يعرف النظام الصحة في ليبيا تقهقرًا وتدنيًا في مستوى الخدمات بسبب سنوات من غياب الأمن وصراع الفرقاء على السلطة، ولم تعد المستشفيات والمرافق الطبية قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية.
ويشتكي الليبيون من ضعف الخدمة الطبية المسداة في ظل النقص الفادح في الكادر الطبي وشبه الطبي إضافة إلى التعطل المستمر للأجهزة نتيجة غياب الصيانة وتجديد قطع الغيار، ما دفعهم إلى السفر للدول المجاورة وخاصة تونس ومصر والأردن وتركيا لتلقي العلاج والرعاية الضرورية رغم تكاليفهم المشطة.
وزاد من تعقيد الوضع فيروس كورونا الذي يمثل أحد أبرز التحديات التي تعيشها البلاد في ظل منظومة صحية هشة كانت ضحية للفوضى والصراعات التي شهدتها ليبيا طيلة السنوات الماضية.
وعمّت التحذيرات على مستويات عدة في ليبيا من تفشي كورونا، وسط عدم القدرة على المواجهة، وإثر العجز الحاصل في قطاع الصحة، وتشتت الجهود لمكافحة الفيروس.
وعانى قطاع الصحة في ليبيا خلال السنوات المنصرمة أزمات خانقة، من نقص حاد في الأطقم الطبية والأدوية والمستلزمات التشغيلية الأساسية، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من المرافق الصحية أغلق أبوابه بشكل كامل، بعد تعرّضه للاستهداف، أو لكونه يقع في مناطق تشهد معارك مسلحة بين أطراف الصراع، كما غادرت الأطقم الطبية البلاد بسبب تفاقم الوضع الأمني.
وأعلنت ممثلة منظمة الصحة العالمية إليزابيث هوف، في بيان سابق، أن نحو 1.3 مليون ليبي لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية المناسبة، وأن 43 من بين 98 من المستشفيات تم تقييمها على أنها معطلة كلّياً أو جزئياً، بسبب نقص الأدوية والإمدادات الطبية، الأمر الذي قد يزيد من تفاقم الوضع الإنساني في البلاد.
وعمق الفساد من معاناة القطاع الصحي فبالرغم من تخصيص اموال طائلة لمواجهة جائحة كورونا فان الوضع ازدا سوءا مع  تواصل انهيار النظام الصحي وتدني في مستوى الخدمات في المستشفيات والمرافق الطبية التي لم تعد قادرة على توفير الرعاية الصحية اللازمة للمواطنين بسبب نقص الأجهزة والمعدات وكذلك المستلزمات الطبية.
كشفت بيانات صادرة عن المصرف المركزي في طرابلس،في ديسمبر الماضي، إنفاق حكومة الوفاق أكثر من مليار دينار لمجابهة جائحة كورونا، خصص منها 632 مليون دينار لصالح وزارة الصحة، فيما خصص للبلديات والمجالس المحلية 50 مليونا، و95 مليون دينار لصالح جهاز الطب العسكري، في إطار مواجهة فيروس كورونا.
كما أظهرت بيانات مصرف ليبيا المركزي إنفاق 35 مليونا لجهاز الإسعاف والطوارئ، ونحو 151 مليون دينار لجهاز الإمداد الطبي، و44 مليون دينار لصالح السفارات والقنصليات و22 مليون دينار لصالح وزارة التربية والتعليم.وبحسب بيانات المصرف المركزي، تم تخصيص 779 مليون دينار ليبي للإمداد الطبي، عدا المبلغ المخصص لمواجهة كورونا.
وبالرغم من هذه الأموال الطائلة فان انهيار الوضع الصحي تواصل،جراء الفساد وعمليات الاستيلاء على الأموال المخصصة لمجابهة كورونا.ففي اغسطس/آب الماضي،أمر ديوان عام المحاسبة في طرابلس  بإيقاف عدد من مسؤولي جهاز الطب العسكري التابع لحكومة الوفاق عن العمل لاتهامهم بالفساد واستغلال المناصب والاستيلاء على المال العام المخصص لأزمة كورونا.
التدهور في الخدمات الصحية في عموم ليبيا، دفع المرضى التوجه إلى المصحات العلاجية الخاصة، على أمل الشفاء من أمراضهم افتقدوا علاجها داخل المستشفيات الحكومية.
ولا يتوقف قصور أداء المؤسسات الصحية على نقص الأدوية فحسب، حيث تعاني أيضا من نقص في الكوادر الطبية الأجنبية، التي بدأت في مغادرة المستشفيات مع بروز الانقسام السياسي في ليبيا عام 2014، وما تبعه من أزمات أمنية واقتصادية.
وفي مارس 2018، أجرى البنك الدولي مسحًا لمرافق الرعاية الصحية الأولية الليبية، كشف فيه أن نفاد الأدوية أمر شائع، إذ أبلغ 57% من مقدمي الخدمات عن نقص الإمدادات الأساسية، على سبيل المثال الضمادات والحقن إلى جانب المعدات الطبية الوظيفية والمواد والإمدادات الإدارية، وهو ما يؤثر سلبًا على قدرتهم على أداء وظائفهم.
إلى جانب تداعيات الحرب، فإن قطاع الصحة بليبيا يُعاني من أزمة هيكلية بنيوية عميقة تتمثل في وفرة الموارد البشرية وقلة المردودية، ما أدى إلى ارتفاع نفقات المرتبات بسبب تجاوز التعيينات الجديدة 107% دون شمولها الفنيين والممرضين والأطباء.
ويعود النقص الواضح في الموارد البشرية كالأطباء والممرضين في المستشفيات إلى غياب الأمن وانعدام الاستقرار، كما دفع النزاع المسلح العاملين في القطاع الصحي من الأجانب الذين يمثلون 20%، منهم ما يُقارب 3 آلاف فلبيني، إلى مغادرة ليبيا.
من ذلك، يرى مراقبون أنه من أهم أسباب تدهور القطاع الصحي في ليبيا، النزاع المسلح الذي استمر لسنوات في ليبيا عمق من تدهور خدمات القطاع الصحي، فالنظام في ليبيا ضعيف وهش من الأساس، ولا يقوم على نظم هيكلية صحيحة أو إدارة ناجحة.