تواجه جماعة الإخوان المسلمين في مصر أزمة لم يسبق لها مثيل منذ تاريخ تأسيسها على يد حسن البنا، في ظل تصارع جناحين على قيادة الجماعة.

ووفقا لصحيفة العرب، يتألف الجناح الأول من النائب السابق للمرشد محمود عزت (71 سنة)، والأمين العام للجماعة محمود حسين، وعضو مكتب الإرشاد محمود غزلان، وعبدالرحمن البر، الملقب بمفتي الجماعة.

أما الجناح الثاني فيقوده عضو مكتب الإرشاد محمد كمال والأمين العام لحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للجماعة تم حله) حسين إبراهيم وعضو مجلس الشورى علي بطيخ، والذين تم اختيارهم لقيادة ما أسموه “لجنة إدارة الأزمة” كبديل عن مكتب الإرشاد في انتخابات داخلية حصلت في فبراير 2014.

وأطل مؤخرا محمود حسين الأمين العام للجماعة، المحسوب على المكتب القديم، عبر بيان ضمنه عدم اعتراف بانتخابات 2014، مشددا على أن مكتب الإرشاد القديم هو الشرعي وما يزال يضطلع بمهامه.

وقال إن “نائب المرشد محمود عزت، وفقا ‘للائحة الداخلية للجماعة’، يقوم بمهام المرشد العام، إلى أن يفرج الله عنه (أي محمد بديع)، وأن مكتب الإرشاد (أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة) هو الذي يدير عمل الجماعة”.

ولا ترغب القيادات التاريخية للجماعة في أن ينفرط عقد القيادة من أيديها، ويريد المسؤولون التقليديون أن يحافظوا على سلطاتهم الواسعة على القواعد وإحكام السيطرة على مصادر التمويل.

ومحمود عزت هو نائب المرشد العام لجماعة الإخوان منذ 2009، والقائم بأعمال المرشد، ويلقب بأنه الرجل الحديدي، حيث شغل منصب عضوية مكتب الإرشاد منذ 1981.

وقال محمود حسين المقيم في تركيا، في البيان الذي أصدره، إن “الجماعة تعمل بأجهزتها ومؤسساتها وفقا للوائحها وبأعضاء مكتب الإرشاد”.

بيان حسين سرعان ما رد عليه المكتب الجديد، الذي أصدر تعميما أكد فيه أن الأخير فقد عضويته بمكتب الإرشاد، وبالتالي الأمانة العامة للمكتب، بمجرد خروجه من مصر، وأن من يعبر عن الجماعة هو متحدثها الإعلامي محمد منتصر.

وفي وقت لاحق، شدد منتصر في بيان نشره على صفحته الرسمية بموقع “فيسبوك” على أن الانتخابات التي وقعت هي صحيحة وأن القيادة الحالية هي صاحبة “الشرعية”.

حرب البيانات هذه امتدت شرارتها إلى الأعضاء والقواعد الذين انقسموا فيما بينهم بين مؤيد للمكتب القديم وآخر للجديد، فيما ما تزال مجموعة كبيرة منهم تحت تأثير الصدمة متسائلة ما إذا كانت الجماعة “تشهد ثورة أم انقلاب؟”.

ويرى متابعون أن هذه الحرب تكشف عمق الأزمة التي باتت تهدد بانفراط عقد الجماعة كحال فرعها في الأردن الذي أصبح جماعتان. وأرجعت مصادر إخوانية بداية انفجار الأزمة وخروجها إلى العلن إلى مقال نشره المتحدث باسم جماعة الإخوان محمود غزلان، تحدث فيه عن “السلمية” في مسعى إلى التمايز عمّا ينشره المتحدث الإعلامي بالمكتب الجديد، محمد منتصر، على مدار الشهور الأربعة الماضية، حول التصعيد والعنف.

ودان محمود غزلان في مقاله ضمنيا المكتب الجديد بانتهاجه العنف في مواجهته مع الدولة المصرية، وهو غطاء يخفي، وفق المتابعين، أزمة في القيادة.

وذكرت المصادر الإخوانية أن جذور هذه الأزمة داخل قيادة الإخوان، ليست بجديدة بل تعود إلى تاريخ فض اعتصام رابعة العدوية في منتصف أغسطس 2013، والقبض على المرشد العام للجماعة محمد بديع، حيث تم نقل صلاحيات الأخير، إلى محمود عزت، 71 عاما، بصفته نائب المرشد الوحيد الموجود داخل مصر، بالإضافة إلى باقي أعضاء مكتب الإرشاد بالداخل.

وأضافت “نظرا لصعوبة حركة عزت (بسبب كبر سنه والمخاوف الأمنية التي يواجهها)، تم توكيل مهام القائم بأعمال المرشد العام إلى مسؤول التربية في الجماعة، محمد طه وهدان، 54 عاما، والذي كان يشغل عضوية مكتب الإرشاد، قبل عزل محمد مرسي (في 3 يوليو 2013)، وشاركه في مهمته محمود غزلان، عضو مكتب الإرشاد، وحسين إبراهيم، الأمين العام لحزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية للإخوان)، وعبدالرحمن البر، الملقب بمفتي الجماعة”.

وأشارت المصادر إلى أن المكتب القديم ظل مسيطرا على الجماعة والتنظيم، ويدير المشهد من خلف الستار حتى تزايدت الدعوات إلى إجراء انتخابات داخلية في الجماعة منتصف العام الماضي، بدفع من جهات إقليمية وفي مقدمتها تركيا.

ولا يتضمن الانقسام في مضمونه خلافات عقائدية أو مراجعات فكرية لكنه ينحصر بين قسمين أحدهما يرفض العنف في الظرف الراهن على الأقل والآخر يسعى إلى تبنيه بشكل أوسع.

وتأمل القيادة القديمة، التي تتمتع بخبرة كبيرة في التعامل والتنسيق مع نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وأجهزة الأمن، في أن تتمكن لاحقا من التوصل إلى اتفاق سياسي ينقذ التنظيم من نفس مصير المواجهة مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي كاد أن يقضي على الجماعة تماما في ستينيات القرن الماضي.

وقال محللون إن خطر الانقسام داخل الإخوان لا يشكل فقط تهديدا للجماعة التي لم تعد تمتلك القدرة على الحشد وفقدت كثيرا من شعبيتها في مصر، لكنه سيسبب إزعاجا أيضا للسلطات حيث سينحصر التأثير الكبير على عناصر الجماعة أكثر من أي وقت مضى في أيدي القيادات الوسطى والشباب الذين لم يغادروا مصر حتى الآن.

ويذكر أن “الانتخابات الداخلية تمت في نهاية 2014، وأسفرت عن انتخاب مكتب إرشاد جديد لم يتضمن أغلب الوجوه القديمة”.

ومكتب الإرشاد هو أعلى سلطة تنفيذية في الجماعة، ويتكون من 18 شخصا، حسب اللائحة الداخلية، في الوقت الذي قد يزيد العدد إلى أكثر من ذلك في حال القبض على أعضاء المكتب، أو تعيين أشخاص جدد.

وأثار إقصاء معظم الوجود القديمة عن المشهد غضبها لتطل عبر مقال لغزلان ثم بيان محمود حسين معلنة رفضها للانتخابات الداخلية. واليوم تحاول بعض القطاعات داخل الجماعة البحث سبل فك الأزمة، بيد أن المحللون يستبعدون نجاح الأمر، معتبرين أن خروج الصراع إلى العلن، لم يأت إلا بعد محاولات فاشلة لرأب الصدع.