للشيخ عبد الفتاح مورو موقع خاص في المشهد السياسي في تونس، فهو أحد قيادات الحزب الأغلبي حزب حركة النهضة غير أن ذلك لم يمنعه من أن يأخذ مسافة تمكنه من قراءة أوسع لقراراتها وبالتالي نقدها إذا لزم الأمر. اليوم تستعد حركة النهضة ومجمل مكونات المشهد السياسي للانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، "بوابة إفريقيا الاخبارية" اتصلت بالشيخ عبد الفتاح مورو ليقرأ في المشهد التونسي والذي تخترقه مواضيع عدة مثل التحدي الأمني وموقع رئيس الجمهورية، وأداء حكومة التكنوقراط وكثير من المواضيع الأخرى تجدونها في هذا الحوار:

* ونحن على أبواب إجراء الانتخابات التّشريعيّة والرّئاسيّة، بماذا يتوجّه الشّيخ عبد الفتّاح مورو إلى حركة النّهضة في هذه المرحلة ؟

- على الحركة أن تعمل على أن تتمّ الانتخابات في نطاق الشّفافيّة والنّزاهة وأن تقبل نتيجتها مهما كانت، وأن تبتعد عن تحمّل المسؤوليّة المباشرة وبدرجة أولى في الحكومة. أنا أتصوّر أنّ حركة النّهضة تصلح اليوم بأن تكون عضوا في البرلمان القادم، لأنّ المهمّة المقبلة للبرلمان هي مهمّة أساسيّة، هي مهمّة تأسيس النّسيج القانوني الذي سيعطي معنى لمبادئ الدّستور، وهذا عمل جليل جدّا وبنّاء وفيه حماية للبلاد، وأن تدخل النّهضة للمشاركة فيه، فهذا شيء أساسي.

* وكأنك تشير بأنّ لا تعيد الحركة تجربة ما بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 وتبتعد عن السّلطة

تبتعد عنها ولا تنفرد بها، لأنّ الوضع في البلاد وفي ظلّ هذه الفترة الانتقاليّة فيه نوع من الحساسيّة حيال النّهضة. والنّهضة من حقّها أن تتواجد، تتواجد في المكان الذي يضعها فيه الشّعب التّونسي والشّعب إذا وضعها عضوا في البرلمان، فعليها أن تعمل على تفعيل البرلمان والنّسيج القانوني، لكن أن تكون لها رغبة في تصدّر الحكم من خلال الحكومة فهذا خطأ.

* ما هي قراءتك لحبل الودّ المتواصل بين النّهضة والنّداء ؟

هو ترتيب للفترة القادمة. في تصوّري هو تحالف في شكل من أشكال الوفاق، يعني أن لا يطلق أحدنا النّار على الثّاني، ربّما الأحزاب السّياسيّة الكبيرة ترى من واجبها أن تكون متّفقة على مبادئ عامّة دون أن تظهر ذلك في وفاق، انّما يظهر في اتّفاق ضمني.

ما هو تقييمكم لأداء مؤسّسة رئاسة الجمهوريّة ؟

رئاسة الجمهوريّة تحتاج إلى تطوير في أدائها، لأنّه رغم تعلّل البعض بأنّ ضعفها عائد إلى انعدام الصّلاحيّات لدى رئيس الجمهوريّة، فإنّ ذلك ليس صحيحا. الرئاسة متواجدة في المواقع الحسّاسة حيث تملك القول والحسم، وقد حصل ارتباك على مستوى الشّأن الخارجي. ولهذا نقول بأن هذا لا ينبغي أن يتكرّر ولا ينبغي أن يبقى رئيس الجمهوريّة مُطلقا، يجب أن يحيط نفسه بمستشارين يرجعون له الاعتبار ويرجعون قيمة المرجعيّة التي فقدتها رئاسة الجمهوريّة. نحن نحتاج الى مرجعيّة في تونس، وأن يكون رئيس الجمهوريّة قليل الصّلاحيّات، فهذا يؤهّله أن يكون مرجعا عند الخلاف الحادّ ولا يكون غيره من المؤسّسات مرجعا. أنا تعجّبت عندما وقع الخلاف بين الأحزاب السّياسيّة، وعوض أن تكون المرجعيّة لرئاسة الجمهوريّة، أصبحت المرجعيّة لإتّحاد الشّغل وإتّحاد الصّناعة والتّجارة مع كامل احترامي وتقديري لهذين الإتّحادين، لكن أتصوّر أنّ ذلك من المفروض أن يكون خارج عن نطاق اهتمامهما.

هل ندمت النّهضة عندما رشّحت المرزوقي لرئاسة الجمهوريّة في 2011؟

 ندمت أم لا ؟ هذا سيبرز في قرارها المستقبل

حسب اعتقادكم من هي الشّخصيّة الأوفر حظّا لتكون المرشّحة للرّئاسة عن حركة النّهضة ؟

إلى حدّ الان لم يستقرّ الرّأي على طرف محدّد..

هناك من يتحدّث عن حمّادي الجبالي كمرشّح عن حركة النّهضة، ما مدى صحّة ذلك ؟

الجبالي يرغب في أن يكون مرشّحا عندما لا يكون ثمة مرشّح مدعوم من طرف حركة النّهضة على حسب تقديري..

تبدو العلاقة شبه متوتّرة بينكم وبين النّهضة أو بعض أطراف من الحركة، فكيف تصف هذه العلاقة ؟

هي علاقة ليست متوتّرة، بل علاقة وصلت الى غاية البرود وأخشى أن يصيبها التّجمّد. فعلاقة كهذه يمكن أن تفسح المجال لكلّ طرف بأن يشقّ لنفسه طريقا، ولحدّ الآن لم يتّضح أمامي الطّريق الذي يمكن أن أسير فيه. أن أكون مواطنا كبقيّة المواطنين هذا من حقّي، لكن أن أكون طرفا فاعلا في الحياة السّياسيّة، هذا يحتاج الى إمكانيّات، يبقى هل توفّرت أم لم تتوفّر؟ ويحتاج إلى مناخ، ويبقى هل توفّر أم لم يتوفّر؟ لذلك لم نبتّ فيه الى حدّ الآن.

*على ذكر المناخ، باعتقادكم هل أن المناخ السّياسي العامّ في تونس والبيئة الانتخابيّة تنبئ بأن تجرى الانتخابات في موعدها المحدّد ؟

أتوقّع ذلك، لأنّنا بين خيارين، إمّا أن نتلكّأ في انجاز الانتخابات وتكون النّتيجة تسليط عنصر جديد فيصب ذلك لفائدة الفوضى وهذا لا يساعد تونس، وقد سبق وأن رأينا أنّ الفوضى فوّتت علينا فرصا كبيرة ومن بينها تحسين وضعنا الاقتصادي. الخيار الثاني هو أن نرضى بأن يتنازل كلّ للطّرف المقابل على أن يبقى المسار. وفي رأيي اليوم، فإن الاتّفاق على أن يبقى المسار قائما مع تقديم تنازلات من الأطراف لبعضها هو الحل الأنسب. هذا القول لا يعني أنّنا سنحلّ مشاكلنا وبسرعة، حيث أنّ مشاكل تونس المستفحلة خاصّة على المستوى الاقتصادي تستوجب منّا 10 سنوات من العمل والانتظار.

كيف تقيّمون ظاهرة الإرهاب في تونس ؟

الإرهاب رهين حكمة في التّصدّي له، وحكمة التّصدّي تقتضي منّا أن نكوّن قيادة موحّدة لقوى الجيش والحرس والأمن الوطنيين ويقوم عليها كفاءات متخصّصة في الإرهاب، بمعنى ممن درسوا الفكر الإرهابي والأساليب الإرهابيّة. أمّا التّشتيت القائم اليوم في قوى الأمن والجيش، فلا يساعد على استئصال هذه الظّاهرة من النّاحية الأمنيّة، خاصّة الذين يتصدّون لذلك، حيث يتعاملون معه كأنّه جيش نظامي تتمّ محاربته بطرق تقليديّة، وهذا غير صحيح، اليوم أتألّم أن يموت أربعة عساكر في سيّارة أثناء تمشيطهم المنطقة وهم يجهلون أنّ هناك متفجّرات وألغام، شيء لا يعلمه سوى من كان متكوّنا ومتخصّصا في مجال الإرهاب.

مسؤوليّة من تغلغل الإرهاب في تونس ؟

هي مسؤوليّة وضع استمرّ منذ سنوات، كان قبل الثّورة واستمرّ بعد الثّورة، وخاصّة عندما انخرم نظام الأمن وإدارة الأمن تخلّت عن المخابرات والاستعلامات لمدّة سنة كاملة، فضاعت فيها فرصة متابعة هذا الجنين المقلق الذي ولد من بطوننا وهو الآن بصدد تعذيبنا.

وجود سهام بن سدرين على رأس هيئة الحقيقة والكرامة، ما تعليقكم ؟

أنا اتمنّى أن تكون قادرة على الإنجاز في هذا الميدان، ونقول أنّ هذا العمل يحتاج الى تضافر الجهود.

بدأنا نقترب من الانتخابات وبدأ العدّ التّنازلي للمجلس الوطني التّأسيسي في أنشطته وكلّ مجالاته، فماذا تقولون للمجلس المقبل؟

أتمنّى أن يكون أرقى فهما وإدراكا وأكثر توازنا لتقديمه الواقع السّياسي من المجلس المتخلّي اليوم، لأنّ ما شهدناه في المجلس المتخلّي رغم احتوائه على كفاءات، غلب عليه الارتباك والتّشويش وميّع كثير من القضايا وفوّت على نفسه امكانيّة معالجة الوضع في إبّانه، وإذا تكرّر نفس الشّيء في المجلس القادم، سيعمّق من تعب وقلق التونسيين، ولذلك نحتاج الى مجلس يتحمّل فيه الأفراد مسؤوليّاتهم، ويأخذون الأمور على كونها ليست مباراة سياسيّة بقدر ما هي انجاز وسعي للإنجاز.

بين حكومة التّكنوقراط (حكومة مهدي جمعة) وحكومة التّرويكا، حسب اعتقادكم وتجربتكم، ماذا تغير؟

مؤاخذتي على التّرويكا، أنّها تصدّت للحكم وهي تشعر بأنّ المناخ السّياسي لا يتحمّلها، وهو ما أضاف ارتباك الى أصل ارتباك قائم عندها، على كلّ حال هذا التّشنّج لم تعرفه حكومة مهدي جمعة، حيث أنّ بعض القرارات التّي اتّخذت مؤخّرا في حكومة جمعة لو اتّخذت في عهد التّرويكا لقامت الدّنيا ولم تقعد، ولكن ذلك لا يعني أنّ حكومة التّرويكا أفشل وحكومة جمعة أنجح.

*حاوره: فوزي جراد