توقع خبراء في الشؤون السياسية، أنّ هزيمة الائتلاف الحاكم في السنغال في الانتخابات المحلية التي جرت، الأحد 29 يونيو/ حزيران الماضي، في كامل مدن وقرى البلاد، "أكيدة"، رغم أنّ النتائج التي أعلنت عنها اللجان الانتخابية المستقلة، تبقى مؤقّتة إلى غاية تأكيدها من قبل المجلس الدستوري الأعلى في غضون الأسبوع الجاري.

فمن سانت لويس، إلى زيغينشور، وصولا إلى داكار (غرب)، وبيكينيه (غرب)، وروفيسك (غرب) بالإضافة إلى تييس، ومباكي (شمال شرق)، وكيدوغو (جنوب شرق)، لم تتمكن لائحة النظام الحاكم وحلفائه "بيينو بوك ياكار" من تحقيق ثقل يمكّنها من إلحاق الهزيمة بخصومها من المعارضة، وجميع المعطيات تشي بحقيقة واحدة، ألا وهي أنّ الائتلاف الحاكم هو الخاسر الأكبر في الانتخابات المحلّية في السنغال.

في غراند يوف، إحدى ضواحي العاصمة داكار، أخفقت رئيسة وزراء السنغال، أميناتا توريه، في مواجهة تسونامي الأصوات المؤيّدة للائحة "تاخاو داكار" المعارضة، التي يترأسها خصمها اللدود، القيادي في الحزب الاشتراكي السنغالي خليفة أباباكار سال، وهو أيضا عمدة داكار السابق.

هزيمة اعتبرها المراقبون "نكراء"، بما أنّ السيدة رقم 2 في البلاد (بعد الرئيس السنغالي ماكي سال)، فشلت في الفوز حتى في عرينها، ورغم حصولها على دعم المغني الشهير في السنغال، يوسو ندور، خلال حملتها الانتخابية.

وفي مدينة تييس (70 كلم شرقي داكار)، فشل كلّ من تييرنو ألاسان، وسال أغيستن، (وزيران في الحكومة السنغالية الحالية) في الإطاحة برئيس الوزراء السابق "إدريسا سيك".  

وفي "لوغا" (شمال غرب)، خسرت أميناتا مبانغ ندياي، (وزيرة) منصبها كعمدة للمدينة، والأمر سيّان بالنسبة لـ"الشيخ بامبا دياي"، الذي كان عليه التنحّي عن منصبه أيضا كعمدة لـ"سانت لويس" (شمال غرب).

وفي "زيغينشور" (جنوب غرب)، لم يحالف الحظ الوزير بينوا سامبو، ليطيح به خصمه عبدولاي بالدي، العمدة السابق للمدينة.

ورغم الانتصارات التي حقّقها كلّ من شقيق الرئيس السنغالي، أليو سال، في غيدياواي (إحدى ضواحي داكار)، والوزراء: مارياما سار (في مدينة كاولاك وسط شرقي)، وعبدولاي بيبي بالدي في كولدا (جنوب)، ونجاح عدد من المسؤولين في الفوز على لوائح المعارضة، غير أنّ نسائم الأمل هذه لم تفلح في اختراق العاصفة الهوجاء التي أطبقت على بقية المدن والمحافظات بقيادة رموز المعارضة.

هزيمة شكّلت خيبة أمل مريرة بالنسبة للنظام الحاكم، ومن العسير أن تطويها الذاكرة الجماعية في السنغال، من دون أن يكون لها عواقب وخيمة.. هذا على الأقلّ ما استشرفه الملاحظون والخبراء الذين يتابعون تطوّرات الوضع عن كثب.

وبغضّ النظر عن التحدّيات المحلية، فإنّ عملية التصويت التي جرت، الأحد الماضي، في كامل أرجاء السنغال، كانت في الواقع اختبارا جدّيا للرئيس ماكي سال، وممّا لا شك فيه أنّ الناخبين السنغاليين أرسلوا إشارات قوية لسكان قصر شارع "روم" (القصر الرئاسي في داكار).

وصل "سال" إلى السلطة منذ 25 مارس/ آذار 2012، إلاّ أنّه لم يفلح منذ توليه سدّة الحكم في تحقيق الوعود التي كان يزيّن بها خطاباته الشعبية في كلّ مرّة.. إخلال كان لا بدّ وأن يزيد في اتّساع الفجوة، أو الشرخ بينه وبين شعبه، فكان أن تدنّت شعبيته إلى أدنى مستوياتها.. حتى أن بعض المراقبين يرون، قبل أقل من 3 سنوات على موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة عام 2017، أنّه ينبغي على ماكي سال "فكّ شفرة" رسالة الشعب التي أرسلها إليه عبر الانتخابات المحلية.

لكن هزيمة الائتلاف الحاكم، ستكلّف التشكيلة الوزارية الكثير.. بل إنّ جميع أتباع الرئيس السنغالي سينالون عقاب فشلهم.

ماكي سال كان قد حذر، في وقت سابق قبيل الانتخابات، أتباعه من أي خسارة محتملة، بل إن تعديلا وزاريا يلوح في الافق لمجازاة أتباع الرئيس السنغالي على خيبتهم، والأمر قد يتجاوز حدود الإقالة، ولا سيما في ظلّ وجود أصوات في مخيم الرئاسة تدعو لفرض عقوبات ضد كل هؤلاء المسؤولين الذين خسروا في معاقلهم.

وفي تصريح لوكالة للأناضول، قالت رئيسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أمينا تال: "أعتقد أنه من الطبيعي تماما أن يعاقب جميع المكلفين من السلطة من أصحاب المناصب العليا، في صورة خسارتهم لمعاقلهم خلال الانتخابات المحلية".

وأكّد الملاحظون أنّه لا مفرّ من العقاب، والبداية ستكون برئيسة الوزراء الحالية "أميناتا توريه".

وفي تعقيب على الموضوع، قال الصحفي والمحلّل السياسي، ماديامبال ديان، في حديث للأناضول "باتخاذها (في إشارة إلى أميناتا توريه) قرار الترشح لمنصب عمدة داكار، دفنت حياتها العملية كرئيسة وزراء، وبهزيمتها على تلك الشاكلة، لن تفلت من عقاب ماكي سال، واستخلاص النتائج السياسية لهذه الانتخابات، كما سبق وأشار (سال) إليه في وقت سابق".

وأضاف مستدركا: "ما لم يغير رأيه (الرئيس)، فإنه لا يبدو واضحا كيف يمكن لماكي سال معاقبة سياسي آخر، ويتجاهل الهزيمة النكراء لرئيسة وزرائه.. وإن حصل ذلك، فقد حفرت (توريه) قبرها بيدها".

ومن جانبه، قال رئيس الوزراء السابق، إدريسا سيك، وهو أحد أشرس المعارضين للنظام الحاكم في السنغال، إنّ "مصلحة ماكي سال تفرض عليه فك شفرة الرسالة التي وجّهها إليه السنغاليون، في حال أراد الاحتفاظ بمنصبه كرئيس للبلاد".

وفي تصريح لوكالة الأناضول، أضاف: "هذا الأخير، ما يزال يتصنّع الصمّ إزاء صرخات السكان، وهذا ما يقوده نحو الهزيمة"، على حدّ قوله. واعتبر "سيك" أنّ "ما يفصل سال عن التعافي لا يتجاوز السنتين"، (في إشارة إلى المدة التي تفصله عن الانتخابات الرئاسية القادمة).

وفي انتظار التغيير الوزاري، فضّل بعض وزراء "سال"، المبادرة بإعلان استقالتهم، ومن بينهم وزير الاتصالات، الشيخ محمدو أبيبولاي دياي، الذي أعلن استقالته، إثر هزيمته في الانتخابات البلدية في سانت لويس.

وكذلك، أعلن مصطفى سيسي لو، نائب رئيس المجلس الوطني في السنغال (البرلمان)، هو الآخر رحيله عن تنسيقية حزب "التحالف من أجل الجمهورية" (الحاكم) في مدينة "مباكي" (وسط غربي). كما أعلن تخلّيه عن الأمانة الوطنية والمجلس التنفيذي الوطني للحزب نفسه.