أخيرا .. وبعد أسابيع من الجدل والتجاذبات السياسية ، ومواقف الصفقات "المشبوهة" أطلقت الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية برئاسة الدكتور كمال دهان وكامل أعضائها هذا اليوم .. أطلقت "القول الفصل" بعدم شرعية حكومة رجل الأعمال، أحمد عمر امعيتيق، وحيال ما كان يصرّ نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني (البرلمان) عليه، وبعض حلفائه،  بشأن تلك الحكومة، التي لم يأبه رئيسها بالرفض الشعبي، ولا بقيام مجهولين ، في ظرف أسبوعين ، بقصف منزله في حي الاندلس بطرابلس، بقذيفة آر بي جي، وكذلك تعرض الفندق الذي يملكه بشارع عمر المختار أكبر شوارع العاصمة الليبية للقصف  أيضا .     

مستشار بالمحكمة العليا التي اصدرت حكمها ، وفضل عدم ذكر اسمه قال لـنـا : ((حكم المحكمة بعدم دستورية حكومة امعيتيق أعاد الى الأذهان ما اتسمت به المحكمة العليا منذ انشائها قبل أكثر من ستة عقود ، من الحيدة والنزاهة والاستقلالية .. وان حكمها هذا كان بناء على ما املاه على اعضائها الضمير وصون القوانين من الانحراف عن تحقيق العدالة)) .

وعمر حميدان الناطق باسم المؤتمر الوطني العام علق على الحكم بقوله : (( المؤتمر يقبل بالحكم الذي اصدرته الدائرة الدستورية بعدم شرعية حكومة أحمد عمر امعيتيق لأن حكم المحكمة العليا في ليبيا حكم باتّ ولا يجوز نقضه أو استئنافه)) وعندما سئل عن كيفية تعامل المؤتمر مع امعيتيق الذي اقتحم مبنى رئاسة الوزراء، وما اذا كان سيتم اعتبار عمله ذلك كــ "غزو اطيان" قال حميدان : ((لن يعتبر دخوله لمبنى رئاسة الوزراء من هذا القبيل ذلك انه كان يرى انه ينفذ قرارا من المؤتمر الوطني العام بتعيينه . والآن عليه الامتثال للحكم . أما المؤتمر فسيعقد غدا "الثلاثاء" جلسة لمناقشة الحكم واجب التنفيذ، والبحث في : إما تكليف الثني باستمرار حكومته في تسيير الأعمال، وإما مناقشة آلية جديدة لاختيار رئيس وزراء بديل لـ "احمد امعيتيق" المحكوم بعدم شرعيته)) .

من جانبه ،أحمد عمر امعيتيق في مؤتمر صحفي عقده ظهر اليوم بمقر رئاسة الحكومة  قال : ((انا احترم قرار القضاء هذا، وسأمتثل لتنفيذه)) مشيرا الى ان (( هذه هي بداية المشوار لبناء دولة المؤسسات والقانون .. وان دخوله لمبنى رئاسة الوزراء كان بالتنسيق مع عبد الله الثني))   

أما حبيب الأمين وزير الثقافة في حكومة عبد الله الثني ومن قبله في حكومة علي زيدان قال  : ((هذا الحكم أعطانا الثقة في أن رجال الحق لا يخافون وهو حكم يلحق بحكم المحكمة العليا الذي اصدرته عام 1954 وألغي مرسوما ملكيا بعدم دستورية حل المجلس التنفيذي لولاية طرابلس آنذاك . وهذا الحكم ألغي "مرسوما" مؤتمريا" بعدم دستورية تعيين رئيس وزراء بمخالفة الاعلان الدستوري والقوانين النافدة)) واضاف حبيب الأمين قائلا : (( على الشعب الليبي ان يتوجه يوم الانتخاب الى صناديق الاقتراع لانجاز انتخاب رجال ليبيا الجديدة في البرلمان "بيت الامة"  الذي نتطلع ان ينهي الوهن السياسي الذي وضع المؤتمر الفاشل ليبيا فيه فاضاعوا البلاد واضاعونا .. وآمل ان يبتعد المواطن الليبي في الإنتخابات البرلمانية المرتقبة يوم 25 من حزيران/يونيو الجاري عن القبلية والجهوية والمناطقية فيختاروا الكفاءات القادرة على عبور ليبيا للازمات التي عاشتها طيلة زمن ولاية المؤتمر الوطني العام)) .

الكاتب الاديب امين مختار مازن عبر عن اعتقاده : (( ان هذا الحكم قد أخرج البلاد من تنازع كاد ان يكون أكثر ضررا لجميع الأفراد من حيث تضييع الوقت الذي يفترض ان يكرس الآن للعملية الانتخابية، او من حيث التنازع على توزيع الحقائب الوزارية الجديدة . ومن هنا فان الحكم يجب أن يقابله الجميع بالواقعية، والترحيب والامتثال لهذه الدوافع مجتمعة)) .    

•             مختار خليفة عمر رجب المحامي وصف الحكم بأنه ((عرس للعدل بليبيا الجديدة .. واثبت مجددا ان القضاء في ليبيا لا سلطان عليه الا ضمير القضاة المخلصين لنصوص الدستوروالقانون، وان المحكمة العليا هي حصن العدالة)) .  

المواطن الليبي محمد عمار من مدينة الرحيبات "بالجبل الغربي 180 كيلو متر غرب طرابلس" قال : ((ان حكم المحكمة العليا  بعدم شرعية حكومة احمد امعيتيق رد لليبيا اعتبارها أمام العالم بعد ان كان الرأي العام ينظر لها بأنها متعددة السلطات التشريعية، ومتعددة السلطات التنفيذية . . وهو "الحكم" قرار شجاع يجعلنا نطمئن على ان ليبيا باقية بقضائها المستقل)) .

 على صعيد آخر نظرت صباح اليوم الدائرة الثانية في محكمة القضاء الاداري برئاسة المستشار عمران القبرون في دعوى الطعن المقدم من الدكتور عز الدين العوامي النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني (البرلمان) ومن المواطن سيف الله رمضان . كما نظرت الدائرة الثالثة بذات المحكمة أيضا برئاسة المستشار صلاح الحبروش ، في دعوى الطعن المرفوعة أمامها من عبد الله عبد الرحمن الثني ، رئيس الحكومة المؤقته بعدم قانونية قرار المؤتمر الوطني في شأن حكومة احمد عمر امعيتيق . ووصف المحامي محمد العالم : نظر هذين الطعنين بــ ((أنهما لا علاقة لهما بما نظرته المحكمة العليا بعدم دستورية تعيين امعيتيق رئيسا للحكومة .. فالطعن المرفوع للمحكمة العليا ضد مخالفة لقاعدة دستورية تمس الأعلان الدستوري،  والحكم الدستوري يستغرق أي حكم آخر . أما الطعنان المرفوعان أمام القضاء الإداري فإنهما يعتبران قرار المؤتمر  به مخالفية، ولائحية)) وتأجلت دعوى العوامي وسيف الله رمضان بالدائرة الثانية للقضاء الاداري ، الى السادس عشر من حزيران / يونيو الحالي وذلك بناء على طلب محاميي ادارة قضايا الحكومة الذين ((طلبوا التأجيل لرغبتهم في تقديم ما يفيد بإنهاء الخصومة .. بناء على حكم المحكمة العليا بعدم دستورية قرار المؤتمر بتكليف حكومة امعيتيق)) كما أجلت الدائرة الثالثة نظر الدعوى لنفس السبب، حسبما أفاد به الحياة مصدر قانوني بالدائرة ..

أما المحامي امام المحكمة العليا وجميع المحاكم الليبية، والنقيب السابق للمحامين بطرابلس عبد السلام علي دقيمش فأجابنا على سؤال حول علاقة حكم المحكمة العليا اليوم بشرعية المؤتم نفسه بالقول : ((ان شرعية المؤتمر الوطني العام (البرلمان) الليبي، لم تكن معروضة في هذه الدعوى، حيث ان المدّعين، وكذا المحامين الممثلين لهم ، لم يتطرقوا لهذا الأمر  . وفي جميع أنحاء العالم فإن القضاء لا يتصدى لأمور غير معروضة عليه))

ويبدو ان ردود الفعل بقبول الحكم من الأطراف التي كانت متعنتة الى ما قبل صدوره بساعات .. وارتياح المواطنين الليبيين لما اثبتته المحكمة العليا من عدم الارتهان للسياسة ، وانما الانتصار للقانون..  قد فتح الآفاق أمام تنفيذ استحقاق الانتخابات البرلمانية المحدد لها الخامس والعشرين من الشهر الجاري .. والتي من المتوقع ان يفقد فيها الاسلاميون الكثير مما علّقوا آمالهم عليه بسبب عدم نأيهم عن المراهقة السياسية التي اتسمت بها تصريحات المحسوبين على تيارهم السياسي بعد وصولهم الى المؤتمر الوطني ، وليس قبل وصولهم.. في الوقت الذي أكدت فيه المفوضية العليا للانتخابات (المستقلة) أن انتخابات مجلس التواب ستجرى في موعدها الممقرر ، مهيبة بالمترشحين لعضويته التزام المعايير والضوابط المنصوص عليها في قانون الإنتخابات .