تشهد العاصمة الليبية طرابلس، معارك عنيفة بين المليشيات المسلحة اندلعت في 17 آب/أغسطس، في إطار صراع النفوذ المتجدد.وأسفرت هذه الإشتباكات عن مقتل 50 شخصا وجرح 138 معظمهم من المدنيين، بحسب آخر حصيلة لوزارة الصحة، فيما اجبر اشتداد القتال في الضواحي الجنوبية لطرابلس 1825 عائلة على النزوح الى بلدات مجاورة أو البحث عن مناطق آمنة داخل العاصمة، وفق وزارة شؤون النازحين.

وفي الوقت الذي أعلن فيه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، حالة الطوارئ الأمنية في العاصمة طرابلس وضواحيها، بات واضحا أن الاشتباكات العنيفة بين المجموعات والمليشيات المسلحة، ستؤثر على العملية السياسية في ليبيا، خاصة في ظل تأثير العنف على التمثيل الدبلوماسي في البلاد.

السفارة الأمريكية

إلى ذلك، اندلع حريق في محيط مقر السفارة الأمريكية بالعاصمة الليبية طرابلس، الثلاثاء 04 سبتمبر، عقب سقوط قذائف، بحسب ما نقلته تقارير إخبارية محلية.ونقلت "إرم نيوز"، عن شهود عيان إن حريقًا اندلع في مقر السفارة الأمريكية بالعاصمة الليبية طرابلس، بعد اندلاع اشتباكات بين ميليشيا يقودها صلاح بادي، وبين أخرى يقودها غنيوة الككلي.

وتقع السفارة الأمريكية في منطقة سيدي سليم وهي منطقة تتوسط منطقتي النيران بين ميليشيا غنيوة وبادي، اللتين تبادلتا القصف فيما بينهما، ووقعت بعض القذائف على مقر السفارة.وأوضح مصدر أمني في حديث لـ"إرم نيوز"، أن "إحدى القذائف أصابت خزان وقود يتبع للسفارة، مما نتج عنه حريق امتد لأرجاء المبنى"، لافتا إلى أن "قوات الدفاع المدني لم تتمكن من الوصول بسرعة للمكان؛ نظرًا لوجود الاشتباكات، إضافة إلى إغلاق العديد من الطرق السريعة المؤدية للمكان".

يذكر أن الولايات المتحدة الامريكية، أعلنت في يوليو/تموز 2014، اخلاء سفارتها بالعاصمة الليبية طرابلس من جميع الموظفين والمسؤولين الي تونس، في ظل ارتفاع حدة الاشتباكات بين الجماعات المسلحة.وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، حينها إن اخلاء السفارة في ليبيا ناجم عن "خطر حقيقي" على حياة الدبلوماسيين الاميركيين، مضيفا امام الصحافيين في باريس ان الولايات المتحدة "تعلق" عملياتها لكن لا تغلق سفارتها في العاصمة الليبية.

واصدرت وزارة الخارجية الاميركية، حينها تحذيرا الى الاميركيين من السفر الى ليبيا وحثت كل المتواجدين في هذا البلد الى "الرحيل فورا".وجاء ذلك وسط مخاوف من تكرر سيناريو مقتل السفير الأمريكي كريستوفر ستيفنز في الهجوم الذي شنه مسلحون على القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية في سبتمبر/أيلول 2012.

البعثة الإيطالية

وسارعت السلطات الإيطالية اتخاذها لتدابير أمنية محددة نتيجة الاشتباكات المسلحة التي شهدها محيط مطار معيتيقة شرق العاصمة طرابلس، وأبلغت وزيرة الدفاع الإيطالية روبيرتا بينوتي في مداخلة لها بالبرلمان الإيطالي في روما، الثلاثاء، أن عناصر القوات الخاصة الذين يؤمنون السفارة الإيطالية في طرابلس وُضعوا في حالة تأهب قصوى كما تم وضع "الرسميين الإيطاليين" في العاصمة الليبية تحت الحماية.وأضافت بينوتي أنه تم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتنفيذ عملية إجلاء الرعايا الإيطاليين عند الضرورة على متن السفينة الحربية "دي كابري" الراسية في ميناء طرابلس.

وكانت وسائل إعلامية تحدثت عن مغادرة طاقم السفارة الإيطالية طرابلس، بسبب المخاوف الأمنية.وقالت جريدة "كوريري ديلا سيرا" إن السفارة الإيطالية في ليبيا قامت بإجلاء عدد من موظفيها بالسفارة في طرابلس، مع تفاقم حدة الاشتباكات المسلحة في العاصمة طرابلس، لكن مع بقاء السفارة مفتوحة.وذكرت الصحيفة أن الوضع في طرابلس أصبح خطرًا، ولهذا تم إجلاء جزء من طاقم عمل السفارة الإيطالية، وبعض المواطنين الإيطاليين العاملين في ليبيا.

وقالت إن "سفينة تابعة لشركة (إيني) النفطية، متمركزة في ميناء طرابلس، ساعدت في إجلاء بعض التقنيين الإيطاليين العاملين في ميناء وحقول نفطية تابعة لمجمع مليتة النفطي، إلى جانب إجلاء ثمانية من موظفي السفارة الإيطالية"، وتابعت أن "ستة دبلوماسيين لازالوا موجودين بالسفارة، بينهم المسؤول عن الخدمات الإعلامية والاقتصادية والسياسية، ومسؤول الأمن.

ونقلت الصحيفة عن مصدر دبلوماسي قوله، إن "ذلك مجرد إجراء وقائي، حيث يتم إجلاء الأفراد غير الضروريين بصفة موقتة، لكنهم سيعودون مرة أخرى فور أن يستقر الوضع الأمني".فيما أشارت السفارة الإيطالية في تغريدة، على حسابها بموقع "تويتر"، إلى أن "السفارة الإيطالية في ليبيا ستبقى مفتوحة"، لكن دون الإشارة إلى وضع العاملين بها، وما إذا كان قد جرى نقلهم إلى مكان آخر أو إبقاؤهم في طرابلس.

بدورها، أعلنت الخارجية الإيطالية عن خفض عدد دبلوماسييها في طرابلس، ونقلت وكالة "إكي" الإيطالية للأنباء عن مصادر دبلوماسية في روما أن "الأفراد غير الضروريين لضمان تشغيل السفارة في طرابلس، يعودون إلى إيطاليا في الوقت الراهن".واعتبرت المصادر أن هذا الإجراء هو "إحدى نتائج تدهور الوضع الأمني في العاصمة الليبية"، لكنها أشارت إلى أن السفارة "لا تزال تعمل في ظل مرونة أكبر في حضور كادرها"، الذي "يجري تقييمه على أساس متطلبات الوضع الأمني في طرابلس".

ومن جهته، قال السفير الإيطالي لدى ليبيا، جويزيبي بيروني، أن الوضع معقد وهو أمر معروف، مُضيفاً أن السفارة ستبقى مفتوحة، وستستمر حركة الموظفين داخلها.وكانت إيطاليا قد أدانت الاشتباكات المُسلّحة التي تشهدها طرابلس، في بيان مشترك مع فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية.

وكانت إيطاليا قد أعادت إفتتاح سفارتها في ليبيا، في يناير 2017، بشكل رسمي بعد أن ظلت مغلقة لما يقرب من عامين كباقي السفارات الغربية، بسبب أعمال العنف.وتعتبر السفارة الإيطالية إحدى آخر السفارات التي أغلقت أبوابها في شباط/فبراير 2015 بعد استيلاء ما يعرف بمليشيات "فجر ليبيا" على العاصمة إثر معارك عنيفة.

الجزائر تؤجل

على صعيد آخر، قررت الحكومة الجزائرية تأجيل إرسال فريق دبلوماسي مصغر إلى ليبيا كخطوة تمهيدية لإعادة فتح مقر السفارة الجزائرية في طرابلس المغلقة منذ عام 2016.ونقل موقع "العربي الجديد"، عن مصدر دبلوماسي جزائري قوله إن الخارجية الجزائرية ألغت خطة لإرسال فريق دبلوماسي إلى طرابلس في الوقت الحالي بسبب عدم توفر الظروف الأمنية وانعدام الاستقرار بسبب توتر الأوضاع في العاصمة الليبية طرابلس.

وذكر المصدر أن الحكومة كانت تفكر في إرسال مرحلي لدبلوماسيين إلى طرابلس في غضون شهر أكتوبر المقبل لكن التوتر الأخير الحاصل في طرابلس دفع إلى إلغاء الخطة حفاظا على أمن وسلامة الدبلوماسيين مشيرا إلى أن التقديرات السياسية والأمنية لا تتيح إرسال دبلوماسيين في الوقت الحالي فيما تمكن مواصلة مساعي تقريب وجهات النظر بين الليبيين لتحقيق المصالحة الوطنية كحل لإعادة الاستقرار في هذا البلد.

والأسبوع الماضي، أدانت الخارجية الجزائرية الاشتباكات التي تجري في العاصمة الليبية ودعت مختلف الأطراف إلى وقف الاقتتال الداخلي الذي يزيد من متاعب الشعب الليبي ومعاناته إضافة إلى مشاكله المعيشية.

وأمرت الخارجية الجزائرية في 2014 ، بإخلاء مقر السفارة، وأعيد السفير وكل الأعوان القنصليين إلى بلادهم، تجنبًا لأي هجوم متطرف قد يستهدف اختطاف السفير أو أحد الموظفين بنفس سيناريو اختطاف السفير الأردني.وأبدت الخارجية الجزائرية آنذاك مخاوفها بعد حصولها على معلومات مؤكدة تؤكد وجود تهديد حقيقي يستهدف الدبلوماسيين والقنصليين الجزائريين في ليبيا, واتُخذ بعدها قرار يقضي بغلق السفارة والقنصلية العامة في ليبيا، كتدبير وقائي عاجل بالتنسيق مع السلطات الليبية.

وأثبت انفجار مبنى السفارة الجزائرية في العاصمة الليبية، في 16 يناير / كانون الثاني 2015، وأدى إلى إصابة 4 أشخاص على الأقل، والذي تبناه تنظيم "داعش" الإرهابي، صحة المعلومات الأمنية التي كانت بحوزة الخارجية الجزائرية، ودفعتها إلى إخلاء السفارة.

عرقلة

وتسببت المعارك في إلغاء زيارة كانت مبرمجة للسراج إلى كوريا الجنوبية، حيث نقلت وكالة "يونهاب" الكورية عن المكتب الرئاسي هناك أن السراج ألغى زيارته المقررة إلى كوريا الجنوبية هذا الأسبوع بسبب الأوضاع الداخلية. وكان من المقرر أن يزور السراج كوريا الجنوبية لعقد قمة ثنائية مع الرئيس مون جيه إن، في زيارة كانت ستصبح الأولى من نوعها لمسؤول ليبي.

وأكد المجلس الرئاسي، في بيان، أن "ما جرى ويجري من اعتداءات في طرابلس وضواحيها هو عبث بأمن العاصمة وسلامة المواطنين لا يمكن السكوت عنه"، معتبراً أن ذلك "يدخل في نطاق محاولات عرقلة عملية الانتقال السياسي السلمي، ويشكل إجهاضاً للجهود المحلية والدولية المبذولة لتحقيق الاستقرار في البلاد".

وقال المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في بيان صدر عنه، إنه "نظرًا لخطورة الوضع الراهن ولدواعي المصلحة العامة، فإن المجلس يعلن حالة الطوارئ الأمنية بالعاصمة طرابلس وضواحيها؛ لحماية المدنيين، والممتلكات الخاصة والعامة والمنشآت والمؤسسات الحيوية".

ورغم التوصل إلى هدنة بين المليشيات، بحسب ما أعلن وزير الداخلية بحكومة الوفاق، إلا أن تلك الهدنة لم تصمد سوى عدة ساعات، حيث تتجدد الاشتباكات بشكل عنيف، وسط انفلات غير مسبوق ومخاوف من اتساع رقعتها وتحذيرات بتحولها لحرب أهلية طويلة الأمد يدفع ثمنها الشعب الليبي.