هو فنان التفاصيل الصغيرة البارع في تصوير ملامح مجتمعه بدقة لم يبلغها أي فنان كاريكاتير عربي آخر، وفي ليبيا يعتبره الناس فنانهم الأول، الذي يلمس قضاياهم وهمومهم اليومية ببراعة وعفوية لا بل يدفع الناظر الى رسومه للتفكير وبعمق انه كمن يلقي صخرة في بحيرة راكدة حيث يستثير عقل المتلقي وعواطفه تجاه المحتوى الذي يقدمه. 

وبعكس معظم رسامي الكاريكاتير الذين ينهون الرسم في غضون ربع ساعة يبقى الزواوي يرسم ولساعات في رسم واحد مدروس من حيث الكتلة والظل والنور والأبعاد وهو يتعمد رسم المجاميع حيث يصوّر كل شخص في اللوحة بكامل ملامحه ولو كانوا أكثر من مئة، أما في رسومه الملونة فحدّث ولا حرج، فريشة مرنة ورشيقة تنافس الصورة الفوتوغرافية ودفعت الصحف العالمية الكبرى للكتابة عنه وصدرت عن أعماله الدراسات باللغات المختلفة وشهدت معارضه في البلاد العربية وعواصم العالم عشرات الالاف من المعجبين المتعجبين وما من زائر لليبيا الا وحرص على ان يصطحب معه نُسخا من كتبه "الوجه الآخر" و"أنتم" و"نحن". 

ولد محمد الزواوي بضواحي بنغازي سنة 1936. 

وحول بدايته مع الرسم يقول في حديث نادر نشر منذ سنوات: 

"ولدت ميولي نحو الكاريكاتير في عمر مبكر، فقد كنت أسكن في نجع بدوي، وكان بجوارنا واد اسمه "وادي القطارة". وكانت يومياتي تبدأ في ظل هذا الجو أرعى البقر صباحاً وأقطف الزهور وأوراق العنب واحولها الى الوان على الصخور، وبعد الغروب أفاجأ بأن البقر الذي كنت مكلفاً بحراسته قد غادر المكان! وكالعادة تعودت ان يكون موعد (العلقة) الساخنة بعد هذه الفترة يومياً حتى دخلت المدرسة وفي المدرسة فشلت في جميع الدروس الا مادة الرسم، وبعد سنوات تركت الدراسة بسبب ظروفي العائلية لأعمل رساماً في شركة اميركية. 

 

وفي هذه الفترة بدأت أتابع رسوم الفنان اليوناني "برني" الذي كان يرسم في مجلة "الاثنين" المصرية وفعلاً بدأت محاولات تقليد لاترك الرسم الواقعي الى الكاريكاتير". 

 

وعندما حُلت المصالح المشتركة سنة 1961 انتدب الزواوي للعمل في "مجلة الاذاعة" بطرابلس كمخرج صحفي ورسام. وعلى صفحاتها خط أول لوحة ساخرة عام 1963، ثم انتقل لمجلة "المرأة" كمخرج ورسام الى جانب نشر رسومه في معظم الصحف التي كانت تصدر بالبلاد الى جانب التزامه اليومي بنشر رسومه بصحيفة "الثورة" ثم عمل رساما بصحيفة "الاسبوع السياسي" ثم بصحيفة "الجماهير" ثم "الزحف الأخضر سابقا " و"الشاهد" حالياً. وهو من قلة في العالم العربي الذين خاضوا غمار الرسوم المتحركة ونفذ أفلاماً مدتها أكثر من 50 دقيقة، وقد كُرّم الزواوي مرتين بوسام "المواطن الصالح"

توفي يوم الأحد الموافق 5 يونيو عام 2011 فنان الكاريكاتير الليبي الكبير محمد الزواوي في العاصمة الليبية طرابلس، عن عمر يناهز ال 76 عام. الوفاة حدثت نتيجة جلطة في القلب عندما كان الفنان يخط خطوطه الأولى لرسمه الذي لم يكمله، مما أدى إلى سقوطه عن كرسيه، ووفاته، حيث كان الفنان الراحل في صحة جيدة قبل وفاته المفاجئة، كما أفاد أحد أبناءه.

كتب د.علي فهمي خشيم في تقديمه لكتاب الفنان الليبي محمد الزواوي :

كلما أطال المرء النظر تبينت له معان فنية في تلك الخطوط الدقيقة والتفصيلات الجزئية التي يهتم بها كل الاهتمام ، تماماً 

كما يهتم كاتب مجيد بالتفصيلات والدقائق بعد أن عاشها وأدرك أبعاد تأثيرها العميق ،

وميزة أخرى في لوحات الزواوي لا تخطئها العين ، هي قدرته العجيبة على ألا يكتفي بان يجعلنا نضحك من قلوبنا للمفارقة 

الغريبة , أو يشد انتباهنا إلى جزئيات لم تخطر لنا على بال , فحسب بل قدرته على أن يدفعنا لان نفكر في القضية التي 

يصورها...

ولوحات الزواوي ليست مجرد عرض للمهارة الفنية , وما من رسم له مجرد شكل جمالي مسطح , انه يضمّن كل خط فكرة ، 

فيخرج المتأمل بمجموعة أفكار تشغل ذهنه وتثير خياله ليفحص واقعه ويثور عليه ليغيره إلى الأفضل ...يتميز الزواوي بثبات 

اليد , وحدة الخطوط , والثقة الواضحة في الريشة الراسمة ، 

وبالنسبة لحرصه على التفاصيل التي هي في بعض المذاهب غير ذات ضرورة لكنها في مذهبه ضرورية جدا.إن محمداً ـ بلا جدال ـ خير من يرسم المجتمع الليبي كاريكاتيرا وقس على هذا بقية الأفراد والطبقات والمهن والصناعات..وهذه ميزة لا تتوفر بغيره ...

رسوم الزواوي تتحدث بنفسها عن نفسها وهي ستدفع بالابتسامة حتما إلى شفاهنا , لكنها تشير بجانب هذا إلى مواطن الألم وتدل على مصادر الخطأ والخطر ..تميزالزواوي في شغله الاجتماعي بالتقاط ملامح الشخصية الليبية الشعبية الساذجة وشحنها بنقده الخاص لنمط تفكيرها . 

ويقول عنه الناقد غسان الامام في جريدة الشرق الاوسط " الرسام الليبى محمد الزواوى الذى لايملك رسام عربى آخر قدرته الفنية في اتقان التفاصيل ، وأحسب أنه متأثر بالمدرسة الكاريكاتيرية الاميركية حيث يتمتع الرسام بوقت كاف لرسم لوحة واحدة متكاملة في الاسبوع

وما الذي يمكن أن يقال ـ بعد ـ في الزواوي ؟ 

ولقد كتبت عنه الصحف العالمية .وصدرت عن أعماله الدراسات باللغات المختلفة , وشهدت معارضه في بلادنا وفي عواصم العالم عشرات الآلاف من المعجبين المتعجّبين .إن المرء ليستحي إن يقدم علماً مثل محمد الزواوي . 

فلنعتبر ما مضى مجرد خواطر عن أعمال هذا الفنان الراقي جدا , والرقيق جدا في الوقت ذاته " د.فهمي خشيم" .