تحضى الصحافة بدور هام فى المجتمع كونها تعمل على تقديم المعلومات والحقائق،ومساعدة المواطن على الوقوف على كل المستجدات والأحداث،اضافة الى كونها حلقة وصل بين السلطات والناس،الذين تساعدهم على إدراك حقوقهم.وتأخذ الصحافة بعين الاعتبار  مستويات القراء التعليمية وحالاتهم الاجتماعية،وتسمح للجيمع بإيصال أصواتهم وآرائهم، كما تُبقي الأفراد على اتصال بالمجتمع.

وتُعدّ خدمة المواطنين هدفا أساسيا لوجود الصحافة، نظرا لقدرتها على نشر الأخبار والتأثير بشكلٍ غير محدود، ويتزامن ازدياد الاهتمام بالصحافة مع ازدياد الاهتمام بالاقتصاد والمجتمع بشكل عالمي،حيث تؤدي الصحافة دورا مهما للغاية كوسيلة للاتصال الجماهيري في العالم الحديث، كما تُحاول الصحافة إعلام القارئ عما يحدث في المجتمع والدولة والعالم بأسره بموضوعية ومهنية لتنمية المجتمع وتطويره نحو الأفضل.

وبالرغم من التطورات التي شهدها قطاع الصحافة في المغرب العربي الا  أنه مازال يعيش حالة من الارتباك والجمود،حيث لم تنجح الدول المغاربية في تطبيع علاقاتها مع حرية التعبير من خلال السماح بنمو صحافة حرة ومستقلة، إذ يطغى هاجس تحكم السلطة في الإعلام،وهو ما أثر بشكل كبير على هذا القطاع الحيوي وقلص من دوره في تطوير المنطقة.

يختلف الأسلوب بين دول المغرب العربي في التعامل مع الصحافة لكن الهاجس المشترك بينها هو تنامي الرغبة القوية للسلطة لفرض وصايتها على هذا القطاع الحيوي باعتباره منافسا لها في صناعة جزء من الرأي العام،وهو ما يحد بشكل كبير من مساحة حرية التعبير القادرة على انعاشه واطلاقه نحو مزيد التطور.

وتعيش الصحافة السائدة في دول المغرب العربي،على الميزانية المخصصة لها من الدولة التي تتحكم في إنتاجها وتسويقها، ولا تسمح باستقلاليتها التي تتلاءم وتوجهاتها،فيما تعاني الصحافة الحزبية والخاصة من هيمنة رأس المال والتوجهات الخاصة المتحكمة في المواقف والخط التحريري ما يؤثر على هامش حرية التعبير.

  هذه الأوضاع تؤكدها المنظمات المعنية بمراقبة حرية الصحافة في العالم،ففي تقرير منظمة "مراسلون بال حدود" حول حرية الصحافة لعام 2021،صنفت المنظمة منطقة المغرب العربي ضمن مناطق العالم التي تشهد فيها حرية التعبير تضييقا حقيقيا وأوضاعا صعبة.وفي التقرير تراجعت تونس الى المركز 73 بعد أن كانت تحتل المرتبة 72 قبل سنة،فيما احتلت موريتانيا المركز 94 ،وجاء المغرب في المركز 136 متراجعا بثالث نقاط عن السنة الماضية واحتلت الجزائر المركز 146 وهي المرتبة نفسها التي كانت فيها السنة الماضية، بينما جاءت ليبيا في المرتبة 165.

إن احتلال الدول المغاربية لمراتب متأخرة في تصنيفات حريات التعبير في تقارير هذه المنظمات، يعد دليلا واضحا على تدهور حرية الصحافة في هذه البلدان،حيث لا تتواني السلطة في حجب المعلومات وعرقلة الصحفيين من الوصول إلى مصادر الخبر،ودعم صحافة ترعاها السلطة وتوظفها في خدمة أغراضها السياسية وأجنداتها.

وتؤثر هذه الصحافة الخاضعة لأجندات سياسية معينة على الوضع في المنطقة المغاربية بشكل عام،حيث يزيد تعاطي الاعلام الموجه من حجم الخلافات بين الدول على غرار الخلافات بين الجزائر والمغرب التي شهدت توترا كبيرا خلال الفترة الماضية وصلت حد قطع العلاقات بين البلدين الجارين،وزادت الاتهامات المتداولة في الإعلام من الجهتين بالجزائر والمغرب من تعميق الهوّة بين شعبين ودولتين يجمعهما أكثر مما يفرقهما.

إن الصحافة في المغرب العربي في الوقت الراهن وبمواصفاتها في خدمته لأجندة الدولة،تؤثر بشكل كبير على امكانية تحقيق الاندماج المغاربي المنشود في ظل انصياعها لتوجهات معينة وابتعادها عن المهنية ما أدخلها في صراعات وتجاذبات سياسية زادت الوضع سوءا بالرغم من محاولات أهل القطاع الخروج من هذا الوضع وتحقيق الاندماج الذي من شأنه تحقيق الأفضل.

ففي فبراير 2021،أعلن أكثر من مائة صحافي وصحافية من تونس والجزائر وليبيا والمغرب وموريتانيا،بمناسبة الذكرى الثانية والثلاثين لتأسيس اتحاد المغرب العربي يوم 17 شباط / فبراير، تأسيس "الاتحاد المغاربي للصحافيين"، وهو اتحاد يضمّ في هيئته التأسيسية صحافيين من مختلف المؤسسات الإعلامية المغاربية.

وأعرب المؤسسون، في بيان لهم، أن الاتحاد إطار مهني يعمل بالتشاور والحوار المفتوح والبنّاء على حصر انشغالات الصحافيين بالمنطقة المغاربية، والعمل على تحسين ظروف عمل الصحافيين والارتقاء بمهنة الصحافة، وجعلها أداة فاعلة في خدمة القضايا المصيرية المشتركة التي تتوق إليها شعوب المنطقة المغاربية، في جو من الحوار البنّاء والمثمر يكرّس قيم الحرية والعدالة والديمقراطية.

 ويأمل الكثيرون أن يساهم هذا الاتحاد في تحقيق التعاون والمشاركة بين الصحافيين في وسائل إعلام الدول المشاركة به، وتخفيف حدة التوترات والمناوشات بين وسائل الاعالم وتعزيز الاحترام المتبادل.ويؤكد مراقبون أن على الاتحاد أن ينظم مهنة الصحافة على أسس المهنية والاستقلالية،وحماية حقوق ّ العاملين في القطاع،بما يضمن توفير صحافة حرة ونزيهة ذات مصداقية وجودة تحترم األخالقيات وتساهم في تطوير المجتمع.

ان تعريف الصحافة على انها السلطة الرابعة في الدولة يعود الى أهميتها في تقويم الإعوجاج الحاصل في مرافق الدولة ومفاصلها،حيث تسلط الصحافة الضوء على مكامن الخلل والكشف عن المشاكل التي تحدث في الدولة،وتلعب دور الرقيب على المجتمع كسلطة رابعة في تسيير امور الدولة الى جانب السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية. 

ومن هنا يمكن القول بأن تطوير الصحافة في المنطقة المغاربية من خلال توفير فضاء الحرية والديمقراطية للقطاع بما يسمح له بالتأثير في صنع القرار،وهو ما سيكون له دور كبير في تنمية الوعي لدى المجتمعات المغاربية وطرح قضايا الشعوب التي مازالت تحلم بإنجاز الحلم المغاربي الذي لن يقوم في ظل الأوضاع الراهنة للمنطقة، والذي يجب أن يتغير ويتطور لتسريع عملية البناء والاندماج المغاربي.