خصص السياسي والصحفي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري، مقاله الأسبوعي للحديث عن أخر مستجدات ملف سماح حكومة الوفاق بأن تجرى محاكمة سيف الإسلام القذافي –نجل الزعيم الراحل معمر القذافي-أمام المحكمة الجنائية الدولية في واقعة غير مسبوقة.
وقال الفيتوري، يبدو أن وزير العدل الليبي محمد لملوم قلق من ردود الفعل العامة على أقواله أمام المحكمة الجنائية الدولية يوم الثلاثاء الماضي. وكانت المحكمة الجنائية الدولية تنظر في طعن قدمه فريق الدفاع عن سيف الإسلام القذافي الذي كان يشكك في مشروعية نظر القضية أمام المحكمة الدولية. وخلال جلسة المحكمة وافق الوزير على أن القضية المرفوعة ضد سيف الإسلام القذافي وهذا يعني أن المحكمة الدولية يجب أن تمضي في محاكمته. وزاد عن ذلك بأن أشار إلى سيف الإسلام باعتباره فارًا من العدالة لأنه لا يتم احتجازه في ليبيا.
وفي حين أن المحكمة الجنائية الدولية لم تصدر بعد حكمها في القضية فهناك توقع بأن ترفض الطعن وتطلب تسليم القذافي للمحاكمة. وأخبرني أحد المعلقين الليبيين بشرط عدم الكشف عن هويته أنه "بدعم من وزير العدل نفسه قد تجد المحكمة الجنائية الدولية نفسها دون أي خيار آخر سوى المضي قدمًا ضد السيد القذافي"، مضيفا "حتى لو كانت المحكمة ترغب في التخلي عن ذلك، لأن دعم وزير العدل الليبي تسليم القذافي يضعف بشكل كبير موقف الدفاع".
وبحلول يوم الخميس 14 نوفمبر كانت وزارة العدل التابعة لحكومة الوفاق الوطني تسعى جاهدة لتهدئة الوضع. لقد طلبت الوزارة مني حذف تقرير نشرته حول ما جرى في المحاكمة لقد رفضت لأنني أبلغت عن الحقائق. وعبر الهاتف طلب مني مستشار كبير في الوزارة "أن تساعدنا في الخروج من الفوضى" على حد تعبيره. وأراد علي ثابت مستشار وزير العدل محمد لملوم مني أن أقول بعض الأشياء الإيجابية عن المسؤول مشيرا إلى "العمل الجيد الذي يقوم به"، وشرحت له أن هذا ليس وظيفتي.
ثم سأل "كيف يمكننا الخروج من هذه الفوضى". اقترحت أن تعلن وزارة العدل معارضتها لتسليم أي مواطن ليبي كمسألة مبدأ. كما اقترحت أنها قد تعزز ذلك عن طريق إعلان لوزير نفسه على هذا الأمر على شاشة التلفزيون المباشر. وأنه يجب عندئذٍ توصيل وجهة النظر الجديدة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وبالنسبة لغالبية الليبيين المبدأ هو هذا ينبغي احترام السيادة والقوانين والقضاء الليبيين. التشكيك في ذلك أو طرح أسئلة حول شرعيتها أمام هيئة دولية أمر خاطئ.
وفي صباح اليوم التالي أرسل لي ثابت رابطًا لتصريح على صفحة الوزارة على فيسبوك وهو يتراجع عن موقفه، لكنه يلقي ظلالاً من الشك على إجراءات محاكمة سيف الإسلام في ليبيا.
وكانت النقابة الليبية لأعضاء السلطة القضائية قد أعلنت عبر فيسبوك اتخاذها موقفا ليس فقط رفضت وأدانت "فكرة تسليم أي ليبي" إلى المحكمة الجنائية الدولية، بل نصحت المحكمة الجنائية الدولية أيضًا بأن تعتني "بالجرائم الحقيقية ضد الإنسانية التي ترتكبها الدولة الصهيونية" في إشارة إلى الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
وعلى الرغم من أن رد الفعل الشعبي ليس تصويتًا لسيف الإسلام، فهو بمثابة تصويت بالثقة في النظام القضائي في البلاد ونزاهة رجاله ونسائه. في الوقت الذي ينقسم فيه كل شيء تقريبًا وينهار، فإن القضاء على الرغم من عدد لا يحصى من المشاكل يجمع الليبيين لأنه يرمز إلى وحدتهم وتطلعاتهم. والدعوة بسيطة يجب عدم إرسال أي ليبي إلى الخارج للمثول أمام المحكمة!
وشعر الليبيون العاديون بالألم والغضب من حقيقة أن وزير العدل وقف في المحكمة الجنائية الدولية لرمي الطين على محاكم البلاد عندما يُفترض أن يدافع عنهم.
وحتى وقت نشر هذا المقال فأن الوزير لا يزال خارج البلاد خائف من العودة إلى الوطن بينما يفكر موظفوه في كيفية التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وتصحيح الخطأ الذي حدث الأسبوع الماضي رسمياً.
وبالنسبة لي ولكثيرين آخرين من الواضح جدًا أن أحمد الجهاني ممثل ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية هو الذي ألزم وزير العدل بشيء دون موافقته. وهو الذي كرر القول بأن القضية مقبولة لدى رئيس المحكمة الجنائية الدولية.
وأثناء مراقبة الإجراءات داخل قاعة المحكمة كان من السهل أن أرى أن محمد لملوم قد انزعج وبدا غير مرتاح لأن الجهاني وقف وتحدث بإجابته. لكن هذا لا يجعله أقل مسؤولية. إنه الوزير وأعطى الكلمة الأخيرة!

وما سيحدث الآن لا يزال سؤال مفتوح. هل ستغير وزارة العدل حقًا تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وترفض تسليم سيف الإسلام أم أنها ستتخلص من العاصفة وتترك الأمور كما هي؟
ويكاد علي ثاب يكون متأكداً من أنه سيتم تصحيح الموقف. وقال "كان موقف الوزارة دائمًا هو رفض تسليم الليبيين إلى المحكمة الجنائية الدولية".

المصدر