وصف وزير الدولة للشؤون الاقتصادية في حكومة الوحدة الوطنية الدكتور سلامة الغويل، ملف إعادة الإعمار في ليبيا بأنه يعد "فرصة مثالية لإبعاد شبح الصراع عن ليبيا" والانتقال إلى عملية البناء والتحديث وتحقيق تطلعات المواطن الليبي.

وقال الغويل في حوار خاص مع «بوابة إفريقيا الإخبارية»، إن "ملف إعادة الإعمار يوفر قراءة موضوعية تستند عليها حكومة الوحدة الوطنية في تقييم الأمور وفهم العلاقات الإقليمية والدولية، كما يوفر أرضية معرفية لحكومة الوحدة لقراءة العلاقات المتشابكة ويقدم لها منظور متعدد الأبعاد لفهم العلاقات القائمة بين إعادة الإعمار وموازين القوى الإقليمية والدولية، بما يتيح لحكومة الوحدة توظيف هذا الملف لتحقيق مصلحة الشعب الليبي صاحب المصلحة الحقيقية في الاستقرار وإعادة الإعمار". وإلى نص الحوار:


-حكومة الوحدة الوطنية قامت بتجهيز خطة إستراتيجية بنيوية شاملة لإعادة الإعمار.

-إنشاء صناديق إعادة الإعمار خطوة إيجابية لاستدراك وتعويض الوقت المهدر.

-الفرصة متاحة أمام دول الجوار للمشاركة في عملية إعادة إعمار ليبيا.

-عملية إعادة الإعمار في ليبيا تتطلب وجود دعم مالي وتقني ضخم.

-صناديق إعادة الإعمار ستكون المنسق والمنظم لكل الجهود وستحدد أولوياتها وفق المتاح من الموارد المالية.


بداية.. كيف تقيم الأوضاع الاقتصادية في ليبيا؟ 

في البداية أود الإشارة إلى أمرين لا شك فيهما وهما أن السياسة والاقتصاد عنصرين متشابكين ومتقاطعين لا ينفصل أحدهما عن الأخر أبداً، فالعمل السياسي يمهد الطريق للاقتصاد، والاقتصاد يمنح السياسة الأدوات والوسائل اللازمة لعملها لتنفيذ أولوياتها، ودون أدنى شك أن الاقتصاد الليبي في الفترة الحالية يشهد تحسن ملحوظ وذلك نتاج حالة من الاستقرار السياسي التي تعمل على تكريسها حكومة الوحدة الوطنية عبر تهيئة أجواء السلام الداخلي بين الليبيين، وهذا الأمر يدركه الجميع ولهُ أثر إيجابي كبير على النسيج الاجتماعي الليبي الذي أضحى وسوف يبقى الميراث الحقيقي لليبيين عبر الأجيال، أما على صعيد السلام الخارجي تتبع الحكومة سياسة الحياد الإيجابي الأمر الذي سينعكس إيجابياً بلا شك في جعل ليبيا تسير في طريقها لتصبح واحة من واحات السلم والأمن الكبيرين في منطقة شمال أفريقيا، ومن هذه المعطيات سوف تتدفق رؤوس الأموال والاستثمارات إلى ليبيا والتي تتطلع لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ومن المعروف أن رأس المال كما يقال «جبان»، وبالقدر نفسه يمكن أن يكون شجاعاً حال وجود الأوضاع المناسبة التي تدفعه إلى الأمام وهذا ما تعمل على تحقيقه حكومة الوحدة الوطنية في أرض الواقع.


ما أبرز التحديات التي تعرقل تحقيق التنمية الاقتصادية في ليبيا.. وكيف يمكن معالجتها؟

إن أبرز التحديات في عملية التنمية الاقتصادية هي تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك غير ممكن إلا إذا أعيد للدولة اعتبارها في الميدان الاقتصادي والاجتماعي وتدخلها الحاسم في تقييم وسائل الإنتاج وإحداث نهضة جديدة لاتصال ذلك بالعدالة في تلبية الحقوق الاجتماعية، وفي هذا الإطار نؤكد على ما يلي: ضرورة الاهتمام بالمرافق العامة الأساسية القائمة واستحداث بنية تحتية جديدة تسهم في تطوير الاقتصاد الوطني مثل السكة الحديد والموانئ والمطارات والطاقة، وبناء قطاع عام قوي وقادر على قيادة التقدم والتحديث في جميع المجالات ويتحمل المسؤولية الرئيسية في خطة التنمية وذلك من خلال بناء مدن صناعية وإيجاد منافذ بيع في الأسواق الأفريقية والآسيوية والأوروبية عبر الشراكة مع الدول الصناعية لنقل تجاربهم والاستفادة منها في توفير فرص عمل تليق بالمواطن الليبي، ومن الضروري جداً مشاركة القطاع الخاص الوطني في النشاط الاقتصادي بشكل حقيقي دونما استغلال للمستهلكين والعاملين في إطار الالتزام بالتخطيط الوطني الشامل للدولة وتقتضي العدالة العمل على جلب رؤوس الأموال الصناعية والتجارية والخدمية الخاصة لعمل مشروعات في مختلف المدن الليبية لضمان عمل التنمية المكانية.

والتحديات التي تفرض نفسها، هي توزيع عوائد الدخل عبر عدة إجراءات منها إعادة هيكلة النفقات العامة حيث تقوم بدور هام في إعادة توزيع الدخل ولا سيما النفقات التحويلية التي تستمد أهميتها من تأثيرها في إعادة توزيع الدخل الوطني ويقع في قلب النفقات العامة المطلوبة لدعم الدولة للسلع والخدمات وخاصة تلك التي يستهلكها السواد الأعظم من المواطنين، والعمل على تنظيم العلاقات الإيجارية بين الملاك والمستأجرين في مختلف أوجه الانتفاع السكني والتجاري أو الصناعي، وتوفير الحقوق التأمينية ضد البطالة وحوادث العمل والعجز الكلي أو الجزئي، ذلك لأنها من حقوق الإنسان الأساسية وتقوم في هذا الإطار صناديق التأمين والضمان الاجتماعي بدور مهم في تأمين الإنسان ضد مخاطر العمل والخوف على المستقبل لذلك شمول الأغطية التأمينية لكافة المخاطر المرتبطة بمجريات الحياة اليومية من ناحية ومخاطر المستقبل من ناحية أخرى يعتبر من أهم العناصر في منظومة العدالة الاجتماعية التي تشكل الأساس المادي والمعنوي لمفهوم الأمن الاجتماعي والإنساني، وإعادة تكييف السياسات الضريبية بحيث إعادة النظر فيها بناء على الفرق في الدخول والثروات في المجتمع الليبي والعمل على الحد من تفاوت المستويات المعيشية وتوفير حياة كريمة تليق بالمواطن الليبي، حيث أن من الأولويات الأساسية لحكومة الوحدة الوطنية تحسين مستوى معيشة المواطن الليبي، والتشديد على ضرورة الالتزام بالسياسات التعليمية لضمان عدالة الفرص أمام المواطنين في مجال التعليم والتوظيف على اختلاف أوضاعهم الاجتماعية ومواقعهم الطبقية باعتبار ذلك الالتزام ضرورة لا غنى عنها لضمان الحقوق الاجتماعية وكفالتها على أساس عادل وامتداد مفهوم العدالة الاجتماعية ليشمل النوع وذلك بوضع استراتيجية وطنية للنهوض بالمرأة الليبية في جميع المجالات ويمتد مفهوم العدالة الاجتماعية لتحقيق العدالة المكانية بين مختلف المدن والمناطق على نحو يوفر قاعدة للتماسك الاجتماعي.

بلا شك أن منظومة السياسات التي أشرت إليها سلفاً سوف تضمن توفير المقومات الأساسية لتحقيق العدالة الاجتماعية على النحو الذي تبتغيه حكومة الوحدة الوطنية وهناك آليات التعزيز التي يمكن اللجوء إليها وهي:

-      استحداث صناديق لمكافحة الفقر على الصعيد الوطني وذلك لمنع إعادة إنتاج الفقر نفسه بين الفئات الاجتماعية في ليبيا.

-      المسارعة بوضع سياسات لصناديق إعادة الإعمار لما لها من أهمية كبرى في إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب.


"إعادة الاعمار في ليبيا" يعد من أولويات عمل حكومة الوحدة الوطنية.. فما خطتكم في هذا الصدد؟

قامت حكومة الوحدة الوطنية بتجهيز خطة استراتيجية بنيوية شاملة لإعادة الإعمار للمدن والمناطق بأهداف مفصلة ويستدعي تحقيقها الانطلاق من رؤية غير تقليدية، تُحدّد الغرض، والرسالة، والأهداف وهي مبنية على عدة أهداف كالآتي إقامة البنية تحتية حديثة تمكن الدّولة من التّوجّه إلى رجال الأعمال بطلب تصميم مشروعات وتمويلها وتنفيذها بهدف تكاملي يحقق غرضه بكفاءة وفعالية عالية، والعمل على مراقبة الجودة من حيث النوع والسعر لضمان سلامة عملية إعادة الإعمار، وكذلك ضرورة تأسيس «حكومة إلكترونية» عن طريق أتمتة الإجراءات وتطبيق الرّقابة والشفافية. 

أما الشكل المرجعي لـ «خطة الإعمار» فيتكون من الأجزاء التالية، العمل على وضع الإطار المؤسسي والإشرافي لأنشطة وفق الإستراتيجية، وضمان وجود لجنة توجيهية مع اللجنة التنفيذية، والاتفاق على فريق العمل، تحليل الوضع القائم، وترتيب فرص وأولويات إعادة الإعمار وسرعة التنفيذ، وقياس الأثر، والتنسيق بين مراحل الإعداد والتنفيذ، وجدولتها، وفرص التمويل مع ضرورة وضع خطط عمل فرعية لكل مكوّن يتم تنفيذها بشكل متوازي ومتناسق وضع خطة متابعة؛ لضمان تنفيذ الخطط، وأدوات لقياس تحقيق المستهدفات والأهداف، وتوضيح دور خبراء القطاع الخاص كل وفق مجاله.


حكومة الوحدة الوطنية أقرت إنشاء صناديق لإعادة إعمار المدن المتضررة من الحروب، مثل طرابلس وبنغازي وسرت ودرنة.. هل هناك رؤية واضحة بشأن مصادر تمويل هذه الصناديق؟

إن إنشاء صناديق لإعادة الإعمار يعد خطوة إيجابية لاستدراك وتعويض الوقت الذي أهدر من عمر الإصلاح والتطوير ومن أجل مواجهة تحديات إعادة الإعمار خلال الفترة المقبلة بكل أبعادها وتفاصيلها وخصوصاً التحديات المالية المتركزة في إيجاد مصادر التمويل اللازمة لنجاح الاستراتيجية التي رسمتها حكومة الوحدة الوطنية. 

وتكمن أهمية هذه التحديات في القرارات المالية وأسلوب اختيار كل مصدر تمويلي، بحيث يجب أن يتناغم مع مشروعات استراتيجية إعادة الإعمار الشاملة لبناء ليبيا بما يراعي المحافظة على ثقافتنا وهويتنا الوطنية ويعمل على تقوية وبناء المجتمع وتزيد من فاعليته وتكامله، ولابد النظر في مصادر التمويل وضمان كونها مناسبة لمتطلبات مرحلة إعادة الإعمار، علاوة على ذلك اتخاذ الإجراءات التي من شأنها دعم خطوات التحرير المالي والانفتاح على الأسواق العالمية، وجذب المستثمرين بشكل مدروس، ويمكن بدء هذه الخطوات من خلال إنشاء سوق يتيح أدوات تمويلية جديدة، ومن ثم الانطلاق في بناء علاقات متوازنة ومدروسة مبنية على أسس وقواعد اجتماعية وسياسية وتنموية شاملة، عمادها الاتفاقيات والشراكات ذات المصلحة المشتركة وعقود BOT هو اتفاق تعاقدي يتولى بموجبه شخص من القطاع الخاص إنشاء مرفق عام للدولة ويديرهُ لفترة معينة تكون محددة ضمن إطار من التشريعات القانونية المتطورة والمرنة التي تتيح استخدام مختلف أدوات السياسة النقدية والمالية وغيرها من الأدوات بطريقة عقلانية وسليمة من قبل الحكومة، وكل هذا يحتاج لشرط أساسي وهو تحقيق الأمن والاستقرار في بلادنا العزيزة ليبيا.


- ما فرص نجاح هذه الصناديق في تحقيق المأمول منها؟ أو إلى أي مدى يمكن أن تنجح صناديق إعادة إعمار ليبيا؟ 

من نافلة القول إن العوامل الاقتصادية ذات أثر في النتائج السياسية المرتبطة بإعادة الإعمار، ويتضح ذلك من خلال الشروط التي تمثل ركيزة أساسية والتي ينبغي توافرها كي تتكلّل عملية إعادة الإعمار بالنجاح، فكل شرط يحدد ما إذا كانت عملية إعادة الإعمار ستتحقّق وكيف ستحدث، وهذه الشروط هي: 

-أولًا: توافر الموارد الاقتصادية لإعادة الإعمار، ويعني ذلك الموارد المالية بالدرجة الأولى، ولكن ليس بشمل حصري. 

-ثانيًا: الطريقة المتبعة لترسيخ الاستقرار وإرساء دعائم الأمن الذي يعد عنصر مهم لإعادة الإعمار.

-ثالثًا: ديناميكية العملية السياسية على الصعيد الوطني أو الإقليمي لصنع مقاربة الاستقرار. 

-رابعًا: الهياكل الاقتصادية القائمة، وتأسيس القطاعات وفق أحدث الطرق العلمية، ودور الدولة في تحقيق إعادة الإعمار وتتبلور عملية إعادة الإعمار الناجحة على بناء الدولة بشكل فاعل وتحقيق تعافي اقتصادي مستديم ومتوازن وطويل الأجل.


- هناك تنافس دولي على إعادة الاعمار.. لماذا هذا التنافس.. وما سلبيات وإيجابيات هذا التنافس على ليبيا؟

إن مسألة إعادة الإعمار بعد الصراع يعتمد في الأساس على حجم الإعمار ووتيرتهِ ونطاقهِ الجغرافي، وعلى عوامل جيواقتصادية في مثل الحالة الليبية الراهنة، بصيغة أخرى كيف تؤثر تبك الاعتبارات الجيوسياسية على استعمال الموارد الاقتصادية للدولة. وتمثل إعادة الإعمار فصل جديد مختلف في كل طقوسه فهو سيفتح باب التنافس بين الأطراف الفاعلة إقليميا ودولياً لهذا السبب ستتوفر أرضية معرفية لحكومة الوحدة الوطنية لقراءة العلاقات المتشابكة وقد يقدم لها منظور متعدد الأبعاد لفهم العلاقات القائمة بين إعادة الإعمار وموازين القوى الإقليمية والدولية بما يتيح لها توظيف هذا الملف لتحقيق مصلحة الشعب الليبي صاحب المصلحة الحقيقية في الاستقرار وإعادة الإعمار.


ماذا عن دور دول الجوار في إعادة اعمار ليبيا؟

ستكون الفرصة متاحة أمام دول الجوار للمشاركة في عملية إعادة إعمار ليبيا خاصة أنها تملك المؤهلات والخبرات في مجال البنية التحتية وإعادة الإعمار، ومنها قطاع الكهرباء والبناء والتشييد وصناعة مواد البناء لجانب المشروعات السكانية والمرافق الخدمية.


برأيك.. هل يمثل ملف إعادة الاعمار بوابة لصراع دولي جديد في ليبيا؟ 

كما أشرت لك سابقاً قد يوفر ملف إعادة الإعمار قراءة موضوعية تستند عليها حكومة الوحدة الوطنية في تقييم الأمور وفهم العلاقات الإقليمية والدولية، وبالتالي ملف إعادة الإعمار فرصة مثالية لإبعاد شبح الصراع عن ليبيا مجدداً والتوجه لعملية البناء والتحديث وتحقيق تطلعات المواطن الليبي.


أخيرا.. ما ضمانات صرف المخصصات المالية المتعلقة بإعادة الاعمار في مكانها الصحيح وعدم إهداراها؟

إن عملية إعادة الإعمار في ليبيا تتطلب وجود دعم مالي وتقني ضخم والضامن لكل ذلك التشريعات القانونية التي تحمي بدورها الشركات التي ستساهم في إعادة الإعمار والصناديق المعنية بإعادة الإعمار سوف تكون بمثابة المنسق والمنظم لكل الجهود والتي ستحدد أولوياتها وفق ما هو متاح لديها من موارد مالية في الكثير من الأحيان يتساوى تحقيق الاستقرار الاجتماعي مع إضفاء الطابع المؤسساتي على الحقوق المدنية والضمانات اللازمة للحفاظ على الأموال المخصصة لإعادة الإعمار وتحصينها من إهدار المال العام.  

ويتم ذلك عبر سلسلة من الإجراءات الإصلاحية للقضاء وإنشاء مؤسسات قانونية ترمي إلى حماية الحقوق، وعليه لابد من التركيز على التشريعات القانونية خلال فترة إعادة الإعمار بشكل مكثف فهي تساهم في تعزيز العدالة وتحقيق الأهداف الكامنة وراء إعادة الإعمار وتعزز أيضا الأهداف الاقتصادية، وفي الوقت ذاته إعادة ستساهم في ترميم النسيج الاجتماعي المحلي وهي بالتالي تمثل مفتاح لإصلاح العلاقات وتأهيل البلد للنجاح في إعادة الإعمار.