تكاد تغيب المعلومات والدراسات والبحوثات المهتمة بالشعر التشادي، إلا أننا نستطيع القول، أن تجربة الشاعر إبراهيم الكانمي، كانت هي المؤسسة للتجربة الشعرية في التشاد، الذي جعل من إبداع بلده يهاجر إلى سماوات البلدان الأخرى كي تلتفت أنظار الدارسين إليه، وربما مثل الاستعمار الفرنسي عاملا قويا في طمسه، حيث ساهم إلى حد بعيد في استئصال ثقافة هذا الشعب وطمسها باسم التفوق والتعالي، ولا يخفى علينا أن نذكر بمجازره التي ارتكبها في حق جملة من المفكرين والعلماء والمثقفين والشعراء التشاديين، وخاصة ما يعرف بمجزرة الكبكب التي نفذها سنة 1917.

هذا الأمر، لم يمثل إعداما نهائيا لتطور التجربة الشعرية، ولم يزدها إلا حافزا للتقدم والمراكمة تأثرا منها بالمدارس الشعرية العربية المجاورة، حتى أن الساحة الأدبية في تشاد باتت تشهد زخما معرفيا وكميا هائلا من الإنتاج الثقافي وخاصة الشعري، وهو ما يقول بخلود الكلمة، وكفاحها وصمودها. ولا يسعنا هنا إلا التعريف بأحد الشعراء المعاصرين، لهذا البلد الإفريقي، وهو الشاعر "حسب الله مهدي".

كان "حسب الله مهدي" أول شاعر يفوز يفوز بجائزة الإيسيسكو، للأعمال الأدبية المتميزة للشباب المسلم عام 2007، وهو ما دفع بوزارة التربية التشادية، إلى تدريس قصائده لطلاب جامعتها هناك. وهو على غرار ذلك، محط اهتمام النقاد والباحثين الذين انكبوا على دراسة شعره، لا من باب الحفر في عالم الجماليات، وإنما تمّ التطرق إليه كمدرسة قادرة على التأسيس النظري، ومن ثمة كان أن حصل العديد على شهادات في الماجستير والدكتوراه المتناولة لشعره والمحللة له  أكاديميا.

تحصل هذا الشاعر على شهادة الماجستير في اللغة العربية سنة 2007، وإضافة إلى كونه مبدعا، فإنه بصدد العمل أيضا، كمحاضر بجامعة الملك فيصل في التشاد ومدرسا لمادة اللغة العربية ومناهج البحث العلمي. وله العديد من الأعمال النقدية، والبحوث الأكاديمية، والانتاجات الإبداعية، كما أنه ناشط أيضا في صلب الهياكل الثقافية. وربما تجدر الإشارة إلى عناوين بعض دراساته، التي رآها البعض مهمة في مستواها الإبداعي والنقدي والتاريخي على حدّ السواء، لنذكر على سبيل المثال بحثه الذي  حمل عنوان "مكانة القدس وفلسطين في وجدان الشعوب الإفريقية المسلمة: الشعر التشادي نموذجا"، ودراسته "منطلقات تاريخية للتعليم القرآني في تشاد".

ظلت القضية الإفريقيّة في قصائده، ملفعة بغير قليل، بمآسي الجرح التشادي الذي تسببت فيه براثن الاستعمار الأوروبي، كما حملت لواء التمرد والثورة وحب التحرر، وبالنسبة إليه، رغم  أن الشعراء التشاديون ظلوا يعانون من الإقصاء والتهميش إذ أنهم حرموا من الحضور في العديد من المنابر، إلا أنه حاول حمل شعار الرحيل بثقافة بلاد كي يوصلها للآخرين ويعرف بها، وهو أمر ليس بالهين ولا بالسهل، فالعوامل المادية كانت قد حرمت العديد من الموهوبين، كما أن  المجلات ووسائل الإعلام ظلت محدودة الانتشار.

يبدو أن المسابقة الأدبية التي نظمتها المنظمة الإسلامية للتربية العلوم، سنة 2007، والتي شارك فيها حوالي مائة مشارك، كانت بمثابة المنعرج الذي سيجعلنا نلفت الانتباه إلى الشعر التشادي، والتطور في أصوله، والحفر في بنياته الجمالية، حيث كانت الجائزة الأولى لهذا الشاعر القادم من وجع الصحراء، والحامل لمشكاتها وهواجسها.