هناك لحظة في الفيلم المغربي "يا خيل الله" يقوم فيها البطل وصديقه بإصلاح دراجة قديمة عندما كانوا في رحلة بين الأزقة المتربة داخل حي صفيح "سيدي مومن" بالدار البيضاء، حيث تعشعش أجواء من البؤس والحرمان والعنف.

لقد سيطر الخوف من الأماكن المغلقة على حياة الشابين داخل الأحياء الصفيحية خارج الدار البيضاء واستماتتهما لكسب المال في محيط يعج بالمخدرات والدعارة والعنف. لكن سرعان ما تم استدراجهما بواسطة خطاب بسيط وخطير، خطاب إسلامي متطرف تحولوا على إثره إلى انتحاريين .

في 16 مايو 2003، فجر 12 شابا، كلهم يراوحون العشرين ربيعا وينحدرون من الحي الصفيحي "سيدي مومن"، أنفسهم في خمس أماكن، مطعم إيطالي وآخر إسباني، فندق فخم وسط المدينة، نادي محلي لليهود ومقبرة يهودية، ما أسفر عن مقتل 33 شخصا .

سلسلة من التفجيرات وقعت في غضون خمس دقائق كانت كافية لصدم بلد بأكمله، كان حتى ذلك الحين خارج قصاصات أخبار الحرب على الإرهاب.

في أعقاب التفجيرات، صور المخرج نبيل عيوش وثائقيا عن الضحايا، لكنه لم يدرك إلا في وقت لاحق أن هناك جوانب أخرى خفية في هذه القصة .

"أخذ مني الأمر سنوات قبل أن أفهم أن الضحايا في هذه القصة كانوا على جانبين، فالشبان الذين لم يتجاوزوا العشرين وتعرضوا لغسيل الدماغ قبل أن يقتلوا أنفسهم ويقتلوا أناس أبرياء، هم أيضا ضحايا"، يصرح عيوش عندما عرض الفيلم في قاعات الولايات المتحدة. "في هذا الفيلم أردت أن أركز على مصدر العنف، لأن العنف لا يأتي من لا شيء".

سيعرض "يا خيل الله" خلال الأسبوعين المقبلين في مدينة نيويورك قبل أن يعمم على باقي القاعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بما في ذلك المدن الكبرى كميامي وبوسطن وفيلادلفيا ولوس انجلس وسان فرانسيسكو، خلال موسم الصيف الجاري.

يرجع الفضل بنسبة كبيرة في ظهور الفيلم أخيرا في الولايات المتحدة إلى جهود جوناثان ديم، مخرج "صمت الحملان"، الذي شاهد العرض المغربي الأول للفيلم بمناسبة مهرجان مراكش السينمائي لسنة 2012 وساعد في وقت لاحق عيوش على إيجاد موزع له في الولايات المتحدة.

وقال ديم إنه بغض النظر عن كون الفيلم جيد، فالناس في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى من العالم بحاجة إلى التعرف على الأسباب التي تدفع شخصا ما لارتكاب أمر بخطورة عمل إرهابي .

"أعتقد أن هناك دافعا يجعلنا، عندما نواجه موضوع الانتحاريين، نقول ببساطة، 'هؤلاء أناس مجانين، إنهم متطرفون'، أعتقد أن هناك ميلا ضعيفا نحو محاولة فهم حقيقة من هم هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم والآخرين"، يقول في تصريح صحفي.

إنه فيلم لافت نظرا لشجاعته في تناول هذا الموضوع، لقد تم تصويره في أحياء الصفيح بالدار البيضاء غير بعيد عن المكان الذي ترعرع فيه الانتحاريون. أقحم عيوش أيضا ممثلين غير محترفين يتحدثون العربية العامية، لغة الشارع المغربي.

معظم دول العالم يعتبرون المغرب بانوراما غنية من الشواطئ الأطلسية والحرف التقليدية المختلفة الألوان والأشكال والمناظر الطبيعة الجبلية الخلابة، لكن بالنسبة للملايين من سكان هذا البلد، خاصة أولئك الذين يعيشون في ضواحي العاصمة التجارية الدار البيضاء، فالمغرب هو صورة لهذه الأحياء الفقيرة .

تهميش وبطالة، عوامل دفعت حمدي، أحد الأخوين، للمتاجرة في المخدرات، في حين ياسين، أخوه، قنع ببيع الفاكهة على عربة متنقلة، كثيرا مثل محمد البوعزيزي، الشاب التونسي المحبط الذي أحرق نفسه سنة 2010 لتندلع بذلك أولى انتفاضات الربيع العربي .

مرت الليالي بين معاقرة الخمر ومشاهدة التلفزيون والحديث عن الرغبة في مغادرة المغرب. ياسين، المولع بحب كرة القدم والملقب بغوالي، نسبة إلى حارس المرمى السوفيتي الشهير، كان كثيرا ما يتبادل نظرات الشوق مع شقيقة أحد أصدقاء الحي، لكنه كان يعي جيدا أن افتقاره لوظيفة يجعله خارج أي اهتمام.

بعد تهجمه بالحجارة على نافذة سيارة شرطة، يسجن حمدي لمدة عامين ليعود بعدها شخصا آخر. وراء القضبان تشبع بالدين وأصبح الآن إنسانا مهذبا حسن المظهر فصيح اللسان.

ربط حمدي صداقات جديدة مع ملتحين بملابس تقليدية وسريعا استقطب أخاه وأصدقائه القدامى إلى مجموعته، حيث السلوك السوي والعيش النظيف والمداومة على صلاة الفجر والتعلم، أمور لم يكن لها مكان في حياتهم السابقة داخل الأحياء الفقيرة .

وفي نهاية المطاف، انتقلت الأمور من تحسين السلوك الذاتي إلى الحديث عن الظلم الذي لحق المسلمين في جميع أنحاء العالم والحاجة إلى الانتقام.

التحول التدريجي من العنف والحياة المليئة بالجريمة في الأحياء الفقيرة إلى البساطة من وجهة نظر متطرفة، والذي تم التعامل معه بشكل جيد، كل ذلك يعطي صورة عن كيف يمكن أن يطرح أمام شخص ما خيار أن يصبح قنبلة بشرية.