تعرّف إفريقيا على أنها تشهد أكبر صحراء في العالم، وهي صحراء اقترن اسمها بالعطش والحرارة والوحشة، حيث الأرض لا متناهية الأطراف، لا تخوم في أركانها غير الرمل والحصى والصخور وبعض الجبال، أمّا في قلبها فقد نشأت بعض البحيرات. وهي أيضا صحراء ملفّعة بغير قليل من الطقوس، والأساطير، التي أنشأتها القبائل من حولها، في إطار صراعها الوحشي من أجل فرض البقاء، إذ كلّ شيء رهين القسوة والصراع، وكأنّ الأمر أشبه بعراك المستحيل. ولا أحد من الدارسين المعاصرين، يمكنه فعلا الكشف عن هذه القبائل، إلا بالعودة إلى جذورها، والحفر في رمزياتها الأنثربولوجية المتعدّد. وربما من خلال ذلك نستطيع تسليط الضوء على الطوارق، باعتبارهم حدّ هذه اللحظة مازالوا يجوبون أعماق الصحراء، وكأنهم سفينتها الوحيدة المتبقية.

وان البحث في أصول الطوارق، تاريخا وعرقا وثقافة، أمر لا مناص له من أهداف تقودنا للكشف عن عمق الإنسانية في تاريخ ما، حيث تمّت محاولاته طمسه، باسم التمدّن والحضارة. وانه لمن الواضح أيضا، أن العالم برمّته، أصبح يتأرجح تحت سيطرة العلم، وصنمية العقل، ممّا فتح المجال لخصي بعده الرّوحي والميثي والجمالي، حتّى أنّ الفلسلفة المعاصرة، باتت تتحدث عن نهاية الإنسان. لذلك كان لا بدّ من العودة إلى الشعوب التي ما زالت تخوض تجربتها البدائية، لا بوصفها متخلّفة، بل بوصفها مخزونا لا ينضب من الإنسانية، والشفافية، والبساطة، والجمالية. كأن نقول مثلا، لا بدّ لنا من خرافة تبعدنا عن أسطورة العلم المزيّفة، ولا بدّ لنا من الذهاب عميقا فيما هو روحي وعلمي حدّ السواء، وهو ما يبرر عودتنا إلى الماضي، والى تلك الشعوب، باعتبارها الموطن الأوّل لعذابات الإنسان وهو يمعّن الوجود عبر قتاله العنيف غوائل الأيام.

الاصول

عرف عن الطوارق، أنهم شعب لا يهدأ في مكان واحد. فهم عبارة عن رحّالة يجوب أصقاع الصحراء الكبرى، لذلك يصعب كثيرا حصر عددهم. وينقسم هذا الشعب إلى خمسة أعراق رئيسية، تعيش بين ليبيا والجزائر والنيجر ومالي وموريطانيا. وهو برغم تعدده، لا يعترف بهذه الحدود الجغرافية، لأنه ما زال متمسكا ببداوته، وليس من اهتماماته أن تكون له دولة خاصّة. وبرغم اختيار البعض منه الاستقرار، كما في مدينة "تامانارست" بجنوب الجزائر، إلا أن أغلبيته، ما تزال تفضل العيش على نمط أسلافها الأوائل، حيث الترحال، والتجارة على ظهور الجمال إلى حدود السودان، على عكس الذين فضّلوا التأقلم حضاريا مع المجتمعات المجاورة المستقرّة، فعملوا في إنشاء الطرقات، وقيادة الشاحنات جنوب الجزائر، أو في مجال الفلاحة وغيرها.

اللغة والدين واللباس

اعتنق شعب الطوارق الديانة الإسلامية، وذهب البعض منه إلى تعلم اللغة العربية والتكلم بها. وفي المقابل حافظوا على لغتهم الأصلية، وهي لغة شبيهة جدا من حيث كتابتها بالحروف الليبية القديمة. وتعرّف هذه اللغة من خلال لهجة عربية اسمها "تاماشاق"، كان الإسلام قد قضى عليها بتوحيده العرب بلغة قريش. وفي هذه اللغة توجد العديد من مفردات اللغة العربية الفصحى، وهو ما يؤكد أن اللغة الطارقية واللغة العربية لهما نفس الجذور. تبقى هناك فروقات طفيفة، إذ أن لغتهم المكتوبة تدعى "التيفينار"، وتكتب من اليمين إلى اليسار أو العكس بالعكس، كما أنّ لها قابلية لتكتب من فوق إلى تحت، وهو ما يشير إلى بعدها السيميائي من خلال صعوبة تحليل شفراتها من قبل الأعداء.أمّا لباسهم، فقد حمل خصوصية تفرّدوا بها وحدهم، وخاصّة اللثام الأزرق الذي جعل من بعض الروائيين والباحثين يصفونهم بالرجال الزرق، نتيجة انعكاس هذا اللون على البشرة. وهذا اللثام خصّص عادة كي يكون غطاءا للرأس والوجه، باستثناء فتحة للعينين، وربما له دلالته الأنثروبولوجية، التي تعكس صراعهم ضدّ هجير الصحراء القاتل. وإضافة إلى ذلك، فقد عرفوا بقدراهم الفائقة في التغلّب على الأمراض عبر استعمال حشائش الصحراء التي خبروها في أسفارهم وهم يقاتلون مصاعب "الهوغار" وسهول "باسيبي" وسلسلة جبال"بيرفي" في النيجر.

عالم الطوارق الاقتصادي

تنبني أسس الاقتصاد الطارقي على الحيوانات كالإبل والماعز، إذ من خلالها يقتاتون وعبرها يقاتلون ومن أجلها يسافرون بحثا عن الكلأ والمرعى. أمّا الجانب الزراعي فقد تمّ إهماله واحتقاره، ولا عمل لهم باستثناء صيد الوعول والنعام. وبرغم من أن بعضهم ذهب إلى زراعة الذرة والتبغ، إلا أن الأغلبية فضلت البقاء على نمط عيش الأسلاف القدامى، فاعتمدت على الوديان في رعي المواشي والإبل التي بشربون من حليبها ويأكلون من لحومها. هذا وقد عرف عنهم كرم الضيافة، ونسجت من حولهم آلاف الأساطير والحكايا في مجال الثأر والحروب والعشق.

عالم الطوارق السياسي

بالرغم من أن الطوارق شعب مسافر على الدوام، وبالرغم من أنهم سفينة الصحراء بامتياز، إلا أن لهم نظامهم في الحكم، يسترشدون به في حياتهم وعلاقاتهم. ويتألف نظامهم هذا، من ثلاثة هياكل. الأول يمثله السلطان ويتولى هذا المنصب أقوى شيخ تتفق عليه القبائل المكونة لسلطنتهم، ويساعده في ذلك رؤساء مجموعات هذه القبائل، إذ لكل قبيلة رئيسها، ويسمى منصب السلطان في اللغة الطارقية "الأمنوكال". أما الهيكل الثاني فيسمى "أمغار" وهو منصب يتقلده شيخ القبيلة، ومهمّته الإشراف على شؤونها. والثالث هو منصب الإمام، وبهتم بالإرشاد الديني.وهذه الهياكل الثلاثة، هي المجلس العام عند الطوارق، والمكوّن من جميع شيوخ القبائل التي تعتمد فيما بينها على التشاور في أمورهم، حربا وسلما وتجارة. وهم من يعيّنون السلطان عبر مقاييس مختلفة كالشجاعة والنبل وحسن السيرة.

عالم الطوارق الاجتماعي

تعدّ الأسرة لدى الطوارق، العالم أو الخلية الأصغر في العشيرة. وعادة ما يعيش معهم عبيد موالين لهم. أمّا الروابط والعلاقات فعادة ما تتعاون الأسر والعشائر على تنظيم الحياة الاقتصادية كحفر الآبار ورعي المواشي. وتشمل القبيلة المكونة من أسر متعددة، جميع الطبقات الاجتماعية كالنبلاء والفقهاء والعبيد والمطربين. وعليه، فإن الشعب الطارقي، من الممكن وصفه بالمجتمع القبلي.

صورة المرأة الطارقية

عرف عن الطوارق أنّهم شعب يعشق الحب إلى درجة القداسة، ويرمز في نظرهم إلى العفة والطهر والعذرية، إذ جرّم الاغتصاب عبر منح المرأة حقّها في منع عشيقها من لمسها أو الاعتداء عليها.ويتزوج الطوارق عادة في سنّ مبكرة، ومن عاداتهم أن يكون مهر المرأة بعض من النوق يحصر عددها وفق قرابة الزوجة من عائلة زوجها. كما أنّ من عاداتهم الطريفة أيضا، أن يوضع في خيمة العروسين، في ليلتهما الأولى، كوما من الرمل يفصل بينهما لمدة ثلاثة أيام، إذ في اليوم الأوّل تكون الزوجة أختا، وفي الثاني تصير أمّا، وفي الثالث ينظر إليها على أساس أنها حماة الزوج، ثم في الرابع تصبح زوجته، ويتم التخلص من كدس الرمل.

  • *باحث تونسي في الانثروبولوجيا