تعيش ليبيا منذ إسقاط النظام سنة 2011 حالة من الفوضى وغياب القانون، وقد غذى هذه الوضعية تزايد وتيرة الاقتتال الداخلي في البلاد في ظل فشل كل المبادرات السياسية سواء كانت في الداخل الليبي أو من خارجه.
الحرب في ليبيا أخذت أشكالا متعددة،حيث وظَفت فيها بعض الأطراف مقاتلين أجانب لترجيح كفتها في الحرب بمعية دول أجنبية مدفوعة بأطماع الثروات الليبية والظفر بسوق إعادة الإعمار المغرية.
خلال الحرب الأخيرة في طرابلس، وضعت حادثة القبض على طيار أجنبي يقاتل في صفوف المليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس، حكومة الوفاق، في مواجهة مفتوحة مع الليبيين بعد ثبوت استنجادها بمرتزقة أجانب.
حيث قال الجيش الوطني الليبي، في بداية المعارك إنه أسقط طائرة حربية من طراز "ميراج إف 1" فرنسية الصنع، تتبع حكومة الوفاق، في منطقة الهيرة الواقعة جنوبي العاصمة طرابلس، مُعلنًا اعتقال قائدها وهو "مُرتزق أجنبي".
وانتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي فيديو للطيار بعد أن سقط في أيدي قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، وعندما سُئل عن جنسيته قال "البرتغال".
وقال الطيار إن اسمه جيمي ريس، ويبلغ من العمر 29 عاما، مشيرًا إلى أن من أحضره إلى ليبيا شخص اسمه "الهادي". وكانت المجموعة تعمل على طائرات موجودة في قاعدة مصراته الجوية.
في نفس الإطار،قالت شبكة "سكاي نيوز" الإخبارية، إنها حصلت على وثائق تورط مصرف ليبيا المركزي، التابع لحكومة فائز السراج في طرابلس، في صرف آلاف الدولارات الأميركية لفريق أجنبي من أجل صيانة وقيادة طائرات حربية.
وتثبت الوثائق إنفاق حكومة السراج أكثر من 800 ألف دولار على فريق من الطيارين والفنيين الأجانب من خلال مصرف ليبيا المركزي بهدف صيانة وقيادة طائرات ميراج في قاعدة مصراته الجوية، بحسب الشبكة الأمريكية.
كشفت هذه الوثائق مرتبات 11 شخصًا من الأجانب، بينهم فنيون وطياران، وكان هذا الكشف موجهًا بتاريخ 24 أغسطس 2017، وموقعًا من العقيد علي أبودية الأبيض، رئيس الأركان الجوية في حكومة الوفاق، إلى مدير إدارة العمليات الدولية بمصرف ليبيا المركزي، لغرض السداد بحكم أنهم طاقم فني للتدريب.
ويأتي الكشف عن هذه الوثائق بعد يوم من إدانة لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الليبي، "استئجار" حكومة السراج في طرابلس، "طيارين أجانب ومرتزقة" لقصف المدنيين الليبيين.
وطالبت اللجنة في بيانها مجلس الأمن الدولي بـ"إدانة جريمة جلب الطيار المرتزق البرتغالي جيمي ريس، البالغ من العمر 29 عاما من قبل ميليشيات تتبع رسميا حكومة فايز السراج". ووصفت جلب طيارين أجانب من المرتزقة، من أجل قصف المدنيين الليبيين، بأنها "جريمة حرب ضد الليبيين".
وطالبت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي، بـ"رفع غطاء الشرعية الدولية عن حكومة السراج المتورطة في جلب المرتزقة لقتل الليبيين".
من جانب آخر، أعلن مكتب المدعي العسكري التابع للجيش الوطني الليبي أن الطيار "المرتزق" البرتغالي الذي أسقطت طائرته مطلع الشهر الماضي، يقبع في سجن بمدينة بنغازي شرقي البلاد.
ونقلت وكالة أنباء "نوفا" الإيطالية عن الحضيري قوله: "الطيار المرتزق كشف عن أن تجنيده كمرتزق في قاعدة الكلية الجوية في مصراتة لم يكن فرديا، بل كان ضمن عملية منظمة بدأت منذ أكثر من أربع سنوات بهدف بناء قوة جوية في المدينة، بعد أن رفض الطيارون الليبيون القتال مع المليشيات الإسلامية التي تسيطر على المدينة".
وذكر الحضيري أن "الطيار المرتزق اعترف بأن قاعدة الكلية الجوية بمصراتة فيها طيارون وفنيون مرتزقة من البرتغال، وأوكرانيا، والإكوادور".
ونقلت الوكالة الإيطالية عن الحضيري "أن هناك طيارين ومهندسي طيران وفنيين من الإكوادور، وفنيين يعملون في القاعدة منذ 2014، إضافة إلى طيارين آخرين من البرتغال".
هذه المعطيات أكّدته صحيفة الفرنسية "باريس ماتش" في تقرير لها بعنوان "مرتزقة إكوادريون يقاتلون في معركة طرابلس" قالت فيه بأنّ مهندسين وطيارين من دولة الإكوادور ظهروا في العام 2016 من خلال المشاركة في المعارك ضد داعش في ليبيا.
مضيفةً أنّ طائرة ميراج آف1 كانت تقلع ومن قاعدتهم في مصراتة، باتجاه سرت لقصف ما كان آنذاك عاصمة الدولة الإسلامية في إفريقيا. مؤكدة بالقول: "ثم قدم الطيارون أنفسهم لمعركة جديدة في أبريل 2019 ولكن هذه المرة ضد الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر".
في ذات السياق،كشف موقع "سكاي فايتر" أنه منذ فبراير 2015 قامت شركة جليسادا الأوكرانية المتخصصة بتوفير قطع الغيار للطائرات والمروحيات لعدة دول بالبحث عن طيارين وتقنيين من ذوي الخبرات في طائرات "ميراج أف 1"لعمل بدوام كامل في أفريقيا بمرتب أشارت التقارير إلى أنه يتراوح ما بين 15 ألف إلى 20 ألف دولار شهرياً تضاف لهم علاوة للطيارين مقابل كل طلعة.
وفي ديسمبر من العام 2015 كشف موقع "مينا ديفانس" الفرنسي الدفاعي الشهير عن وجود 4 مرتزقة يعملون لصالح "فجر ليبيا " وهم من كولومبيا وجنوب أفريقيا.
وقال الموقع حينها في تقرير و مقابلة معهم عقب مغادرتهم ليبيا أنهم وصلوا عبر مطار إسطنبول بعد أن تم التعاقد معهم في العاصمة القطرية الدوحة،كما نشر الموقع صور لهم أثناء تنفيذهم لطلعات جوية لقصف أهداف في الزنتان و الرجبان و صور أخرى أثناء عمليات صيانة داخل قاعدة مصراتة الجوية.
من جانبه،أكّد تقرير الخبراء التابعين للأمم المتحدة في العام 2017 حول ليبيا وجود ما أسماهم بـ"الطيارين المرتزقة" يقاتلون إلى جنب قوات حكومة الوفاق ويعملون انطلاقا من قاعدة مصراتة الجوية.
وقال التقرير أنّ "الهجمات الجوية تواصلت من قاعدة مصراتة الجوية منذ عام 2016. وكانت في القاعدة طائرتان مقاتلتان عاملتان من طراز ميراج آف1 يستخدمهما ما لا يقل عن 3 طيارين أجانب يعملون كمرتزقة. وتفيد التقارير بأن الطيارين نفذوا طلعات جوية من آذار/مارس حتى الأسبوع الثالث من تموز/ يوليو 2016".
وأكّد التقرير أنّ "أحدهم قد لقي حتفه إثر تحطم طائرته في 2 حزيران/يونيو 2016، بعد شنه غارة على تنظيم الدولة الإسلامية في سرت. ومنذ تحطم تلك الطائرة، لم يبتق في مصراتة إلا طائرة ميراج آف 1 واحدة صالحة للعمليات.
وتابع تقرير الخبراء بالقول: "وبينهما تمكن الفريق من تحديد هوية الطيار المتوفى الذي يحمل الجنسية البرتغالية ومقيم بصورة دائمة في ألمانيا، لم تقدّم الدولة الأخيرة معلومات يمكن أن تساعد على الكشف عن دلائل ذات صلة تقود إلى الكيانات التي تعاقدت معه ودفعت لقاء خدماته في ليبيا".
مؤكدًا أنّ "طاقم مهندسين من إكوادور يتولى صيانة طائرة الميراج آف 1. وعندما اتصل الفريق بإكوادور أفادت بأنها لا تعلم شيئا عن تلك الأنشطة. وفي حين تم تحديد الحساب المصرفي المتصل بسداد أجور المهندسين، لم ترد إكوادور على طلب الفريق مزيدا من التفاصيل".
كما كشف التقرير الأممي الجوانب المالية للقضيّة قائلاً: "اضطلعت بالتحويلات المنتظمة للأموال من مصرف لاتفيجاس باستا (في لاتفيا)، شركات مسجلة في المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وإيرلندا الشمالية، لصالح العديد من المواطنين الإكوادوريين الذين كانوا أعضاء في القوة الجوية الإكوادورية".
وأضاف التقرير أنّه "قد تم اكتشاف مدفوعات منتظمة لهؤلاء الأفراد في الفترة بين جزيران/يونيو وكانون الأول/ديسمبر 2015. وقد تلقى المهندسون حوالي 10 ألاف دولار شهريا في حين تلقى الطيارون 20 ألف دولار. وقد طلب الفريق مزيدا من التفاصيل المصرفية من إكوادور والمملكة المتحدة ولكنه لم يتلق المعلومات المطلوبة".
وقال فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أنه علم أنّ "بعد إلقاء القبض على غانم، قام أفراد من مصراتة بالتعاقد مباشرة مع الفريق الإكوادوري. وقد تم تحديد هوية بعض هؤلاء الأفراد المعنيين. وأكدت عدة مصادر أن رجل أعمال معروف من مصراتة عبدالسلام فكروم قد شارك أيضا في الجانب اللوجسيتي من استضافة بعض أعضاء الطاقم خارج القاعدة الجوية في مدينة مصراتة. وقام أيضا بتزويد طياري الميراج ، بإحداثيات الأهداف المقرر مواجهتها، على الأقل حتى بدء العمليات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سرت" وفق نص التقرير.
ويرى مراقبون أن استقدام مرتزقة لضرب ليبيا يأتي في إطار تمشٍّ كامل لتخريب البلاد بدافع من أطراف خارجية تنسق مع مليشيات في الداخل الليبي بهدف اختطاف خيرات البلاد التي تعيش حالة من الضعف و العجز على التوصل إلى تسوية تعيد الاستقرار للبلاد.