تشهد العاصمة الليبية طرابلس،منذ سنوات انفلاتاً أمنياً وسيطرة لميليشيات مسلّحة على مؤسسات حيوية تابعة للدولة. وزادت حّدّة الانفلات بعد الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها المدينة شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين بين تشكيلات مسلّحة من طرابلس وأخرى من مدن محيطة، وأدت الاشتباكات لدخول ميليشيات مسلحة من مدن ومناطق أخرى إلى طرابلس.

وعقب هذه الإشتباكات،قرر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني،في 16 أيلول/سبتمبر الماضي،تشكيل لجنة الترتيبات الأمنية لطرابلس الكبرى،تتولى وضع تدابير لتعزيز وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار الأمني في طرابلس الكبرى، ووضع خطط وتوصيات لتأمين المدينة وإحلال قوات نظامية من الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية في المنشآت الحيوية بدلا من التشكيلات المسلحة.

بدأ التنفيذ

واعتمد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق،الثلاثاء 23 أكتوبر 2018، الخطة الأمنية لتأمين طرابلس الكبرى المعدة من لجنة الترتيبات الأمنية.وقال المكتب الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي، أن الترتيبات الأمنية تستهدف ضمان تأمين المواطنين والممتلكات الخاصة والعامة وإرساء النظام العام الذي يستند على قوات أمن وشرطة نظامية تعمل وفق معايير مهنية، مع اتخاذ كافة التدابير الأمنية والعسكرية والمدنية اللازمة لذلك، كما تحدد الخطة أيضا آليات التنسيق مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وأبدت بعثة الأمم المتحدة لدى ليبيا ترحيبها باعتماد رئيس حكومة الوفاق الوطني، للخطة الأمنية الرامية إلى تأمين منطقة طرابلس الكبرى،وقالت البعثة في بيان مقتضب، إنها ترحب باعتماد السراج للخطة، التي أعدتها لجنة الترتيبات الأمنية، والتي تهدف إلى إرساء النظام عبر قوات نظامية، ووفق معايير مهنية وتتطلع لبدء التنفيذ.

من جانبها،أعلنت وزارة الداخلية بحكومة الوفاق الوطني، البدء في تنفيذ الترتيبات الأمنية داخل العاصمة طرابلس.وقالت الوزارة في بيان مساء الخميس إن "الترتيبات الأمنية ستشمل طوق العاصمة لحفظ الأمن وضبط المركبات الآلية التي لا تحمل لوحات معدنية ومعتمة الزجاج وضبط المطلوبين على ذمة التحقيق". 

وأكدت الوزارة على أنها "سوف تتابع كافة الترتيبات عن طريق المشرفين على الخطة الأمنية والإدارة العامة للتفتيش والمتابعة".ودعت وزارة الداخلية المواطنين بضرورة "إحترام القانون وتعليمات رجال الشرطة ,والتعاون معهم لإنجاح سير العمل على أكمل وجه".

وكانت  مديرية أمن طرابلس أعلنت،الأربعاء، رفع درجة الاستعداد والتأهب إلى نسبة 100% بين منتسبي المديرية إبتداء من الخميس إلى اشعار آخر.و طالبت المديرية من رؤساء المراكز والوحدات والأقسام والمكاتب ،ورئيس غرفة العمليات بإتخاذ الإجراءات والتدابير الأمنية الكفيلة بحفظ الأمن داخل العاصمة طرابلس.

تسليم المقرات

وفي غضون ذلك،أعلنت ميليشيا "كتيبة ثوار طرابلس" في ليبيا،"الخميس، تسليم مقراتها إلى لجنة الترتيبات الأمنية التابعة لحكومة الوفاق،وقال الناطق باسم الميليشيا، عبدالرحمن المزوغي، إنها "سلمت ثمانية مقرات حكومية للجنة الترتيبات الأمنية في طرابلس"، موضحًا أن هذه المقرات "تشمل مقر أجاويد للإنتاج الفني وفندقي المهاري والودان ومقر الإمداد الطبي، ووزارات المواصلات والاتصالات والخارجية والصحة.

وقال المزوغي في تصريحات صحفية، أن قيادات كتيبة ثوار طرابلس اتخذت القرار، خلال اجتماعا عقدوه الأربعاء،وأضاف أن تسليم باقي المقرات "سيجري خلال اليومين القادمين"، مؤكدًا أن الكتيبة تعهدت بعدم عرقلة أداء الحكومة ودعم عمل الأجهزة الأمنية الرسمية في طرابلس.

وعلى الرغم من إعلانها تسليم المقرات، فقد أوحت الكتيبة باستمرار التوتر الأمني في العاصمة طرابلس، بعدما تعهَّدت عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسوك"، بملاحقة المسؤولين عن مقتل أربعة من عناصر قوة الردع الخاصة أخيراً، وتقديمهم للعدالة، ونعت الكتيبة الضحايا الأربعة، الذين لقوا حتفهم، الأسبوع الماضي، عقب مقتل القيادي بالكتيبة خيري حنكورة.

هذا وسلمت كتيبة النواصي من منطقة سوق الجمعة مقر الكلية العسكرية للبنات الواقعة على طريق الشط، إلى لجنة الترتيبات الأمنية، حيث سلمتها الأخيرة بتعلميات من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج إلى المجلس البلدي طرابلس المركز.ونصت رسالة وجهها السراج إلى وزير الداخلية على ضرورة "اتخاذ الإجراءات العاجلة كافة واستصدار التعليمات إلى الوحدات التابعة للداخلية كافة والمتمركزة بمقر الكلية العسكرية للبنات بطرابلس بإخلاء مواقعها وإعادة تمركزها بمواقع أخرى.

تعقيدات

وتأتي هذه التطورات في وقت عادت فيه موجة الاغتيالات لتجتاح العاصمة الليبية طرابلس من جديد، في مشهد طرح تساؤلات حول مدى جدية لجنة الترتيبات الأمنية في بسط الأمن وفرض سلطة الدولة على مدينة تجثم الميليشيات المسلحة على أنفاسها منذ إندلاع الأزمة في البلاد

واغتال مسلحون مجهولون، الخميس، شرطية وشابًا في حادثين منفصلين شهدتهما العاصمة الليبية طرابلس.ونقلت "إرم نيوز"،عن مصادر أمنية في طرابلس، إن الشرطية زهرة البسكيني، تعرضت لإطلاق نار من قبل مسلحين وسط أحد الشوارع في طرابلس.وأضافت المصادر،أن المسلحين "حملوا جثة الشرطية بسيارتهم وألقوها أمام مصحة العافية في منطقة قصر بن غشير، دون أن يعترضهم أحد".

وفي حادثة أخرى،قالت المصادر إن شابًا يدعى محمد أبوحجر من مدينة مصراته، قُتل إثر استهدافه بوابل من رصاص مجهولين أثناء تواجده في الطريق الرابط بين منطقتي قماطة والقربوللي.ورجحت المصادر أن قتل الشاب أبوحجر "ربما يكون مرده عملية ثأر فمن المعروف أن ميليشيات من مصراته قامت بعمليات قتل ونهب في الأعوام السابقة لسكان هاتين المنطقتين".بحسب ما نقت "إرم نيوز".

ويأتى ذلك فى ظل موجة اغتيالات خطيرة فى الفترة الأخيرة العاصمة الليبية طرابلس طالت مسئولين أمنيين،حيث أغتيل مدير فرع جنوب طرابلس لمكافحة المخدرات المقدم علي بوشهيوة ،منذ يومين،عن طريق مجهولين في منطقة قصر بن غشير إحدى ضواحي العاصمة الليبية طرابلس.

وقبل ذلك،اغتيل عنصران من ميليشيا كارة أو ما تعرف بقوة الردع الخاصة رميا بالرصاص على ايدى مجهولين، وبعد أقل من أسبوع، تم اغتيال أحد قادة الميليشيات المسلحة المنتسب لوزارة الداخلية ويدعى خيرى حنكورة، إثر تعرضه لوابل من الرصاص أمام أحد الفنادق وسط المدينة على أيدى عناصر مجهولة.

ويخشى مراقبون من عودة الفوضى وعمليات الاغتيالات غرب ليبيا، كالتي شهدتها بنغازي العام 2013، والتي أدت إلى سيطرة التنظيمات المتشددة عليها لفترة قبل تحريرها من قبل الجيش الوطني الليبي.وفي حين يأمل البعض أن تنجح الترتيبات الأمنية في إنهاء سيطرة المليشيات،يرى البعض الآخر أنها محاولات جديدة لشرعنة المليشيات وإخراجها من دائرة الإتهامات التي طالتها مؤخرا والتهديد بعقوبات من أطراف دولية.