تشهد العلاقات بين تركيا وفرنسا توتراً ملحوظاً حول ليبيا. وأخيراً صعَّدت باريس موقفها، وأخذت تكثف انتقاداتها حيال تصرفات أنقرة في ليبيا، ووصفتها بأنها "غير مقبولة" و"لا يمكن لفرنسا السماح بها"، إلى غير ذلك من عبارات تنم عن مواقف فرنسا الرافضة للطموحات التركية في تلك المنطقة
بدت الدبلوماسية الفرنسية خلال الأيام القليلة الماضية نشطة للغاية في إطار الملف الليبي، فقد اعتبرت أن التطورات الأخيرة وخصوصاً التدخل العسكري التركي وإرسال المرتزقة السوريين إلى ليبيا، والتحرش بالقوات الفرنسية بالقرب من السواحل الليبية، كل ذلك يمثل لعبة خطرة يخوض غمارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأن فرنسا لن تسمح باستمرار تلك اللعبة التي ستكون على حساب الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها.
حيث اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نظيره التركي في تصريحات إعلامية سابقة بعدم الوفاء بالوعود التي قطعها في مؤتمر دولي بشأن ليبيا بعد وصول سفن حربية تركية ومقاتلين سوريين إلى ليبيا.
وقال ماكرون خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس "أود أن أعبر عن بواعث القلق فيما يتعلق بسلوك تركيا في الوقت الحالي وهو ما يتناقض تماما مع ما التزم به الرئيس طيب أردوغان في مؤتمر برلين".
ما زاد في توتير الأجواء بين البلدين هو حادثة الفرقاطة العسكرية الفرنسية "كوربيه"، التي تعمل في البحر الأبيض المتوسط في إطار مهمة الناتو، أرادت في أواخر الشهر الماضي تفتيش سفينة تحمل الراية التنزانية متجهة إلى ليبيا، بتهمة خرقها حظر الأسلحة المفروض على ليبيا.
وصرح المسؤولون الفرنسيون أن الفرقاطة الفرنسية تعرضت لمضايقات من قِبل السفن العسكرية التركية التي كانت ترافق هذه السفينة، ما أدى إلى عطل راداراتها ثلاث مرات. مع العلم بأن أردوغان نفسه كان قد وقّع في يناير على اتفاقية برلين، التي تنص على حظر بيع الأسلحة إلى ليبيا.
من جانبه، علق المندوب الفرنسي لدى مجلس الأمن الدولي على ما تفعله البحرية التركية من نقل الأسلحة إلى طرابلس في ليبيا. حيث قال أن ذلك يعتبر انتهاك واضح لمقررات مؤتمر برلين وقرارات مجلس الأمن الخاصة بليبيا. جاء ذلك في كلمة ألقاها، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي عبر الفيديو كونفرانس، بشأن الأوضاع في ليبيا.
وشدد المندوب الفرنسي في مجلس الأمن، على أن ليبيا بدأت تتحول إلى سوريا ثانية، مؤكدا أنه لا حل عسكريا للأزمة الليبية.
ودعا مندوب فرنسا خلال كلمة أمام جلسة افتراضية لمجلس الأمن الأربعاء، لبحث الأوضاع في ليبيا، إلى انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، فلا حل عسكريا للأزمة الليبية، قائلا: "لا بد من انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا"، مؤكدا أنه لا بد من وقف التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية.
في مؤشر جديد على تصاعد حدة الخلاف بين أنقرة وباريس فيما يخص الملف الليبي، أعلنت وزارة الجيوش الفرنسية انسحابها المؤقت من عملية للأمن البحري لحلف شمال الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.
تبعًا لذلك، قال مسؤول في وزارة الدفاع الفرنسية في تصريح لشبكة "سي آن آن":"إن سفير الناتو الفرنسي موريل دوميناش، كتب رسالة إلى الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، لإبلاغه بقرار فرنسا بتعليق مشاركته، مشيرًا إلى أن هذا القرار تم اتخاذه بسبب تعرض فرقاطة فرنسية تحمل اسم "كوربيت" تعرضت لتصرف عدائي من 3 فرقاطات تركية".
وقال الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي، في 18 يونيو حزيران الماضي، إنه ناقش الحادث المزعوم مع دول الحلف، "رسالتي هي أننا تأكدنا من أن السلطات العسكرية للناتو تحقق في الحادث لتوضيح ما حدث"، لكن مسؤول وزارة الدفاع الفرنسية قال ل"ـسي آن آن" إن "التفتيش الذي طلبه الناتو لم يخلص إلى أي استنتاجات".
وأضاف المسؤول الفرنسي، أنه "يجري سحب الموارد العسكرية الفرنسية حتى يتم توضيح حظر الأسلحة. نحن نطالب بإجراء حوار جوهري والامتثال للحظر"، وذلك على خلفية التوتر السياسي بين أنقرة وفرنسا فيما يخص الملف الليبي.
وذكرت وكالة "أسوشيتد برس"الأمريكية، في تقرير لها، أن الخلاف المتصاعد بين تركيا وفرنسا إزاء الأزمة في ليبيا، يشكّل اختبارا قويا لحلف شمال الأطلسي ويظهر ضرورة إجراء إصلاحات داخل الحلف.
ونقل التقرير، عن دبلوماسيين غربيين قولهم: إن "الخلاف الذي احتدم بين سفن حربية تركية وفرنسية قبالة السواحل الليبية كشف ضعف الحلف، خاصة عندما تكون دولتان عضوان فيه تقفان على جانبين مختلفين في صراع خارجي مثل ليبيا".
من ذلك، يرى محللون إن هناك خطر حدوث انقسام طويل الأمد داخل الحلف إذا لم تغير تركيا مسارها، فالنزاع المتصاعد بين الدولتين العضوين في الناتو، سلط ضوءا ساطعا على جهود الحلف؛ للحفاظ على النظام داخل صفوفه، وفي الوقت نفسه كشف نقاط الضعف فيه، وخاصة عدم الموافقة على أي خطوة إلا بإجماع جميع الدول الأعضاء.