أكد مؤسس سوق الأوراق المالية الليبي سليمان الشحومي أن الشعبوية الاقتصادية أصبحت هي الوصف الأقرب لواقع الاقتصاد الليبي خصوصا في ظل انعدام وجود تخطيط اقتصادي يعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد ويهدف لتنويعه.
وقال الشحومي في تدوينة له بموقع "فيسبوك" بعنوان "الشعبوية الاقتصادية" "تعرف العديد من أدبيات علم الاقتصاد الشعبوية الاقتصادية بأنها منهج لإدارة الاقتصاد ترتكز على محاولة الدفع بمعدلات النمو الاقتصادي وإعادة توزيع الدخل ولا تعطي أهمية لمخاطر التضخم وتمويل الميزانية بالعجز بشكل مستمر وتقلل من أهمية تفاعل آليات السوق المعروفة باقتصاد السوق، وواقعيا الاقتصاد الشعبوي ظهر بقوة في دول أمريكيا اللاتينية في كل من البيرو والارجنتين وشيلي، وتكون البداية للتوجه نحو الاقتصاد الشعبوي عندما يعاني الاقتصاد المحلي خللا ظاهرا ينعكس على حياة الفئات الضعيفة بسبب تزايد البطالة وارتفاع التضخم وانهيار قيمة العملة وعندها يبدأ ضغط سياسي كبير بضرورة ان يتولي زمام الامور فريق سياسي جديد مستخدما النمط الشعبوي في الاقتصاد والذي يحاول أن يدفع بالنمو عبر زيادة التازيم للاقتصاد، فيقود الاقتصاد والبلاد إلى مزيد من الأزمات برفع التضخم والتورط في سلسلة من الديون المتفاقمة والمتراكمة محليا ودوليا مما يصعب معها الخروج من هذه الدوامة الشعبوية والتي تنعكس بقوة في عدم عدالة توزيع الدخل برغم أن الشعبوية تقوم على مطالبات بإعادة توزيع الدخل بين الأغنياء والفقراء .
وأوضح الشحومي أن "الشعبوية الاقتصادية تمر بثلاث مراحل أساسية المرحلة الأولى إعادة تدوير وتنشيط النشاط الاقتصادي، والمرحلة الثانية إعادة توزيع الدخل عبر آليات الموازنة العامة، والمرحلة الثالثة إعادة هيكلة الاقتصاد، المرحلة الأولى تبدأ عندما يتم رسم وتنفيذ سياسات اقتصادية تعمل على تحقيق نمو وترفع من فرص العمل وتستوعب أكبر قدر من البطالة المنتشرة ويتم فيها غض الطرف عن التضخم ويزداد العجز في الميزانية إلى درجة فقدان السيطرة ولا تستطيع الحكومة أن تتحكم في النظام الضريبي بسبب ما قد يسببه من تأثيرات على الدخول وفي المرحلة الثانية تحاول الحكومة التحكم في الأسعار بسبب ارتفاعها وانهيار قيمة العملة وفي المرحلة الثالثة يؤدي تراكم المشاكل والصعوبات إلى فقدان الثقة بالاقتصاد وتجري عمليات هروب الأموال من البنوك المحلية وهروب رؤس الأموال خارج البلاد خوفا على انهيار قيمة الأرصدة وسيطرة السوق الموازي للعملة الاجنبية بسبب نقص الاحتياطيات منها ".
وأردف الشحومي "بعد هذه المراحل من دورة الشعبوية الاقتصادية يحدث الانفجار وتأتي حكومة جديدة وتطلب مساعدة صندوق النقد الدولي لعلاج تشوهات الاقتصاد بسبب أن دخل الفرد أصبح أقل مما كان عليه في المرحلة الأولى وهنا تكون عملية إعادة هيكلة الاقتصاد والتي هي مثل جراحة القلب المفتوح تستلزم دما وجهد وساعات من الأمل والرجاء، والسبب هو أن الأموال تتحرك بسرعة وتختفي مثل الدم في العروق ولكن المواطن العامل يبقي في وطنه مصابا بهلع الأزمات الاقتصادية المتلاحقة وسيطالب بشكل سلمي أو عنيف بتحسين مستوي معيشته التي أهلكها التضخم وفقدان العملة ونار الأسعار وضعف خدمات الحكومة الأساسية وخصوصا مع تلاشي أو تراجع برامج الحماية الاجتماعية للفئات الضعيفة بالمجتمع".
وزاد الشحومي "الشعبوية الاقتصادية أخذت في انتقال عدواها إلى الاقتصاديات النفطية كالجزائر وإيران وفنزويلا، وأخيرا حتى دول الخليج أصبحت تعصف بها الشعبوية بسبب التاثير الحاد في الإيرادات النفطية بشكل مستمر لسنوات على هيكل الميزانية العامة وصعوبات تنويع الاقتصاد، وتأخذ الشعبوية الاقتصادية مسارا خادعا في الدول النفطية والتي يتركز فيها الدخل في إيرادات النفط بسبب الاعتقاد بتوفر الاحتياطيات من العملة الاجنبية والتي يمكن استخدامها لإعادة تقييم العملة ومجابهة الدين الحكومي المحلي ولكنها تسقط بسهولة في فخ التضخم والركود التضخمي وحتما إذا استخدمت الشعبوية الاقتصادية لحل الأزمات سيدخل ذلك البلاد في نفق من الدورات المتتالية من الشعبوية وأثارها المدمرة، لذلك فإن السيطرة على التضخم ومعدل البطالة والحفاظ على القوة الشرائية للعملة المحلية هي التحدي الأكبر أمام أي اقتصاد لا يقوم على أسس سليمة وقواعد واضحة في العلاقة بين جميع الأطراف ويتقوقع تحت عبائة القطاع الوحيد المسيطر ".
واعتبر الشحومي أنه في ليبيا، "الشعبوية الاقتصادية أصبحت هي الوصف الأقرب لما يحدث خصوصا في ظل انعدام تخطيط اقتصادي يعمل على إعادة هيكلة الاقتصاد ويهدف لتنويعه ويبتعد عن تطبيقات الشعبوية عبر الدفع بفاتورة المرتبات لأعلى مستوى ممكن كحل تقدم عليه الإدارة السياسية أو عبر توزيع جزء من احتياطيات النقد الاجنبي بحجة توزيع الثروة و ازدهار السوق الموازي للعملة بسبب نقص المعروض من العملة الاجنبية مما يلقي بظلال وخيمة على استشراء الفساد وتراكم الثروات خارج القنوات الرسمية والمنظمة بالاقتصاد مما يغير من قواعد إدارة الاقتصاد نحو فقدان السيطرة المطلقة".
وزاد الشحومي أن "الشعبوية بالاقتصاد كشعار براق يستخدم للوصول للسلطة السياسية بهدف حقيق العدالة في توزيع الدخل ولكنها تفشل و تعطي صورة مزيفة عن حالة الاقتصاد والاستمرار في نهجها باعتبارها شعار يستخدمه ويقبل عليه الساسة الجدد في بلدان تعاني صعوبات اقتصادية بهدف الوصول أو الاستمرار في المواقع الحكومية قد يكون أكثر قسوة على الاقتصاد الوطني على المدي البعيد".
وختم الشحومي بالقول "ليبيا كاقتصاد اعتمد كثيرا على الشعبوية سابقا وحاليا كمنهج لحل الازمات دون الالتفات إلى إعادة صياغة رؤية اقتصادية شاملة تعيد بناء هيكل اقتصادي يتعاطي مع الأزمات بعقلانية ويبتعد عن الدور الشعبوي الاقتصادي".