خصص الصحفي والسياسي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري مقاله الأسبوعي لصالح موقع ميدل إيست مونيتور للحديث عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وقال الفيتوري يشهد هذا الشهر مرور 15 عامًا على وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في ظروف مريبة. ولا يعد عرفات  رمز للنضال الفلسطيني من أجل الاستقلال فحسب، بل أصبح أيضًا رمزًا عالميًا كمقاتل من أجل الحرية ضد القمع.
وفي صعوده إلى القيادة الفلسطينية في الستينيات نجح عرفات - المعروف في العالم العربي بكونيا أبو عمار - في وضع القضية الفلسطينية على جدول الأعمال الدولي. وقبله كان الفلسطينيون مجرد مجموعة من اللاجئين والإرهابيين المنتشرين في جميع أنحاء العالم دون أمل في أن يكون لهم بلد خاص بهم. وحلم عرفات بدولة فلسطينية لكنه مات دون تحقيقه.
ولد ياسر عرفات في القاهرة عام 1929  دافع عن قضية شعبه منذ سن مبكرة من خلال نشاطه الطلابي وبعد ذلك من خلال حركة فتح التي شارك في تأسيسها مع أصدقاء من الشتات الفلسطيني. إن إصراره على أن يقود الفلسطينيون أنفسهم كفاحهم من أجل الاستقلال وضعه على خلاف مع العديد من القادة العرب الذين اعتقدوا أن قضية فلسطين هي قضيتهم. ومع ذلك فإن مهاراته السياسية وقدرته على المناورة بعناية حول الخلافات العربية ساعدته على البقاء دون أن يفقد الدعم العربي الأوسع لشعبه.
ولقد نجا عرفات من حروب عديدة ومحاولات اغتيال متعددة وتحطم طائرة عام 1992 في ليبيا. وكان من الصعب بالتالي قبول الأخبار التي توفي بعدها. وتعتقد زوجته سهى - التي تزوجها عندما كان في الستينيات من عمره - أنه قتل بسبب  البولونيوم 210 وهو عنصر مشع فتاك. ويعتقد الكثير من الفلسطينيين أن إسرائيل كانت وراء تسممه. وفي عام 2012 أكد تحقيق مستقل أجراه خبراء سويسريون هذا. ومع ذلك ادعى تحقيق روسي أنه توفي لأسباب طبيعية.
ولم تقم جامعة الدول العربية أو الأمم المتحدة بالتحقيق في وفاة عرفات على الرغم من الدعوات للقيام بذلك. وخلال خطاب ألقاه في القمة العربية في دمشق في مارس 2008  سأل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي  "لماذا لا نطلب من مجلس الأمن –التابع للأمم المتحدة- التحقيق في وفاة أبو عمار؟" في إشارة إلى شنق الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تابعا القذافي ساخرا  "نحن أصدقاء أمريكا ... يمكن أن نشنق  في يوم من الأيام". وأشار إلى زملائه العرب "قد يكون دورك في يوم ما " وأصبحت النبوة حقيقة عندما قتل القذافي نفسه في عام 2011.
فلماذا لم تحاول الأمم المتحدة معرفة من قتل الزعيم الفلسطيني؟ وليس من غير المعروف عن المنظمة الدولية التحقيق في الوفيات غير المتوقعة البارزة. فقد حققت المنظمة الدولية نظرت في مقتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري –على سبيل المثال- الذي قتل  بسيارة مفخخة في 14 فبراير 2005. بل إن الأمم المتحدة قد وجهت تهم قتله إلى بعض الأفراد.

وانضمت السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في عام 2015. هل يمكن استخدام عضويتها للضغط من أجل إجراء تحقيق في وفاة عرفات؟ لقد تحدث العديد من الخبراء الفلسطينيين الذين تحدثت معهم عن مدى نجاح ذلك. لكي تحقق المحكمة الجنائية الدولية ومعرفة ما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت تحتاج المحكمة إلى قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وفي حديث بشرط عدم الكشف  عن هويته أخبرني خبير قانوني فلسطيني في جامعة باريس  "حق النقض الأمريكي في المجلس لن يسمح بتمرير مثل هذا القرار." لماذا؟ "لأن مثل هذا التحقيق يمكن أن يورط آخرين، بما في ذلك البعض داخل السلطة الفلسطينية نفسها".
وفكرة أن السلطة الفلسطينية ليست حريصة على تشجيع إجراء تحقيق كامل في وفاة عرفات لا تخلو من أي أساس. ويعتقد الكثير من الفلسطينيين أن إجراء تحقيق كامل وشفاف قد يؤدي إلى إحراج بعض القادة وكذلك بلدان مثل فرنسا حيث توفي عرفات. ومع ذلك فإن لإسرائيل تاريخًا طويلًا في اغتيال الزعماء الفلسطينيين وكان عرفات دائمًا هدفًا، فماذا عن تحقيق تقوده جامعة الدول العربية؟ "هذا الأمر أصعب حسب الخبير والسبب "لأنه لا يوجد أحد يريده حقًا".
وقرر اجتماع مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في 11 سبتمبر 2003 "عزل" عرفات لأنه اعتبر "عقبة أمام المصالحة". وكان رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت أرييل شارون. أراد عرفات الخروج من الضفة الغربية المحتلة. كان موته أفضل بكثير فيما يتعلق بـ "جزار بيروت".
وكان الشهرين الأخيرين لعرفات في مقره في رام الله المعروف باسم المقاطعة في غاية الصعوبة. لقد تم حرمانه بالفعل من الفحوص الطبية من الحصار المفروض عليه من قبل قوات الاحتلال، ومن الواضح أنه كان يعاني من سوء التغذية وضعيف للغاية عندما ظهر أخيرًا.
ورفض عرفات ودائرته المقربة المكون من عشرين رجلاً رفضوا أن يتزحزحوا إلى أن تدهورت صحته بشكل خطير. تم نقله بطائرة هليكوبتر إلى عمان بفضل الوساطة الفرنسية، ثم نقل إلى مستشفى عسكري خارج باريس حيث توفي في 11 نوفمبر 2004.
قد لا عرف أبداً السبب الحقيقي لوفاة ياسر عرفات ومن كان وراء ذلك. ومع ذلك يعتقد معظم المراقبين أنه تم اغتياله بالتأكيد. وبعدما عصفت به اللعبة المعقدة بين الدول ستبقى وفاة الرجل الذي مثل الشعب الفلسطيني لعقود محل تشكك دائم.  لقد فقد الفلسطينيون قائدًا عظيمًا ووطنيًا وقبل كل شيء رمزًا للأمل،  وحتى الآن لم يتم العثور على بديل له.

المصدر