مازال إنتشار الميليشيات المسلحة في العاصمة الليبية سببا في تصاعد وتيرة العنف وإستفحال الجرائم في مشهد بات يمثل الواقع الليبي خلال السنوات السبع الماضية.وآخر دلالات الوضع الصعب الذي تعيشه المدينة،جاء مع اعتقال المحامي مصطفى أحمد حدود، بعد مشاركته في ندوة حول التعليم الديني والمدارس الدينية في مدينة تاجوراء يوم الأربعاء الماضي،وفي واقعة تظهر تواصل سياسة تكميم الأفواه والانتهاكات وسط عجز حكومي واضح.
وفي تفاصيل الحادثة،قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، في بيان لها إن عناصر "الغرفة الأمنية المشتركة تاجوراء"، قامت باعتقال حدود "دون أي سند قانوني يوم الأربعاء الماضي بعد مشاركته في ندوة حول التعليم الديني والمدارس الدينية"، موضحة أن اعتقال حدود جاء نتيجة إبداء رأيه الحر ووجهة نظرة حول فكرة التعليم الديني ومدى جدواها".وأوضح البيان "أنه قد تم توجيه تهمة (الإلحاد والردة) للمعني من قبل الجهة التي قبضت عليه"، مشيرة إلى تعرضه للتعذيب الجسدي والمعنوي، وحرمانه من التواصل مع ذويه.
وأوضح البيان أن "هذه الندوة كانت بتنظيم مكتب مراقبة التعليم ببلدية تاجوراء، تحت عنوان "المؤتمر العلمي الثاني للمعلمين"، وبحضور وزير التعليم عثمان عبدالجليل، وعدد من الشخصيات البارزة، إلا أنه تم اعتقال المحامي مصطفى حدود دون أي ردة فعل أو موقف من وزير التعليم بحكومة الوفاق الوطني، وذلك فقط بسبب إبداء رأيه، والتعبير عنه خلال أعمال هذه الندوة.
وطالبت اللجنة،وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني، بسرعة التدخل لإطلاق سراح المحامي مصطفي حدود المعتقل بشكل غير قانوني لدى الغرفة الأمنية المشتركة تاجوراء التابعة لوزارة الداخلية، محملة "مسؤولية سلامة المحامي الشخصية إلى كل من الغرفة الأمنية المشتركة تاجوراء ووزارتي الداخلية والتعليم بحكومة الوفاق الوطني.
وبدورها،حمّلت "حركة تنوير"، وهي منظمة حقوقية إنسانية غير حكومية،مسؤولية سلامة الأستاذ المحامي مصطفى حدود الشخصية لكل من حكومة الوفاق والمجلس الرئاسي ووزارة التعليم، وكل شخص مسؤول في موضع مسؤولية.وأوضحت، أن الاعتقال جاء على خلفية إبداء رأيه الحر حول فكرة التعليم الديني ومدى جدواها، مشيرة إلى أن بعض المصادر ذكرت أن حدود وجهت إليه تهمة "الإلحاد والردة" من قبل الجهة التي قبضت عليه.
وأكدت الحركة أن حدود، تعرض للتعذيب، كما مُنع أهله وذويه من الاتصال والتواصل معه.مؤكدة أن عملية اعتقال المحامي جرت دون أي ردة فعل،رغم حضور وزير التعليم المفوض بحكومة الوفاق، عثمان عبد الجليل وعدد من الشخصيات البارزة وذلك فقط بسبب إبداء رأيه، والتعبير عنه.
وتأتي واقعة تعذيب المحامي بالتزامن مع كشف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حالات التحرش بموظفات البنوك والعميلات، وسط مؤشرات حول ضلوع الميليشيات المسلحة في هذه الانتهاكات المتواترة.وأكدت البعثة الأممية، في تغريدة، عبر حسابها الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي"تويتر"،الثلاثاء، أن البعثة تعمل على دعم السلطات السياسية والأمنية لوضع حد لهذا السلوك الإجرامي.
واستنكرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا،في بيانها واقعة المضايقات هذه،مطالبة وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني بفتح تحقيق شامل في هذه الواقعة وتحديد المسؤولين عنها وضمان تقديمهم للعدالة ومحاسبتهم، والعمل على مقاومة الجريمة والجريمة المنظمة" معتبرة أن "هذا السلوك الإجرامي، يتنافى ويتعارض مع كافة القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية للمجتمع الليبي.
وأكد البيان أن تصاعد وتيرة الجرائم والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من خلال تصاعد حوادث الاختطاف والاعتقال القسري، في الآونة الاخيرة بمدينة طرابلس يمثل مؤشر خطير على فشل المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ووزارة الداخلية في ضمان أمن وسلامة المواطنين وحمايتهم من هذه الأعمال الإجرامية، مما يستوجب العمل بشكل سريع على مقاومة الجريمة والجريمة المنظمة ووقف هذه الانتهاكات والجرائم التي ترتكب في أغلب الحالات من قبل عناصر أو جماعات مسلحة تابعة لوزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني.
وشهدت العاصمة الليبية مظاهرة مطلع مارس الجاري لتأييد الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر في حربه على الارهاب في الجنوب،وهاجمت المليشيات المسلحة المتظاهرين وقامت بتفريقهم عبر اطلاق الرصاص وهو ما قوبل باستهجان في الأوساط الليبية التي اعتبرت أنه مؤشر على غياب حرية التعبير في ظل سطوة السلاح في طرابلس.
وطالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا،المنظمة في بيان رسمي السلطات المحلية بـ"إجراء تحقيق مستقل وشفاف في الواقعة، وضمان حرية التظاهر، بما في ذلك السماح للمتظاهرين بممارسة حقوقهم السياسية"،وحذرت من "تزايد اعتماد السلطات في طرابلس على قوات غير رسمية في عمليات إنفاذ القانون"، داعية حكومة الوفاق إلى دعم أي تفاعل إيجابي مع المطالب الشعبية السلمية.
وتواجه المظاهرات السلميّة في العاصمة الليبية طرابلس،بالرصاص الحيّ، لاسيّما إذا ما تجرّأت جموع المتظاهرين على المطالبة بإخراج جميع التشكيلات المسلحة غير الشرعية من العاصمة طرابلس.ويتعرض كل من يخالف المليشيات للإختطاف أو الإعتقال التعسفي أو القتل دون رادع في ظل ضعف الحكومة وعجزها عن فرض سيطرتها.
ويشير مراقبون إلى عجز حكومة الوفاق عن كبح جماح الميليشيات المسلحة،التي تعمل تحت ستار حكومي وتمارس أبشع أنواع الانتهاكات في حق المواطنين.وفي هذا السياق، أكد الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان بليبيا عبدالمنعم الحر، أن إنكار الانتهاكات من قبل وزارة الداخلية بحكومة الوفاق، وتجاهل آلام الضحايا، وعدم تحقيق العدالة للعديد من المعتقلين، وسيطرة الجماعات المسلحة غير المنضبطة على العديد من السجون والمعتقلات، يعزز من تزايد وتيرة الانتهاكات من ناحية وكذلك يعزز من مسألة الإفلات من العقاب.
وأمام تواصل تغول الميليشيات،تتصاعد الأصوات المنددة بعجز حكومة الوفاق الليبية عن التصدي لها ومحاولة شرعنتها.واتهم عزالدين عقيل، رئيس حزب الائتلاف الجمهوري الليبي، حكومة الوفاق الوطني الليبي، برئاسة فايز السراج، بالوقوف وراء هذه الانتهاكات؛ بسبب دعمها للميليشيات المسلحة في البلاد، وتوفير غطاء سياسي لها.
ونقل موقع "ارم نيوز"،عن عقيل،قوله أن حكومة السراج، وفّرت بيئة سياسية لهذه الميليشيات؛ حتى تواصل انتهاكاتها وتحكم قبضتها على عدد من البنوك، و تتحرش بالنساء الليبيات،وشدد على أن ضحايا الانتهاكات من النساء في ليبيا يقدرن بالآلاف.مطالبا بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، بعدم الاكتفاء بإصدار بيانات تنديد واستنكار لاستمرار هذه الانتهاكات، والتحرك بكل قوة ضد الميليشيات المسلحة التي اتهمها بتشكيل شبكة فساد في ليبيا، وفرض ما وصفه بـ"قانون الغاب" في البلاد.
وتعكس هذه الانتهاكات المستمرة،وغيرها من المآسي اليومية التي يعيشها الليبيون منذ سنوات، حالة الفوضى المستشرية وعجز كل الأطراف عن إنهاء سطوة الميليشيات،التي لطالما خرج الشارع الليبي مرارا وتكرارا ضدها،ومطالبا بضورة إنهاء المظاهر المسلحة وجمع السلاح والمسارعة في تشكيل جيش وشرطة يخول لهما فقط ضبط الأمن.ويجمع المراقبون على أن الوضع في ليبيا صعب حيث تظل كل الحقوق في مهب إنتهاكات الجماعات المسلحة.