كان يوما مكررا في داونينغ ستريت. ديفيد كاميرون يدعو مجددا إلى إرسال قوات بحرية أوروبية إلى المياه الليبية لملاحقة مهربي البشر – وهي دعوة وجهها بلا كلل على مدى الأشهر الثلاثة عشر الماضية.

هذه المرة، تستعد سفينة حربية تابعة للبحرية البريطانية للتوجه إلى غرب المتوسط لمحاولة اعتراض سفن تهريب المهاجرين والأسلحة. الخطة ليست تماما مثالية كالمعتاد. خلافا لما حدث في الأشهر السابقة، يمكن لكاميرون والاتحاد الأوروبي أن يكون لهما في نهاية المطاف شريك متجاوب في ليبيا: حكومة جديدة مدعومة من الأمم المتحدة تسيطر بشكل محدود على الأراضي الليبية ولكن مع ذلك تبدو أكثر استعدادا للسماح لقوات بحرية أجنبية بالتواجد في المياه الليبية.

ولكن من الناحية العملية، لا يمثل تفكير كاميرون إضافة جديدة. المهربون الليبيون يستخدمون طريقتين لإرسال الناس إلى البحر، والسفن الحربية الغربية لا تستطيع فعل سوى القليل لوقف أي منهما.الطريق الأول والأكثر شعبية يستخدم طوافات منفوخة. إذ يتم تحميل هذه الأجسام العائمة بالركاب وترسل إلى البحر دون مهرب على متنها. القوات البحرية التابعة للاتحاد الأوروبي اعترضت بالفعل هذه القوارب في المياه الدولية ، ولعل توقيفها في المياه الليبية لن يكون له أثر يذكر على عملية التهريب.

أما الطريقة الثانية، وهي نادرة جدا ، فتتضمن التهريب عبر سفن صيد خشبية تُشترى من صيادين. وترسو هذه السفن في البحر في ليلة رحلة التهريب، وينقل الركاب إليها عبر قوارب مطاطية. وعند تعبئتها، تمضي قدما نحو أوروبا بحضور مهربين من الدرجة الثانية للإشراف على تشغيل المحرك. هذه الطريق تعطي البحارة البريطانيين إطارا زمنيا قصيرا للقبض على كبار المهربين، إلا أن المهمة تبقى أقرب إلى المستحيل.

يمكن للمخبرين مراقبة أي عملية ذهاب ومجيء إلى الموانئ الليبية الرئيسية ورصد القوارب التي تغادر كل ميناء. ولكن بأنه لا يمكن وقف كل سفينة على حدة - أو اقتحام الموانئ تماما - سيكون من الصعب معرفة أي سفينة هي للمهربين وأي قارب هو للصيد. لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا من المخالفات حتى تم يتحميل القوارب مع مئات من الركاب في البحر – وحينها يكون من الخطير جدا لأي بحرية أن تتدخل. فالتدخل في هذه المرحلة قد يؤدي إلى خطر غرق القارب.

الانقلاب الدراماتيكي يوم الأربعاء، والذي صُور من قبل البحرية الإيطالية، يظهر أنه حتى عندما تحاول القوات البحرية الأوروبية إنقاذ هذه الأنواع القوارب المعبأة بإحكام ، فمن السهل جدا بالنسبة لها أن تنقلب وتتسبب في خسائر فادحة في الأرواح. ثم إن محاولة اعتقال أي من المهربين الذين يكونون على متنها ، في خضم كل هذه الضجة المصاحبة، يجعل مثل هذه الكارثة أكثر احتمالا. وإذا ما كان مثل هذا التدخل سينجح بأعجوبة دون وقوع خسائر في الأرواح، فعندئذ ستجد السفينة الحربية البريطانية نفسها تحمل 600 مهاجر على متنها.

هل سيتعين نقل هؤلاء إلى إيطاليا، كما يجري الآن، أم سيتم إرسالهم مباشرة إلى ليبيا؟ مما لا شك فيه، أن كاميرون سيفضل الخيار الأخير. ولكن هذا سيكون من المنظور الأخلاقي أمرا إشكاليا للغاية. بالفعل ، إن إعادة اللاجئين في اليونان إلى تركيا هو أمر مشكوك فيه من الناحية القانونية ، حيث لا يمكن للاجئين الحصول على أي عمل قانوني وحيث مئات الآلاف من الأطفال اللاجئين يضيعون سنوات دراستهم بالعمل في مصانع تستغلهم. ولكن تركيا على الأقل دولة فعالة. أما ليبيا، ومع وجود ثلاث حكومات متنافسة، فتغرق في حرب أهلية، فيما يسيطر داعش على أجزاء منها. وليس للبلاد نظام للجوء اللاجئين، والعديد من المهاجرين هناك ضحية لنوع من عبودية العصر الحديث.