بالرغم من الدعوات الاقليمية والدولية لوقف إطلاق النار في ليبيا بمناسبة شهر رمضان ولمواجهة جائحة كورونا الخطيرة، فإن عمليات التصعيد تتواصل من طرف حكومة الوفاق بتحريض من حليفها الرئيس التركي طيب أردوغان، الذي مازال مصرا على نكث تعهداته ومواصلة محاولات تأجيج الصراع في هذا البلد الممزق عبر إغراقه بالمرتزقة والإرهابيين الموالين لأنقرة، وذلك في سبيل خدمة أطماع وطموحات الرئيس التركي التي لم تعد خفية على أحد.

وتواصل تركيا عملية نقل المرتزقة إلى ليبيا؛ للقتال إلى جانب حكومة الوفاق،وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان،الثلاثاء، رصده وصول دفعات جديدة تضم مئات المقاتلين السوريين إلى ليبيا عبر تركيا.وقال المرصد عبر موقه الإلكتروني، إن "تعداد المجندين الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن، بلغ نحو 7850 مرتزقا، بينهم مجموعة غير سورية، في حين أن عدد المجندين الذين وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب بلغ نحو 3000 مجند".

وأشار المرصد إلى أن "هناك مئات المقاتلين يتحضرون للانتقال من سوريا إلى تركيا، حيث تستمر عملية تسجيل قوائم أسماء جديدة من قبل فصائل الجيش الوطني بأمر من الاستخبارات التركية، رغم رفض بعض الفصائل، والتي تتعرض بسبب رفضها لضغوطات كبيرة مثل التهديد بإيقاف الدعم عنها".


ويأتي ذلك في وقت واصل فيه أردوغان تصريحاته العنترية التي باتت تؤكد أنه صاحب الأمر والنهي في طرابلس،حيث زعم إن تركيا عازمة على تحويل المنطقة مجددا إلى ما وصفه بـ"واحة سلام " عبر مواصلة دعمها لحكومة السراج دون أن يوضح كيف لواحة السلام التي يتحدث عنها أن تكون بألاف المرتزقة السوريين الذين أرسلهم إلى ليبيا ومن بينهم عناصر لتنظيمي القاعدة وداعش.

أردوغان وفي كلمة متلفزة عقب ترأسه اجتماعا للحكومة وفقاً لوكالة "الأناضول" التركية،قال:"ستردنا قريبا أنباء سارة جديدة من ليبيا فأمن ليبيا وسلامة ورخاء شعبها هو مفتاح الاستقرار في كامل منطقة شمال إفريقيا والبحر المتوسط".وأشار الى مواصلة دعم ما أسماها "الحكومة الشرعية بليبيا" على حد زعمه.

تصريحات أردوغان حول "أنباء سارة من ليبيا" أعقبها هجوم شنتها القوات الموالية لحكومة الوفاق والمرتزقة والارهابيون الموالين لتركيا على قاعدة الوطية الجويّة الواقعة على بعد 140 كم غرب العاصمة طرابلس،والتي تعتبر أهم قاعدة عسكرية جويّة غرب البلاد وخاضعة لسيطرة الجيش الوطني الليبي.

وهذا ثاني هجوم في أقل من شهر تقوده قوات الوفاق بإسناد من الطيران التركي المسير،على قاعدة الوطية الجوية الاستراتيجية التي تبلغ مساحتها نحو 50 كم، وهي أهمّ موقع يسيطر عليه الجيش الليبي غرب ليبيا، ويستخدمها كنقطة إمدادات رئيسية لقواته في العاصمة طرابلس، وغرفة لعملياته العسكرية.

تفاصيل ومستجدات الهجوم على قاعدة "الوطية" العسكرية،كشفها عبد السلام خزام الضابط بعمليات الجيش الليبي،قائلا: إن عمليات الجيش نجحت في مخططها الرامي لجر الميليشيات لمنطقة الوطية وهي مساحة صحراوية أرضها مفتوحة وشاسعة بدون موانع طبيعية، وعند وصولها لنقطة معينة قام طيران الجيش الليبي بقصفها مباشرة، مما أجبرها على الفرار تاركة قتلاها بالقرب من منطقة "الزرير.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن خزام،أن عناصر من الميليشيات نشروا مقاطع فيديو على أنها في تخوم القاعدة، بينما هي صورت تحديدا في محطة وقود معروفة بـ"شيل الزرير"، علماً أن هذه النقطة تبعد عن القاعدة حوالي 20 كيلو تقريبا.وأوضح خزام أن الطيران المسير التركي عاد لمهاجمة النقاط المتقدمة للجيش الليبي بمحيط قاعدة الوطية، مما أسفر عن مقتل آمر الكتيبة 134 حماية الوطية، أسامة مسيك.


وكان العميد خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي قد نفى ما تردد من أنباء حول وفاة آمر قاعدة الوطية جراء استهداف ميليشيات الوفاق للقاعدة.وقال المحجوب في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن قوات الجيش تمكنت من صد هجوم شنته التشكيلات المسلحة التابعة للوفاق على قاعدة الوطية مؤكدا دحر قوات الوفاق وقتل عدد من عناصرها ينهم القيادي بقوات الوفاق فراس الوحشي.

وفراس عمار السلوقي،الملقّب بـ"الوحشي"،هو أحد أبرز القادة الميدانييّن في ميليشيات الزاوية وأحد أذرع ميليشيا "ثوار طرابلس".ويواجه "الوحشي" اتّهامات بارتكاب عدة جرائم جنائية بالزاوية وطرابلس، وهو مسجل على لوائح الشخصيات الخطيرة في المنطقة، ومطلوب لدى مكتب النائب بتهم تهريب الوقود والاتّجار بالبشر..

وارتبط "الوحشي" في وقت سابق بعلاقة وثيقة مع ميليشيا "غرفة عمليات ثوار ليبيا"، وشارك معها في معارك ضد الجيش الليبي، ومتهم بارتكاب عمليات متشدّدة بقيادة المطلوب للنائب العام شعبان هدية المكنى بـ"أبوعبيدة الزاوي".ويتهم المجلس الاجتماعي ورشفانة فراس السلوقي بحرق عشرات المنازل في المنطقة ما بين عامي 2014 و2015، وسيطرة مجموعته على معسكر (27) وتوعده حينها بنقل المعركة من الساحل إلى مدينة الزنتان.

وتصاعدت الخسائر في صفوف قوات الوفاق،وقالت شعبة الاعلام الحربي للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، في منشور عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، إن الجيش الليبي كبّد قوات الوفاق أكثر من 40 قتيلاً وعشراتٍ من الجرحى وأسر عددٍ من أفرادهم بعد صد هجوم لهم تحت غطاء جوي تركي، على قاعدة الوطية.

وتتزامن هذه الخسائر مع أخرى وثقها المرصد السوري لحقوق الإنسان لمرتزقة أردوغان في ليبيا خلال العمليات العسكرية في ليبيا، حيث أكد وصول 12 جثة على الأقل إلى مناطق سيطرة الأتراك والفصائل بريف حلب الشمالي، ممن قتلوا مؤخرا في معارك ليبيا.وبلغت حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا جراء العمليات العسكرية في ليبيا 261 مقاتلا.


وينتمي القتلى إلى فصائل "لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه".وقالت مصادر المرصد، إن "القتلى لقوا مصرعهم خلال الاشتباكات على محاور حي صلاح الدين جنوب طرابلس، ومحور الرملة قرب مطار طرابلس، ومحور مشروع الهضبة، بالإضافة لمعارك مصراتة ومناطق أخرى في ليبيا.

ومنذ اندلاع المعارك في العاصمة الليبية طرابلس مطلع أبريل/نيسان الماضي،أعلنت تركيا دعمها للمليشيات المسلحة وامدادها بمعدات عسكرية،وذلك بهدف منع سقوط جماعة "الاخوان" ذراع أنقرة في ليبيا والراعي الرسمي لمصالحها ونفوذها هناك.وألقى هذا الدعم الكبير الضوء على نوايا تركيا المشبوهة،والتي تتوضح من خلال استعدادها لفعل أي شيء؛ من أجل عدم خسارة الساحة الليبية.

اصرار أكده المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية التركي عمر جليك،الذي أكد أن الرئيس التركي يتابع التطورات في ليبيا عن كثب بشكل شخصي، مؤكداً أن أردوغان جدد دعم أنقرة القوي لقوات حكومة الوفاق.وأشار جليك، خلال مؤتمر صحفي عقده بمقر الحزب، خلال اجتماع اللجنة المركزية للعدالة والتنمية، عبر تقنية الفيديو، الثلاثاء،   إلى أن التقدم الذي تحرزه قوات الوفاق، يتماشى مع مصالح أنقرة، وفق قوله.

ولا شك أن أردوغان،قد أسقط عن وجهه كل الأقنعة الزائفة والنوايا الخبيثة التي يستهدف بها ليبيا حين قال فى خطاب له في أكتوبر الماضي،أمام منتدى "تى أر تى وورلد" والذى عقد فى إسطنبول:"الأتراك يتواجدون فى ليبيا وسوريا، من أجل حقهم، وحق إخوانهم فى المستقبل"،وزعم أردوغان "تركيا وريث الإمبراطورية العثمانية"، مشيرا إلى سعيه لإحياء ما وصفه بالمجد القديم للأتراك.

ويعول أردوغان على جماعة "الاخوان" لفتح الباب أمام أطماعه في السيطرة على ليبيا.ويتحالف "الاخوان" مع العناصر والجماعات المتطرفة والإرهابية من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" التي ظهرت في الصفوف الأمامية للمليشيات منذ انطلاق عملية "طوفان الكرامة" التي أعلنها الجيش الليبي،وظهرت العديد من العناصر المعروفة بانتماءاتها الارهابية في المعركة.

ويشير مراقبون أن دعم تركيا المستمر لحكومة الوفاق التي يسيطر عليها "الاخوان" أدى الى وصول الطرفين إلى حد الاعتماد المتبادل على بعضهما البعض؛ فالإسلاميون يحتاجون إلى دعم أنقرة للدفاع عن أنفسهم في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بينما تحتاج تركيا إلى الإسلاميين إن كانت تبحث عن نفوذ في البلاد مستقبلا.

ويشير المتابعون للشأن الليبي، إلى أن جماعة "الاخوان" وحليفتهم تركيا سيفعلون كل شيء؛ من أجل ألا تخرج طرابلس آخر معاقلهم عن سيطرتهم،معولين في ذلك على مزيد من الفتن واشعال الحروب في البلاد وتأجيج الصراعات.وكانت حكومة الوفاق، قد رفضت الانخراط في هدنة إنسانية عرضها الجيش الليبي بمناسبة شهر رمضان وهو ما أرجعه مراقبون الى أوامر تركية بهدف الابقاء على حالة الفوضى والصراعات.

ونقلت "العربية.نت"،عن مسؤول عسكري بالقيادة العامة للجيش الليبي،قوله أن قوات الوفاق تعوّل هذه الفترة على ترسانة الأسلحة الكبيرة والمتطورة التي وصلتها من تركيا لتحقيق تفوّق في المعركة وتقدم ميداني، وهو ما يفسر تجاهلها الهدنة التي دعا إليها الجيش الليبي والاستمرار في تصعيد القتال، وكذلك رفضها للمهمة الأوروبية "إيرني" لمراقبة تنفيذ حظر توريد السلاح إلى ليبيا في البحر المتوسط.

وكانت بعثة الأمم المتحدة، قد عبرت في الـ24 من شهر إبريل الماضي عن قلقها من انتهاك الحظر المفروض على ليبيا، عبر مواصلة إدخال الأسلحة الجديدة إلى هذا البلد.وقالت ستيفاني وليامز، القائمة بأعمال مبعوث الأمم المتحدة الخاص، في مؤتمر صحفي عبر الإنترنت، إن ليبيا تتحول إلى "حقل تجارب لكل أنواع الأسلحة الجديدة"، في انتهاك للحظر المفروض على هذا البلد.

وفي ظل سنوات الفوضى والدم التي مرت عليها، مازالت ليبيا ضحية التدخلات الخارجية من الدول الداعمة للجماعات المسلحة والتي تسعى لإطالة أمد الأزمة ما يهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين.ويرى مراقبون أنه وأمام الصمت الدولي على هذه التدخلات السلبية،فإن على الليبيين التعويل على أنفسهم وتجاوز خلافاتهم وارساء سلطة موحدة قادرة على حماية البلاد ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية.