أشار محمد الأشهب في مقال على موقع صحيفة الحياة إلى ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمتين في كل من مالي وليبيا.

وأوضح أن أكثر من طرف بادر إلى احتواء أزمة مالي، بعد معاودة اندلاعها في طبعة الصراع بين الحكومة المركزية وفصائل حركة "أزواد" شمال البلاد، واهتم الوسطاء بوضع مسافات أبعد لإضفاء طابع الحياد على جهود المصالحة التي شملت وقف النار والبحث في مستقبل الإقليم.

وقال إن "أزمة ليبيا أشد خطورة، لكنها لم تحظ بالقدر ذاته من الاهتمام على الصعيد المغاربي، وشكل إرجاء اجتماع وزراء الخارجية المغاربيين في تونس علامة تردد وتململ، على اعتبار أن الخلاف القائم بين حكومتين تتنازعان الشرعية، لم يترك للشركاء المغاربيين فرصة محاورة الطرف الليبي، الذي يمكنه تجسيد الشرعية".

انتظار

بهذا المعنى رغبت العواصم المغاربية أن يأتي الحل عبر اتفاق الليبيين أولاً، ولكن "ما سيكون دورها إذا تحقق هذا المسعى، ما دامت الشرعية هي أصل وجوهر المشكل، فكي لا تبدو أكثر ميلاً لهذا الطرف أو ذاك، اختارت الانتظار".

كما انقسمت الدول المغاربية، على حد تعبير الأشهب، في التعاطي مع الحراك الذي أطاح نظام معمر القذافي على مستوى التدخل الخارجي، وينسحب الموقف بدرجة أقل في رصدها تطورات الأحداث المتلاحقة، فالدول المغاربية لم تعلن ذلك صراحة واكتفت بالرصد، فهي تخشى فعلاً على أمنها واستقرارها، جراء تداعيات الانفلات القائم و"تتمنى لو أن الليبيين ساعدوا أنفسهم، دون حاجة إلى تدخل أطراف خارجية".

لكن، يضيف كاتب المقال، لقد جربت الجزائر القيام بوساطة بين أطراف المشهد السياسي في تونس، لكن ذلك أدى إلى رحيل حكومة الترويكا في ظل معطيات مغايرة للواقع الليبي الراهن، كذلك فعل المغرب وانشغل بتدهور الأوضاع في مالي، وتمكنت موريتانيا التي ترأس الاتحاد الإفريقي من جذب الماليين إلى طاولة المفاوضات.

قاسم مشترك

وأكد الأشهب أن القاسم المشترك بين كل هذه المبادرات يتمثل في كونها كانت فردية، تقوم بها كل دولة على حدة، بعيداً عن الاتحاد المغاربي الذي يقف متفرجاً وعاجزاً عن الحركة، فقد صدرت دعوات لناحية دخول الاتحاد المغاربي على خط أزمة بلدان الساحل والوضع المتدهور في مالي، لكنها لم تتجاوز التمنيات.

وتردد صداها أيضا على مستوى البحث في حلحلة الأزمة الليبية، من دون جدوى، ما يرسخ الاعتقاد بوجود منافسات إقليمية تنطلق من حسابات غير إقليمية، والظاهر أنه كما طرحت إشكالات الحدود المشتركة في التعاطي مع أزمة مالي، حيث افترقت التوجهات والمسالك بين المغرب والجزائر تحديداً، يرجح الموقف أن يشمل الأزمة الحالية الليبية.

وأشار إلى أن طرابلس والرباط أبرمتا في ثمانينات القرن الماضي اتفاق وحدة باسم "الاتحاد العربي – الإفريقي" وتذرع المغاربة والليبيون بألا مشكلات بين بلديهما، لأن الحدود الفاصلة تحول دون التماس الذي تنتج عنه صراعات.

خلافات

وجاء ذلك رداً على محاولة شبه وحدوية ربطت بين تونس والجزائر وموريتانيا، وطرح الموقف ذاته، لأن هناك حدوداً فاصلة، أقلها بين الجزائر وموريتانيا، غير أن تجذر البعد الوحدوي في الفضاء المغاربي، دينياً ولغوياً وتاريخياً وجغرافياً، سيجعل العواصم المغاربية تتجاوز حساسياتها في اتجاه بناء اتحاد مغاربي بخمس دول، لكنه سرعان ما انهار أمام الكم الهائل من الخلافات المتنامية.

وأكد الأشهب أنه في حال استمر العجز المغاربي حيال تطورات الأوضاع في ليبيا، سيكون دليلا إضافيا على أن دول المنطقة لم تتخلص بعد من خلافاتها، ومن المستبعد أن تذهب للبحث عن حل أزمة ليبيا، فيما ركام أزماتها البينية في تزايد.

وأوضح أن التونسيين يحاولون الاستفادة من زخم الثورة لضخ دماء جديدة في شرايين البناء المغاربي الذي تعطل، ويرغبون في استضافة القمة المغاربية المؤجلة قبل نهاية العام الجاري بأية ثمن، لأن ذلك سيمنح بلادهم دوراً إقليمياً، وإن لفترة محددة.

فقد كانت تونس من قبل واقعة تحت كماشة إكراهات جغرافية وسياسية بين ليبيا والجزائر، واليوم، يقول "أصبحت الكماشة أقرب إلى مخاطر غياب الاستقرار، ويعكس رهانها استضافة القمة رغبة في التخلص من الضغوط، لكن القرار ليس تونسياً، وطالما أن الحوار بين المغرب والجزائر عالق إلى أجل غير محدد، يصعب إحراز التقدم الكافي في مساعي الوفاق الإقليمي".

وخلص للقول "لم تقدر العواصم المغاربية على تجاوز تناقضاتها في أوضاع مغايرة، فكيف لها اليوم أن تسهم في حل الأزمة الليبية أو خلق الأجواء المغاربية الملائمة لالتقاط الأنفاس، وكم يبدو حظ دولة مالي أكثر اطمئناناً، من دون إغفال أن الأمر يتعلق بقرار دولي يقضي بمناهضة الإرهاب والتطرف، وفي الحالة الليبية ما تزال التوصيفات تراوح مكانها، ومحورها إبداء القلق لا أقل ولا أكثر".