تخيم المخاوف على العاصمة الليبية طرابلس جراء إنتشار المرتزقة الموالين لتركيا والذين تدفقوا خلال الأسابيع الماضية الى المدينة لدعم حكومة الوفاق التي تتهم بتوفير التمويل لهم في وقت تعيش فيه البلاد أزمة اتصادية خانقة ويعاني المواطن الليبي لتوفير احتياجاته اليومية ناهيك عن المشاكل الأمنية الكبيرة التي تتسبب فيها المليشيات المسلحة والتي زادت وتيرتها مع وصول مرتزقة أردوغان الى طرابلس.
وقد أثارت عمليات نقل المرتزقة التي شهدتها العاصمة الليبية والتي تسارعت وتيرتها،خلال الايام الماضية، استنكارا وتنديدا واسعين على الصعيدين الداخلي والخارجي.وبالرغم من التوصل إلى وقف إطلاق النار،فإن مسلسل اغراق المدينة والبلاد بالمقاتلين والأسلحة من طرف النظام التركي بات يضع الحكومة في مأزق نتيجة اشتداد الانتقادات والخلافات التي عصفت بصفوفها.


ففي مشهد اعتبره الكثيرون منطقيا جراء ما يحدث من تدخل تركي سافر يهدد ليبيا بتواطئ من حكومة الوفاق،أعلن  القائم بالأعمال بسفارة ليبيا لدى النيجر عبدالله بشير انشقاقه عن حكومة الوفاق وأكد انحيازه لشرعية الشعب ومجلس النواب والحكومة الليبية.ونوه إلى أنه سيظل ممثلا للدولة الليبية بكافة أطيافها ومناطقها.
وقال السفير بشير في بيان مصور نشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنه وأمام "الظروف الحالية التي جعلت من حكومة الوفاق مرتهنة لقوى تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار ليبيا لذلك أعلن انحيازي لإرادة الشعب الليبي ومجلس النواب الليبي والحكومة الليبية المنبثقة عنه"، وأضاف "أؤكد دعمي للجيش الليبي في حربه ضد الإرهاب والمليشيات والخارجين عن القانون".
وينضاف انشقاق سفير ليبيا في النيجر الى انشقاقات أخرى عصفت بحكومة الوفاق خلال الفترة الماضية،ففي 07 يناير الماضي، أعلن القائم بالأعمال لدى سفارة ليبيا في جمهورية غينيا كوناكري صبري بركة،انشقاقه عن منصبه التابع لحكومة الوفاق، وانحياز سفارته إلى الحكومة الليبية المنبثقة عن البرلمان الليبي، بالتزامن مع تحرير مدينة سرت، التي كانت بؤرة للدواعش ومخطوفة من الوطن، بحسب قوله.
وخلال مقطع مصور نشرته الصفحة الرسمية لوزارة الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الليبية، قال بركة، إن حكومة الصخيرات - في إشارة لحكومة الوفاق - استدعت الاستعمار التركي اعتقادًا منها بأنه سينقذها من غضب الشعب الليبي.وتابع: "الشعب الليبي كلف القوات المسلحة وأعطاها الثقة، بقيادة المشير خليفة حفتر، بالدفاع عن الوطن وحمايته من الدواعش والإخوان المسلمين".
وفي 15 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قررت السفارة الليبية بالقاهرة تعليق أعمالها لأجل غير مسمى.وجاء ذلك بعد أيام من الإعلان عن توقيع حكومة الوفاق برئاسة السراج مذكرتي تفاهم أمنية وبحرية مع تركيا، وهو ما اعترضت عليه قوى ليبية باعتباره يمثل اعتداء على حقوقهم، وانتهاكاً لسيادة بلادهم، وتفريطاً بثرواتها لصالح الأتراك.


كما سبق أن أعلن القائم بأعمال السفارة الليبية في جمهورية أفريقيا الوسطى حسين محمود بدر انشقاقه عن حكومة الوفاق وانحيازه بكامل البعثة الدبلوماسية إلى ما تقوم به القوات المسلحة بتطهير البلاد من الإرهاب والمليشيات.وطالب السفير بدر حينها عبر تسجيل مرئي من مقر السفارة بالعاصمة "بانجي" كافة البعثات الدبلوماسية الليبية بالخارج بالانحياز إلى شرعية الدولة ودعم القوات المسلحة متهما حكومة السراج بالتحالف مع الجمعات الإرهابية والغرق في الفساد المالي والإداري.
ولم تقتصر الانشقاقات على البعثات الدبلوماسية فقط،ففي يناير الماضي،أعلنت الكتيبة 604 مشاة،انشقاقها عن قوات الوفاق وانضمامها للقوات المسلحة الموجودة على تخوم مدينة مصراتة بعد اتهامها بالخيانة من قبل قيادات مسلحي الوفاق بمدينة مصراتة.ونفت الكتيبة، في بيان لها، ما تداولته وسائل الإعلام من اتهامات للكتيبة بالغدر وخيانة العهد من قبل بعض قيادات مدينة مصراتة مؤكدة أنها كذب وتزوير وقلب للحقائق وتبرير الهزيمة بمبررات واهية مردفا، أن دخول الجيش لم يخفى على أحد بل كان منشور حتى في وسائل التواصل الاجتماعي قبلها بيوم وقامت قوة الحماية بالتحشيد والاشتباك.
وحثت الكتيبة أهالي مصراتة على عدم تسليم مصير المدينة وأهلها إلى الحمقى الذين يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية تحت ستار العصبية القبلية، مشيرةً إلى أن مصراتة من أكثر المدن خسارة في الأرواح والتجارة والعلاقات بسبب استخدام هؤلاء العملاء لطاقات المدينة في تحقيق أهدافهم الوضيعة تحت الستار القبلي بحجه أنهم لا يريدون لأحد أن يحكم البلاد من غير أهل مصراتة وهم في الحقيقة يقودون المدينة لموت بطيء يوماً بعد يوم.وفق البيان.
وقال البيان "هم عملاء لدول أجنبية لن يرضوا أن يحكم البلاد أحد إلا من زمرتهم أو أن يجلبو المستعمر إلى بلادهم ولهذا كل من وجدوا فيه الكفاءة والقوة لحكم البلاد همشوه أو حاربوه أو شوهوه أو قتلوه كما فعلوا بعميد بلدية مصراتة".


وسرعت تركيا من عمليات ارسال المرتزقة والأسلحة الى طرابلس،وقال الناطق باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، خلال مؤتمر صحفي، إن "عدد المرتزقة في ليبيا بلغ حتى الآن 6000 عنصر، ونحو 1500 من تنظيم "جبهة النصرة"، مبينا أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يستهدف إرسال 18 ألف عنصر".
وأضاف، أن "حكومة الوفاق أهدت مبلغ مليون دولار لكل قائد فصيل كي يرسل عناصره السورية للقتال في ليبيا"، مبينا أن "عدد الفصائل يبلغ 10 فصائل وجنسياتهم هي، سورية، وعراقية، وليبية".وأردف المتحدث باسم الجيش الليبي أن "كل مرتزق يتقاضى شهريا 2000 دولار"، مشيرا إلى أن "شخصا يدعى عقيد غازي هو من يقود مرتزقة أردوغان في ليبيا".
وكشف المسماري عن هوية ما قال إنه الشخص الذي يعتبر الحاكم العسكري التركي في طرابلس، قائلا إنه يدعى "أبو الفرقان".وأكد إن لدى الجيش الليبي معلومات تامة عن شخصية "أبو الفرقان" وهو ضابط تركي يطلق عليه "سليماني تركيا"، لكنه نظرا لدواعٍ عسكرية يتحفظ على اسمه الحقيقي.كما بين المسماري بأن مساعد أبو الفرقان هو العقيد غازي وهو يجيد الكلام بالعربية، غير أنه لا يستطيع الكتابة بها وهو ضابط مخابرات وقائد عمليات المرتزقة في طرابلس.


وتزايدت الاتهامات لأردوغان بسبب تدخلاته الخطيرة في ليبيا في الأسابيع الماضية، كان آخرها تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء الماضي، حيث انتقد تناقض سلوك تركيا المثير للقلق في ليبيا مع ما التزم به الرئيس التركي في مؤتمر برلين.وأكد ماكرون إرسال تركيا لسفن حربية إلى طرابلس واتهم أنقرة بانتهاك سيادة ليبيا وتعريض أمن أوروبا وغرب أفريقيا للخطر.
ووثقت فرنسا انتهاك تركيا ما اتفق عليه المشاركون في مؤتمر برلين حول ليبيا، الذي انعقد في 19 أي النار/ يناير الماضي، بحضور 12 دولة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، تحت إشراف الأمم المتحدة.وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الفرنسية، آنييس فون دير مول، في تصريحات لـ"العربية نت"،إن العسكريين الفرنسيين وثّقوا مواصلة تركيا انتهاك ما اتُفق عليه خلال مؤتمر برلين حول ليبيا، من خلال "إرسالها رجالاً ومعدات لصالح جهات معينة في ليبيا"، في إشارة إلى دعم حكومة السراج.
وقدمت بريطانيا يوم الجمعة الماضي، مشروع قرار معدل، لشركائها في مجلس الأمن الدولي، حول المطالبة بسحب المرتزقة من ليبيا.وذكرت وكالة "فرانس برس"، أن "القرار ينص على مطالبة "جميع الدول الأعضاء بعدم التدخّل في النزاع أو اتخاذ تدابير تفاقمه"، معربا عن قلقه من الانخراط المتزايد للمرتزقة في ليبيا.
وكان رئيس حكومة الوفاق فائز السراج قد أقر، في مقابلة أجرتها معه إذاعة "بي بي سي" البريطانية، باستقدام مرتزقة سوريين من تركيا للقتال إلى جانب مليشياته في المعارك بطرابلس.وقال السراج، رداً على سؤال حول وجود مرتزقة سوريين إلى جانب المليشيات الموالية لحكومته: "نحن لا نتردد في التعامل مع أي طرف لمساعدتنا وبأي طريقة كانت".وهو ما اعتبره كثيرون محاولة من السراج لتبرير ارتهانه لأجندات أردوغان والتواطئ مع محاولاته لغزو ليبيا.
ويرى مراقبون،أن التطورات المتسارعة على الأرض تكشف بوضوح إن حكومة الوفاق رهينة للميليشيات المسلحة وللنظام التركي الذي يسعى لتحويل البلاد الى ملاذ جديد للعناصر الارهابية الموالية له خدمة لأجندات أردوغان الاستعمارية وأحلامه التوسعية في المنطقة.ويشير هؤلاء الى أن تواطئ حكومة السراج مع الغزو التركي وضعها في مأزق كبير خاصة مع الرفض الليبي الواسع للوجود التركي في الأراضي الليبية حتى في صفوف داعمي الوفاق.