تعددت زيارات رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس راشد الغنوشي للجزائر التي يُستقبل فيها استقبالا رسميا ككل رجالات الدول مع أنه لا يتقلد أي منصب حكومي يذكر يجعله ممثلا لتونس، ويزور الغنوشي اليوم الجزائر لإجراء مباحثات تهم الوضع الأمني لكن مراقبين أكدوا أن لهذه الزيارة دلالات عدة تتجاوز مجرّد التباحث مع السلطة الجزائرية الحاكمة.

في حركة دبلوماسية لافتة يحل اليوم الاثنين بالجزائر، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية في تونس بدعوة رسمية من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في زيارة يبحث خلالها الأوضاع الأمنية والعلاقات الثنائية بين البلدين.

نقلت مصادر إعلامية جزائرية أن راشد الغنوشي سيلتقي بالرئيس الجزائري بوتفليقة الذي تجمعه به علاقة شخصية قديمة، ثم سيجري محادثات مع الوزير الأول عبد المالك سلال، إضافة إلى شخصيات سياسية وطنية أخرى. ولم يتناول الموقع الرسمي لحركة النهضة موضوع الزيارة ولم يدرج أي خبر أو تصريح يتعلّق بها.

ويحظى الغنوشي دائما باهتمام ملحوظ أثناء زياراته للجزائر سواء بدعوة من الحكومة أو التي تتم من طرف جهات حزبية غير حكومية، حيث يرتبط زعيم إخوان تونس بعلاقات واسعة مع العديد من السياسيّين الجزائريّين خاصة منذ أن لجأ إليها في أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي فارا من حكم الإعدام الذي أصدره ضده نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي.

وتتزامن هذه الزيارة مع زيارة مستشارة الرئيس الفرنسي للشؤون الأفريقية هيلين لوغال لتبحث الأوضاع الأمنية في المغرب العربي والساحل الأفريقي أيضا.

ويثير الاستقبال الرسمي الذي يحظى به الغنوشي عند زيارته للجزائر في كل مرّة جدلا بين الفرقاء وعلامات استفهام، خاصّة وأن الغنوشي لا يتقلّد منصبا حكوميا في تونس وليس رجل دولة، يجعله ممثّلا لها في المحافل الدولية، وقد ذهب بعض المراقبين إلى القول إن السلطات المركزية الجزائرية تفضّل التعامل مع الغنوشي أكثر من الرئيس المؤقت منصف المرزوقي، وهو ما عكسه تصريح الناطق الرسمي باسم الرئاسة التونسية عدنان منصر، في حوار سابق مع صحيفة “الشروق الجزائرية”، حينما قال إن استقبال الرئيس بوتفليقة للشيخ راشد يسبب “الإحراج” لمؤسسة الرئاسة، كما أنه قد يقرأ لدى بعض الأوساط السياسية بطريقة سلبية.

والمعلوم أن راشد الغنوشي دائم التردد على الجزائر، ففي العام الماضي وفي مدة قصيرة قام بزيارة الجزائر خمس مرّات، آخرها في سبتمبر الماضي عندما زار بوتفليقة عقب عودته من رحلة علاج في فرنسا.

وتزامنت تلك الزيارة مع استقبال بوتفليقة لرئيس حركة نداء تونس، الباجي قايد السبسي، وذُكر حينها أن الزيارتين تعلقتا بوساطة جزائرية لحلحلة الأزمة السياسية في تونس.

يذكر أن علاقات شخصية خاصة تربط بوتفليقة بالغنوشي منذ عقود، لكن الزيارات المتكررة لزعيم النهضة التونسية للجزائر في مناسبات مختلفة بدت في صورة خطوات سياسية تسعى من خلالها حركة النهضة التونسية والحكومة التي كانت تقودها سابقا إلى طلب الدعم السياسي والاقتصادي من الجزائر لصالح تونس التي تمر بوضع متأزم على جميع المستويات، ولكن أيضا إلى ضمان حليف استراتيجي خصوصا مع اقتراب مواعيد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وتناقص الرصيد الشعبي لحركة النهضة في تونس.

ويرى مراقبون أن العلاقة بين الغنوشي وبوتفليقة توطدت أكثر منذ قبول السلطات الجزائرية المصالحة مع الإسلاميّين وفتح باب الحوار معهم وإخلاء سبيل الوجوه القيادية في جبهة الإنقاذ المتهمة بالقيام بأعمال إرهابية تهدد الأمن القومي مثل عباس مدني وعلي بلحاج.

ولم يقتصر نظام بوتفليقة على تفعيل المصالحة الوطنية بل قام بالاتصال في المدة الأخيرة بقيادات جبهة الإنقاذ للمشاركة في مشاورات تعديل الدستور، وقد أكد مراقبون آنذاك أنّ اتّصال السلطة الحاكمة بحزب جبهة الإنقاذ دليل على أنّ بوتفليقة في عزلة سياسية جعلته يبحث عن ملاذات جديدة للاستمرار في الحكم وتبرير العهدة الرابعة حتى ولو كان ذلك ببلورة اتفاق معلن أو غير معلن مع إخوان الجزائر المورّطين في أعمال إرهابيّة سنة 1990، خاصّة وأنّ الأحزاب الليبيرالية والتقدّمية ترفض رفضا قطعيا مدّ يدها للنظام والتعامل معه، فهم يعتبرون المرحلة الحالية مرحلة انتقالية ستؤدّي إلى فرض إرادة الشعب وإسقاط الدكتاتورية.

وعلى عكس بعض الدول العربية مثل مصر بدأ إخوان الجزائر بتمتين علاقاتهم السياسية والزيادة في نشاطاتهم الحزبية، فهم على رأي بعض الخبراء “بدؤوا الآن مرحلة العمل الفعلي للوصول إلى السلطة".

وأمام هذه الوضعية يحاول الغنوشي استغلال وتوظيف علاقته ببوتفليقة لدعم مكانة الإخوان في الجزائر وفي المغرب العربي الكبير ولإقامة الحجة على أن مشروعهم الإسلامي “معتدل وديمقراطي”، خاصة وأن الغنوشي دائما ما يقابل قياديين إسلاميّين بعد كل زيارة لبوتفليقة.

وتجمع بين الغنوشي وإخوان الجزائر علاقات ثابتة، فقد ساهموا بشكل مباشر في التعريف به وبمشروعه الإسلامي خاصّة في فترة لجوئه، حيث كان مقرّبا من محفوظ نحناح رئيس حركة مجتمع السلم الجزائرية سابقا والذي قال عنه إنه “ركن أساسي من أركان الدعوة الإسلامية في المنطقة المغاربية”، مشددا على أن النحناح “بذل جهدا عظيما في توصيل علائقي مع جملة المنتظم السياسي الجزائري بمختلف اتجاهاته".

ولطالما دافع الغنوشي عن إخوان الجزائر دون أن يهاجم نظام بوتفليقة أو يُدلي بتصريحات معادية له، حيث قال في تصريحات صحفية سنة 2010 إن إسلاميّي الجزائر “هم جميعا إخواننا وأحبابنا، ندعو لهم بالخير والسداد ووحدة الصف والتوفيق في أن يخرجوا بالجزائر الحبيبة والعظيمة من محنتها التي طالت وكثرت ضحاياها واشتدت آلامها.. نحن منحازون للإسلام وللعروبة ، وللحرية ، وللجزائر".

كما دافع بشدة عن خيار المصالحة مع المسلحين المتحصنين بالجبال الجزائرية واعتبر ذلك خطوة إيجابية لنظام بوتفليقة وقلّل من خطر المتشددين المسلحين، حيث قال في تصريحات للصحافة الجزائرية منذ أربع سنوات “جماعة السلاح لا خطر منهم لأن السلاح الهاوي نادرا جدا ما نجح في منافسة السلاح المحترف”.

 

عن « العرب » اللندنية