في قراءة أرادها شاملة ومعمقة للوضع السياسي الراهن خصوصا من حيث تشابكات الواقع الذي فرضته نتائج الإنتخابات بوجهيها التشريعي والرئاسي، قال القيادي في حزب التكتل وناطقه الرسمي سابقا إنه دافع طيلة أربع سنوات عن الحزب وعبر عن مواقفه وصرح انطلاقا من موقعه كناطق رسمي له بالحقيقة ولم يغالط الرأي العام ولا مناضلي التكتل في أي موقف عبر عنه. وأضاف أن مواقف حزبه كانت ثابتة وستبقى بالوقوف ضد العنف و ضد كل الجهات التي تمارسه. مؤكدا أن الحريات وحقوق الإنسان واحترام علوية القانون والمصلحة الوطنية والوفاء لمبادئ الثورة كانت دوما من ثوابت التكتل وفق كلامه.
وتابع محمد بنور في لقاء مع "البوابة" بأن حزبه كان دوما في الموعد في كل الفترات الحرجة التي مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة كأحداث 9 أفريل والاعتداء على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل وأحداث الرش في سليانة إضافة إلى فاجعة الاغتيالات السياسية التي طالت الشهيدين شكري بلعيدومحمد البراهمي وقبلهما لطفي نقض وبعد ذلك العمليات الإرهابية التي راح ضحيتها عدد من أفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية. وبين في الأثناء أن المقصود من هذه العمليات هو إرباك المسار الإنتقالي موضحا أن صوت حزبه كان عاليا تجاه جميع الفواجع التي شهدتها تونس حتى أن الإتهامات التي واجهتها حكومة الترويكا من قبل الأحزاب السياسية استثنت التكتل من ذلك لأن هذا الأخير كان بالفعل ضد كل التجاوزات على حد قوله.
دافعنا عن الترويكا
وأضاف محدثنا أن التكتل دافع كذلك عن حكومة الترويكا واعتبرها الطريق للوصول إلى مرحلة الإنتخابات والإنتهاء من المرحلة الإنتقالية مشيرا إلى أنه كان من المحبذ لو شاركت أحزاب أخرى كالحزب الجمهوري و المسار والتحالف الديمقراطي في إئتلاف حكومة الترويكا لأن تونس لا تتحمل الإستقطاب الثنائي بعد إنهيار منظومة الفساد والإستبداد التي خلفت وراءها تركة ثقيلة جدا من البطالة والتهميش في عدة جهات من البلاد. وأوضح بأن هذه التركة لا يمكن معالجتها بعيدا عن تشكيل حكومة وحدة وطنية وبدون مساهمة كل القوى السياسية التي صمدت ضد نظام بن علي.
حملات استهدفت التكتل
وأشار محمد بنور إلى أن نتائج الإنتخابات أظهرت أن هذا الدور الذي لعبه حزب التكتل غير مقنع بالنسبة للناخبين ملاحظا أن حزبه واجه حملة استهدفته من قبل الأحزاب التي لم تشارك في حكومة الترويكا وكذلك من قبل وسائل الإعلام على خلفية انضمامه إلى إئتلاف حكومي مع حزب له مرجعية دينية. وأكد أن الحملة التي استهدفت حزبه ازدادت تعقيدا عندما اغتالت أياد مجهولة الشهيدين بلعيد والبراهمي مشددا على أن هذين الإغتيالين القصد منهما إفشال المسار الانتقالي وإدخال الفوضى في البلاد وقتئذ.
تعليق أشغال التأسيسي
وأعقب قيادي التكتل أن كل الأحزاب و مكونات المجتمع المدني و أيضا الإعلام سارت في اتجاه مغلوط أي الاتجاه الذي خططت له الأيادي المجهولة التي لا يروق لها إنجاح الثورة بل إدخالها في فوضى عارمة على غرار مصرو ليبيا واليمن. واعتبر أن وجود التكتل على رأس المجلس التأسيسي آنذاك مكن البلاد من تفادي هذا المصير وذلك عندما علق رئيسه أشغال المجلس وقام بدفع كل الاطراف السياسية الى طاولة الحوار . وأضاف أن إيقاف أشغال التأسيسي وقتها لمدة شهر أعاد كل الأطراف الى رشدها حتى أنه يمكن القول اليوم أن حزب التكتل ساهم في إنقاذ المسار الإنتقالي الذي نحن على وشك إتمامه بكل نجاح على حد قوله.
الإستقطاب الثنائي
و لاحظ في سياق متصل أن نتائج الانتخابات التشريعية والرئاسية بينت بما لا يدعو للشك أن الدور الذي لعبه التكتل خلال المرحلة الفارطة لم يستوعبه الناخبون موضحا أن النتيجة الإنتخابية كرست الإستقطاب الثنائئ بين النهضة كشق ذي مرجعية دينية وحركة نداء تونس التي تضم جانبا كبيرا من حزب التجمع المحل باعتراف بعض القيادات الندائية إضافة إلى أنه يضم عدد من اليساريين والنقابيين والمستقلين مما أفرز وجود 51 نائبا من الندائيين كانوا ينتمون سابقا إلى التجمع حسب ما جاء على لسانه.
خيبة أمل اليساريين
و أضاف محدثنا أنه يرجو أن لا يخطئ اليساريون الذين انضموا الى النداء معتقدا في الأثناء أن اليساريين الذين انضموا الى حزب التجمع إثر بيان السابع من نوفمبر كانوا على حسن نية لكنهم غادروه بعد خيبة أملهم إثر إنتخابات 89 و 94 . وتابع بأن الواقع السياسي اليوم أصبح مغايرا لما قبل الثورة، مبينا أنه قبل الثورة كانت هناك أحزاب قادرة على الاستمرار في ممارسة العمل السياسي رغم جميع التضييقات وكل أنواع التعسف التي مارسها ضدهم نظام بن علي وكذلك رغم الإمكانيات المتواضعة لهذه الأحزاب وقتها.
ميزانيات ضخمة
وعن نقاط الاختلاف الجوهرية بين الواقع السياسي في تونس في عهد بن علي وبعده، قال محمد بنور إن الأحزاب التي انتصرت في انتخابات 26 أكتوبر 2014 هي أحزاب غنية وتملك ميزانيات مالية طائلة وفي المقابل ترفع شعارات الدفاع عن ضعاف الحال والمناطق المهمشة مثل حركتي النهضة والنداء وحزب الاتحاد الوطني الحر. ولاحظ أن هذا الأخير يملك ميزانية لا حد لها ومجهولة المصدر متسائلا في ذات الصدد:" هل أن الباب فتح اليوم في تونس حتى تشترى البلاد باستعمال الإشهار والمال؟". وتابع بقوله: هل في ظل هذا الوضع، يمكن أن تبقى في الساحة أحزاب مثل الجمهوري والمسار والتكتل وأيضا الحركات الوطنية الناشئة؟ وهل يمكن لهاته الأحزاب منافسة الأحزاب الغنية؟ وماهو مستقبل بعض القامات السياسية الوطنية التي تضمها الأحزاب المناضلة على غرار مية الجريبي ونجيب الشابي وسمير الطيب والفاضل موسى ومصطفى بن جعفر؟ لا سيما وأن تونس تعيش أوضاعا اقتصادية صعبة على حد قوله. وطالب بضرورة سن قانون عادل وشفاف حول تمويل الأحزاب لضمان إرساء الديمقراطية التعددية وكذلك مساءلة الأحزاب عن ثروتها المالية الطائلة.
محاولة إرجاع الشرعية السياسية لمنظومة بن علي
وعن المسؤولية التي تتحملها الترويكا في الإنهيار الاقتصادي الذي شهدته وتشهده البلاد، أشار بنور إلى أن انهيار نظام بن علي ومحاولة إرجاع الشرعية السياسية مجددا إلى هذا النظام عبر تعاقب كل الحكومات التي تلت الثورة هو ما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي. وأضاف أن الجهات التي تحمل المسؤولية في ذلك لحكومة الترويكا بمفردها هي جهات غير موضوعية وتجانب الصواب مؤكدا أن الثورة كلفت تونس كلفة كبيرة جدا تفوق إمكانياتها. وبين أن نظام الزعيم الحبيب بورقيبة يتحمل كذلك المسؤولية في ما تعيشه تونس اليوم من صعوبات لأن نظامه لم يتدرج في الإصلاح السياسي والديمقراطي بل على النقيض من ذلك قام بالقضاء على المؤتمر الثامن للحزب الدستوري في 1971.
وأضاف أنه منذ هذا التاريخ دخلت البلاد في صراع بلا هوادة لأن الحزب الحاكم آنذاك قضى على الطبقة السياسية وعلى عديد الوطنيين وهو ما تواصل في عهد بن علي الذي جعل البلاد في قبضة مافيا عائلته حسب كلامه.
السياسيون لا يتكلمون الحقيقة
و أشار محدثنا إلى أن كل هاته العوامل إن دلت على شيء فهي تدل على أن العائلات السياسية اليوم لا تتحدث الحقيقة بل تتحدث كلا م سياسوي وتدخل في تجاذبات لا طائل من وراءها مبينا أن تونس أصبحت مرتعا للمخابرات الأجنبية وهو ما أكدته عديد الصحف. وأوضح أن الواقع الراهن يفرض على كل الأحزاب مسؤولية تغيير الخطاب والتوجه بقول الحقيقة للشعب. وأكد أن جميع الأحزاب عاجزة اليوم عن الإدلاء بموقفها تجاه الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية نظرا إلى كثرة الحسابات السياسية. وتابع بأن هذا الطرف يتحدث عن مواصفات معينة للرئيس القادم ولا يجرؤ عن ذكر من يساند وذاك يتحدث عن قطع طريق ولا يساند الثاني بكل وضوح مشددا على هذا الأمر يستوجب أن تعي القوى السياسية بأن الوقت حان للنظر بواقعية الى مستقبل تونس بعد الانتخابات وماذا ينتظر الحكومة من تحديات لا حصر لها مما يقتضي بعد ذلك التوافق بين جميع القوى بعد استشارة عريضة بينهم على الأولويات الملحة وعلى خارطة طريق واضحة عبر وفاق وطني يقتضيه واقع يضع البلاد في حرب ضد الارهاب وهي حرب لن تتوقف قريبا إضافة إلى الوضع المتفجر على حدودنا الجنوبية.
لهذه الأسباب قدمت استقالتي
وبخصوص استقالته من منصبه كناطق رسمي باسم التكتل، أكد محدثنا أنه نظرا لهذه الأوضاع لم يستطع مواصلة مهامه كناطق رسمي باسم الحزب لأن الناطق الرسمي يجب أن يكون ملتزما بخط الحزب موضحا أنه أراد الحصول على هامش من الحرية حتى يعبر عن رأيه بدون قيود. وأضاف أن حزبه ككل الاحزاب فيه خلافات وتباينات في الرؤى والتصورات وأن هذه الخلافات طبيعية وموجودة في كل الاحزاب.
جهات في التكتل يقلقها المرزوقي
وتابع في الأثناء بأن بعض الجهات في التكتل يقلقها عدد من مواقف وتصريحات مترشح الرئاسة منصف المرزوقي كاقترابه من السلفيين وقبوله استقبال دعاة أجانب يحملون فكرا دخيلا عن التونسيين موضحا أن هذه المواقف صدمت كذلك القوى الديمقراطية والرأي العام التونسي.
السبسي أنقذ البلاد ولكن
وعن مترشح الرئاسية الباجي قايد السبسي، قال بنور، إن هذا الأخير أنقذ تونس بعد رحيل حكومة محمد الغنوشي وأوصل البلاد إلى انتخابات أكتوبر 2011 بكل حنكة ونجاح. وبين في المقابل، أن القوى التي ناضلت ضد بن علي وضد الحزب الواحد وحملت مسؤولية كل الأوضاع التي عرفتها تونس إلى حزب التجمع لا يرضيها أن يرجع السبسي جزء كبيرا من المنظومة السابقة إلى المشهد السياسي الراهن دون المرور بمرحلتي معرفة الحقيقة والمحاسبة بعيدا عن سياسة التشفي وتصفية الحسابات. ولاحظ أنه يكن الاحترام لقايد السبسي ولكن يقلقه أن هناك حديث عن اعتزام هذا الأخير حل بعض المؤسسات التي تدخل في خانة تكريس العدالة الانتقالية بعد فوزه في الانتخابات مثل مؤسسة الحقيقة والكرامة.
الإنبطاح للنهضة
وفي إجابة عن سؤال "البوابة" حول انبطاح حزب التكتل للحزب الحاكم في الترويكا أي حركة النهضة مما أدى إلى معاقبته في انتخابات 26 اكتوبر 2014 بين محدثنا أن حزبه لم ينبطح للنهضة كما اعتبرت بعض الأطراف مذكرا بأن التكتل كان قد هدد بالاستقالة من الإئتلاف عندما رفضت حركة النهضة تحييد وزارات السيادة على إثر اغتيال الشهيد شكري بلعيد وعندما تلكأت في حل الحكومة وتسليم المشعل لحكومة غير متحزبة إثر اغتيال الشهيد محمد البراهمي. وأضاف بأن حزبه هدد كذلك بالاستقالة عندما حاولت النهضة فرض نائبها الحبيب خذر كرئيس للجنة صياغة الدستور ، كما أنه تصدى إلى محاولة فرض الهيئة التعديلية للاعلام السمعي البصري التي لا تستجيب لشروط إستقلالية القطاع الإعلامي وأيضا أبلى البلاء الحسن عند إقالة محافظ البنك المركزي السابق مصطفى كمال النابلي موضحا أن التكتل لم يقبل إلا بتعيين شخصية تستجيب لجميع الشروط خلفا لهذا الأخير على حد قوله.
جبهة اجتماعية ديمقراطية
وبخصوص مستقبل حزبه وغيره من الأحزاب المنهزمة تشريعيا، أفاد محمد بنور بأن هذا التشتت السياسي الذي فرضته نتائج الانتخابات في جبهة الوسط يجب أن يتوحد ضمن كتلة أو جبهة سياسية تضم كل القوى الديمقراطية والاجتماعية كالتكتل والجمهوري والمسار والتيار الديمقراطي وحركة الشعب وغيرها من القوى الوطنية الأخرى. مضيفا أن تشكيل هذه الجبهة عبر الإنصهار في كتلة موحدة هو خيار أو بديل ثالث من أجل التصدي للاستقطاب الثنائي بين النهضة والنداء و إنهاء حالة التشتت والتفرقة في هذه الأحزاب. وبين أنه لا بد من وجود برنامج مشترك من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية بين هذه القوى تحت لواء قيادة موحدة. وتابع بأن هناك مشاورات بين هذه الأطراف التي دفعت ثمن تشتتها غاليا في انتخابات أكتوبر 2014. واستطرد أن القوى الديمقراطية والاجتماعية مدعوة إلى بعث رسالة قوية إلى أنصارها والقيام بحملة مشاورات واسعة من شمال البلاد إلى جنوبها خاصة مع الشباب الذي يتوق إلى القطع مع الليبرالية المجحفة ومع التطرف الديني في آن واحد. ولاحظ أن إعادة الأمل للشباب التونسي هو مسؤولية القوى الديمقراطية، وأن هذه الجبهة سيعلن عنها خلال 6 أشهر قادمة.
لن ألتحق بنداء تونس
وعن مستقبله الشخصي وحقيقة ما يروج عن اعتزامه الالتحاق بنداء تونس ، أشار محمد بنور إلى أنه أمضى حوالي 40 سنة من عمره كمناضل في التكتل موضحا أنه بعد كل هذا العمر لن يغير انتمائه و أنه لا توجد لديه نية في الانضمام إلى نداء تونس. ولا حظ أن البلاد في منعرج خطير ولأجل ذلك فحكومة نداء تونس المقبلة لن تستطيع لوحدها حلحلة جميع الإشكاليات التي ستعترضها مشددا على أن الوضع يقتضي الوحدة بين التونسيين لتجاوز الأزمة وكذلك مؤازرة القوات المسلحة للتغلب على الإرهاب.
المراهنة على الشباب
وأنهى محمد بنور كلامه بأن تونس بإمكانها اللحاق بركب الدول المتقدمة كماليزيا و سنغافورة وأنه لابد من المراهنة على الشباب لقيادة المرحلة القادمة ومن بينها الانتخابات البلدية حسب تعبيره