يمكن القول أن العمل الصحفي في ليبيا يمثل هاجسًا كونه يتسم بالحذر والخوف،في ظل بيئة إعلامية لا يتوفر فيها الحد الأدنى من السلامة والحماية، خاصة مع استمرار مسلسل الفوضى المتصاعدة، وحالة الاستقطاب السياسي بين الأطراف كافة.الأمر الذي جعل الصحفي الليبي والأجنبي على حد سواء، في مرمى حجر واحد، مهدّدين بسلامتهما وفق صور شتى، وجعل رحلة البحث عن الحقيقة ونقل الأحداث، تعتريها صعوبات وتحديات لا حصر لها.

ويمر اليوم العالمي لحرية الصحافة علي ليبيا والصحفيين الليبيين،كعادة السنوات التسع الماضية حيث تستمر الأخطار والعراقيل في ظل مراوحة الأوضاع الامنية لمكانها مع استمرار الصراع المسلح وانتشار المليشيات والعناصر الارهابية التي تستهدف كل من يعارضها ويمثل الصحفيون اول ضحايا هذه المجموعات المسلحة خاصة مع غياب الدولة والقانون.

هذه الأوضاع تدفع العديد من الاصوات الى تجديد دعواتها بضرورة حماية الصحفيين وهو ما ذهبت اليه الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز،التي طالبت السلطات الليبية وجميع أطراف النزاع بحماية الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام، وضمان حقهم في حرية الرأي والتعبير، بما يشمل الحق في البحث عن المعلومة وتلقيها ونقلها إلى العامة.

جاء ذلك في رسالة الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، لمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، اليوم الأحد.وقالت ويليامز "إن تهديد الصحفيين واحتجازهم لمجرد أدائهم واجبهم ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويتناقض مع الالتزام بضمان بيئة مواتية لوسائل الإعلام"، معلنة إدانتها "كافة الاعتداءات على الصحفيين ودعوتها إلى تقديم مرتكبيها إلى العدالة".

وأضافت وليامز في رسالتها إن "الإعلام المستقل الذي يمارس بمنأى عن الترهيب والتهديد يعد أمراً بالغ الأهمية في إرساء أسس الديمقراطية". مشيدة بـ"الصحفيين الشجعان والعاملين في وسائل الإعلام في ليبيا الذين يواصلون أداء عملهم في ظروف غاية في الصعوبة في ليبيا رغم تزايد أعمال الترهيب والعنف".وأشارت إلى أنه "على مدى سنوات طوال، ضحى عديد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام الليبيين بحياتهم، وهم يؤدون واجبهم سعياً إلى تغطية الأحداث ونقلها إلى العامة".


وعبرت ويليامز عن المخاوف "بشأن الزيادة الكبيرة، سواء على شبكة الإنترنت أم خارجها، في المعلومات المضللة والتحريض على العنف وخطاب الكراهية، بما في ذلك التهديدات ضد العاملين في وسائل الإعلام على مدى العام الماضي".ولفتت إلى أن ذلك "أدى إلى إشاعة مناخ من انعدام الثقة والخوف والعنف بين مختلف الفئات، وساهم في تعميق الانقسامات الموجودة من قبل في ليبيا وزاد من إضعاف النسيج الاجتماعي الهش في الأصل".

ورأت  رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،أنه "تقع على عاتق الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام مسؤولية التمسك بالمبادئ المهنية والأخلاقية، بما فيها مبادئ الشفافية والنزاهة"، مجددة الدعوة للصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام   "إلى توحيد قواهم في محاربة التضليل في المعلومة وخطاب الكراهية والتحريض".

وعلى الرغم من التحركات الحثيثة لإحياء الحوار بين الأطراف السياسية والوصول إلى تسوية شاملة، فإن ليبيا مازالت تئن تحت وطأة مناخ مشوب بالفوضى السياسية والانفلات الأمني،حيث يُعد الصحفيون الليبيون من بين الضحايا الرئيسيين وسط هذا الواقع المرير الذي مازال يقض مضجع البلاد منذ سنوات.

واقع عبرت عنه اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،التي أكدت أنه فى الوقت الذي يحتفل العالم والصحافيين بهذا اليوم العالمي يتعرض فيه الصحفيين الليبيين،لتصاعد الاعتداءات والانتهاكات بحقهم من جرائم الاختطاف والاعتقال والإخفاء ألقسري من قبل الجماعات والتشكيلات المسلحة بعموم البلاد في ظل إستمرار حالة الإفلات من العقاب نتيجة انهيار الأجهزة الأمنية وضعف منظومة العدالة واستمرار حالة الإفلات من العقاب التي باتت عاجزة عن ملاحقة الجُناة ومحاسبتهم.

واعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في بيان صادر عنها عن تضامنها الكبير مع الصحفيين والإعلاميين الضحايا والمتضررين جراء الجرائم والانتهاكات البشعة التي ترتكب بحقهم،مؤكدة على أن هذه الاعتداءات والانتهاكات التي ترتكب بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في ليبيا انتكاسه خطيرة لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام ومصادرة لمكسب حرية التعبير في ليبيا،خصوصا أمام تكرّر وتصاعد هذه الانتهاكات والاعتداءات والمحاولات التضييق على حرية الصحافة والإعلام في ليبيا.

واعتبرت اللجنة، ملفُ حرية الصحافة والإعلام وضمان وتعزيز حرية التعبير والعمل الصحفي والدفاع عنها من أبرز الملفات والقضايا الرئيسية التي تعمل عليها،مطالبة جميع السلطات الأمنية والعسكرية بعموم البلاد بضرورة الإلتزام بالقوانين والأعراف والمواثيق والإعلانات الدولية الضامنة لحرية الصحافة والإعلام، ووقف جميع أشكال الممارسات والانتهاكات التي تمس بشكل مباشر حرية الصحافة والإعلام وحرية الصحفيين والإعلاميين في ليبيا، وكذلك وقف ممارسة سياسة تكميم الأفواه أو تقييد العمل الصحفي والإعلامي في ليبيا.

وإحتلت ليبيا هذه السنة المرتبة 162 عالميا في مجال حرية الصحافة، بحسب آخر إحصائية لمنظمة مراسلون بلا حدود.وأوضحت المنظمة أن تراجع ترتيب ليبيا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب انعكست سلبا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.

وتنشر المنظمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ عام 2002، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا، انطلاقًا من منهجية تُقيِّم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحفيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلًا عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.وحلت ليبيا في العام الماضي على المؤشر نفسه بالمرتبة الـ164، ونالت العام قبل الماضي أي 2018 المركز نفسه للسنة الراهنة أي 162 لأسباب أيضا تتعلق بالحالة الأمنية.

وألقى الوضع الأمني والسياسي المتردي بظلال وخيمة على واقع الصحافة والإعلام في ليبيا، وساهم بشكل كبير في قمع حرية التعبير، بعد أن وجد الصحافيين أنفسهم عرضة للاغتيال والخطف والتعذيب دون حماية أمنية ولا قضائية ولا قانونية.وكان المركز الليبي لحرية الصحافة وثق العديد من حالات الاغتيال التي طالت الصحفيين خلال سيطرة المليشيات على البلاد ومنهم: الصحفية نصيب كرنافة والتي تعمل بالإذاعة المحلية في مدينة سبها جنوب ليبيا.


ووجدت كرنافة في مقبرة بضواحي المدينة مع جثة سائقها وعليهما أثار تعذيب وحشية، وفقاً لتقرير الطب الشرعي. وفي أغسطس/آب 2013 قتل المذيع في فضائية"ليبيا الحرة" عز الدين قصاد أثناء خروجه من أحد المساجد بمدينة بنغازي بالرصاص على يد مسلحين.كما قتل الصحفي عبد الله بن نزهة في 19 يناير/كانون الثاني   2014 في مدينة سبها رميًا بالرصاص في فترة سيطرة الجماعات المسلحة على المدينة.

وتترنح حرية الصحافة في ليبيا منذ عام 2011، بسبب الوضع الأمني الذي تعيشه البلاد وما يصاحبه،من فوضى وغياب القانون،وهو ما جعل الصحفيين بشكل رئيسي في مرمى الإنتهاكات.وقد وثقت وحدة الرصد والتوثيق مابين يناير عام 2012 وديسمبر عام 2015 ،384 جريمة وإعتداء جسيم تعرض له الصحفيون ووسائل إعلام عدة مابين القتل العمد والشروع بالقتل أو الإختطاف والتعذيب والإعتقال التعسفي والإعتداء بالضرب فضلاً عن الملاحقات القضائية الجائرة بقوانين باهتة.

وبحسب منظمات حقوقية وإعلامية محلية ودولية فإن عامي 2013 و2014 كانت الأسوأ في تاريخ ليبيا على العاملين في مجال الإعلام بعد ترك وظائفهم جراء الاعتداءات والتهديدات التي طالتهم في كل المدن لا سيما مدينتي طرابلس وبنغازي ودرنة.وشهدت بنغازي عام 2014  أكبر الانتهاكات بحق العاملين بمجال الإعلام من قتل وخطف ما جعلها أخطر المدن في العالم علي مزاولي مهنة الصحافة.

وتراجعت مستويات حرية الصحافة و العمل الإعلامي بليبيا منذ إندلاع الأزمة،وأصبح العاملين بهذا المجال عرضة للاخطار والإعتقالات التعسفية والإنتهاكات.وبدأت مؤشرات حرية الصحافة في التراجع ومع دخول البلاد في حالة فوضى سياسية وحروب وسوء أحوال المعيشة والوضع الامني أصبح العمل الإعلامي أكثر خطورة وعرضة لإنتهاكات جسيمة.

وفي ظل غياب سلطة الدولة وعدم وجود أي جسم تشريعي يحدد المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام،إضافة إلى الغياب التام للمؤسسات القانونية والقضائية في البلاد،بالتزامن مع سيطرة إنتشار العنف،باتت الجرائم المرتكبة ضد حرية الإعلام دون حسيب ولا رقيب، علماً أن الجناة ينعمون بإفلات تام من العقاب.

ويؤكد مراقبون بأن وضع الصحافة في ليبيا مازال مقلقا،وسط تأكيد التقارير الدولية على تراجع الحريات في هذا البلد الممزق بلإنقسامات والصراعات،وتصنيفه في رتب متدنية في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.ويرى هؤلاء أن حرية الصحافة في ليبيا تبقى رهينة خروج البلاد من الأزمة التي ألقت بها في دوامة من الفوضى والصراع وسط غياب تام لمعالم الدولة القادرة على بسط نفوذها وتحقيق الأمن والاستقرار.