد بهدف الحفاظ على مصالحها في السوق الليبية والمشاركة في رسم مستقبل المنطقة بصفة عامة.ومثل تيار الاسلام السياسي وعلى رأسها جماعة "الاخوان" والمليشيات الموالية لها ذراع أنقرة التخريبية في ليبيا ووسيلتها لنهب ثروات البلاد وتدعيم مصالحها فيه.

وفي غضون ذلك،تتزايد حدة المعارك في العاصمة رابلس حيث كثف الجيش الليبي من ضرباته الجوية حيث نفذ سلاح الجو التابع للجيش الليبي، اليوم الأحد، ثلاث ضربات جوية استهدفت تمركزات للمجموعات المسلحة جنوب العاصمة طرابلس.وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، في تدوينة نشرها عبر حسابه بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "3 ضربات جوية على مواقع للميليشيات في محور طريق المطار كعدم ناري لتقدم قواتنا"، بحسب تعبيرها.

ومن جهتها أعلنت سرية مدفعية الهاون باللواء 73 مُشاة، اليوم الأحد، استهدافها بشكل مُباشر لمواقع داخل معسكر النقلية وأخرى في محيطه جنوب العاصمة طرابلس.وأوضحت شعبة الإعلام الحربي، في تدوينة ارفقتها بمقطع فيديو، أن هذه المواقع خُصصت من قبل المجموعات المسلحة لتخزين الآليات والوقود.

وحقق الجيش الليبي تقدما جنوب طرابلس بعد اشتباكات عنيفة مع القوات المؤيدة لحكومة الوفاق وذلك وفق ما أعلنت عنه قيادات عسكرية.وأكد الناطق باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري عن تمكن الجيش من فرض سيطرة جوية ومدفعية كاملة على العاصمة.وجاء ذلك بعد ان أعلن المشير خليفة حفتر في ساعة متأخرة من مساء الخميس عن ساعة الصفر لتحرير طرابلس من الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة.

وبالتزامن مع ذلك تتواصل التحركيات الدبلوماسية لسحب الاعتراف الدولي من حكومة الوفاق،حيث وجه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، اليوم الأحد،رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،مطالبا بعدم الاعتراف بمذكرة التفاهم المبرمة بين حكومة الوفاق وتركيا.وقال صالح، في رسالته، "مذكرة التفاهم باطلة ولن تدخل حيز التنفيذ بالنظر إلى عدم استكمال إجراءاتها القانونية، وولاية حكومة الوفاق انتهت منذ فترة طويلة، ولم يعد بإمكانها إبرام معاهدات وتحميل ليبيا التزامات دولية".

وبدورها طالبت مجموعة من نشطاء ومؤسسات المجتمع المدني والمجالس المحلية والاجتماعية من شيوخ وأعيان وحكماء مختلف المناطق الليبية،في خطاب وجهته إلى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا غسان سلامة مجلس الأمن الدولي سحب الاعتراف بشرعية المجلس الرئاسي والذي كان قد منحه له بموجب القرار 2259 الصادر في 23/12/2015

وقالت المجموعة، "إنه وبناءً على المطالبات المقدمة إلى الأمم المتحدة، من قبل رئيس مجلس النواب -السلطة التشريعية المنتخبة والشرعية الوحيدة في ليبيا-بسحب الاعتراف الدولي بالمجلس الرئاسي وحكومته غير الشرعية والتي لم تحظى بثقة البرلمان الليبي ولم تقسم اليمين أمامه، فإننا نضم صوتنا لمجلس النواب ونعلن عدم اعترافنا باتفاق الصخيرات من أساسه، وما ترتب عليه"، حيث طالبت المجموعة في الوقت ذاته من مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس النواب كممثل شرعي وحيد لليبيا".

ويشير مراقبون الى أن الخناق بدأ يضيق على حكومة الوفاق عسكريا وسياسيا وهو ما دفع السراج لمحاولة البحث من جديد عن دعم تركي وقطري لانقاذه.ويشير هؤلاء الى أن السراج ومن ورائه تيار الاسلام السياسي وخاصة جماعة "الاخوان" يصرون على تسليم ليبيا لأردوغان الذي لم يتوانى في التصريح بنواياه الاستعمارية وأطماعه في البلاد وكان له ولقطر دور كبير في نشر الفوضى والاقتتال في ليبيا منذ العام 2011.