يتحدث الأستاذ والباحث الأكاديمي الجزائري محمد بغداد ، المتابع للحركة الثقافية والفكرية في العالم العربي والإسلامي. في هذه المقابلة الحصرية مع " بوابة أفريقيا " الإخبارية "، عن رؤيته لحقيقة الصراع الطائفي في ولاية غرداية الجزائرية. ويعتقد بغداد أن مشاكل التنمية وطريقة التكفل بها وكذا متطلبات العصر والأجيال الجديدة هناك، كلها من مظاهر الأزمة. كما يرى أن طريقة معالجة الأزمة من طرف السلطة بدى فيه نوع من التردد، الأمر الذي ترك المزيد من الغموض، بينما في رأيه، منطقة غرداية تعرف قصورا في تلبية طموحات الأجيال الجديدة.

 

 بوابة افريقيا الاخبارية: مايحدث في غرداية هل هو صراع طائفي ام صراع اجتماعي؟

 

محمد بغداد:  المعروف من الواقع بالضرورة، أن المجتمع المغاربي بصفة عامة، والجزائري منه على وجه الخصوص، لم يعرف ظاهرة الاثنية، بأي صفة من الصفات عبر تاريخه الطويل، وقد شكل ذلك ميزة اساسية من خصائصه التاريخية، التي كانت العامل الفاصل في الكثير من المنعرجات المصيرية، ومنطقة غرداية، تتميز بتواجد مهم لاتباع المذهب الاباضي، وهو المذهب الذي يعرف بالتسامح والتعايش، وكان للمذهب الاباضي، الفضل في تأسيس دولة الرستمية في منطقة تيهارت، والتي كانت أروع نموذج للممارسة الحضارية للسلطة، وقدمت للأمة الإسلامية الكثير من الانجازات المتميزة.    وقد شكلت غرداية النموذج السامي، في السلم الاجتماعي عبر التاريخ، وقد تعايش فيها المذهبان الاباضي والمذهب المالكي، وتوصلا إلى تلاقح وحوار واثراء متميز ، عبر عنه بجلاء علماء المالكية والاباضية، في مختلف العصور، وقد إمتد إلى ميادين الابداع الادبي والصحفي والفني والفكري، مما يصعب احصاؤه هنا، وهذه الخلفية الثقافية التاريخية مهمة، لمن يريد أن يفهم ما يجري من أحداث في هذه المنطقة. منطقة غرداية كغيرها من مناطق الجزائر،  تعرف قصورا في تلبية طموحات الأجيال الجديدة، في التنمية وتطلعاتها للعيش وفق اشتراطات هذا العصر، وبالرغم من الجهود التى تبذلها الحكومة لإقامة تنمية، تلبي هذه الحاجات المتصاعدة، إلا أن التاخر الكبير الذي عرفته التنمية في البلاد، نتيجة السياسات الضعيفة للحكومات المتعاقبة، وما تركته سنوات الإرهاب من آثار مدمرة، وسعت المسافة بين جهود التنمية، وبين تطلعات الأجيال الجديدة، مما يجعل من سلوك الاحتجاج والتذمر،  الاسلوب الذي انزلقت إليه بعض فئات الشباب، تعبيرا منها عن ازعاجها من الوتيرة البطيئة حسب تقديرها، التي تسير بها التنمية.  وقد ساهمت بعض العوامل في نقل المشهد، من مستوى الاحتجاج، إلى مستوى الأزمة، وفي مقدمة هذه العوامل، سوء التقدير السائد لأهمية الاحتجاجات وأبعادها، منذ البداية، والتاخر في التعامل معها بجدية، عبر حلول مناسبة، للإنشغال بالانتخابات الرئاسية، كما أن اعتمادها على النظرة الأمنية للموضوع، زاد من تعقيد الموضوع، وكان للإعلام الوطني، الدور الهام في رفع مستوى الاحتجاجات، من خلال التعاطي السيئ، وغير المحترف، مما انتج صورة داخلية وخارجية عن المنطقة، مشوهة إلى أبعد الحدود.

 بوابة افريقيا الاخبارية:  وماهي الحلول الناجعة في اعتقادكم لاحتواء الأزمة ؟

 

 

 

    محمد بغداد: إن أية أزمة في الدنيا،مهما كانت نوعيتها، تظهر قدرة ومكانة النخب، التي تكون مجبرة على ابتكار الحلول السريعة والذكية وقليلة التكلفة، والبداية تكون بعدم السماح بتحول الأحداث إلى مستوى الأزمة، وإذا وصل الأمر إلى مستوى الأزمة، ففي هذه الحالة، ترتفع متطلبات الحلول، وفي مقدمتها إدارة الأزمة بطريقة متفوقة، وأتصور أن أول الحلول لأحداث منطقة غرداي،ة قيام النخب السياسية والإعلامية، بعملية إعادة صياغة تصورها للأحداث، عبر صياغة خطاب مفهوم للمجتمع، ومتناسب مع طبيعة الأحداث، فقد أثبتت الأيام عبر التصريحات والمقالات والسلوكات، ابتعاد رهيب للنخب السياسية والإعلامية، عن جوهر الثقافة الاجتماعية المحلية، المشكلة لهوية النسيج الاجتماعي والنفسي.  ومن مظاهر هذا الخلل الكبير، يكمن في ثقافة وتصور النخب، كون البعض منها، ربطها بالتهديدات الامنية والاقليمية للأمن القومي، والبعض ذهب إلى استثمار سيناريو التخويف خلال الحملة الانتخابية، والبعض يراهن على التمدد الزمني، وقد تحولت الأحداث إلى مصدر مهم للترويج عند البعض.  ومن هنا فإن الحلول المطلوبة، ليست وصفات طبية جاهزة، وإنما تتطلب الكثير من الخطوات، بداية من تلك المسؤولية الأخلاقية، التي يفترض أن تتميز بها النخب، وإعادة هيكلة حقيقية وعميقة، لتفكير  هذه ،والشروع في حوار جاد اجتماعي واسع، وإعادة تفعيل دور المجتمع المدني، وذهاب الإعلام نحو اكتساب الاحترافية والموضوعية، وبناء مناخ اجتماعي يبتعد عن الغموض والتهديد، والاستثمار في المشاكل القائمة في الواقع.

 

    بوابة افريقيا الاخبارية: وكيف تقرؤون المشهد السياسي على ضوئها؟

 محمد بغداد: المشهد السياسي، متردد إلى درجة الحيرة في التعامل مع الأحداث الدائرة في منطقة غرداية، فلا يوجد تصور جاهز وحقيقي، لما يجري في الواقع، إضافة إلى النتائج المترتبة عن نتائج الانتخابات الرئاسية، وما سبقها من نوعية الخطاب السياسي، خلال الحملة الانتخابية، تجاه هذه الأحداث مما يجعل الأمر في مستوى الغموض المطلق، فقد نستفيق ذات يوم، ونكتشف أن أحداث غرداية، قد انتهت وزالت في لمح البصر، وتصبح مجرد أحداث من الماضي، وقد تتراجع وتيرتها بسبب أحداث أخرى قادمة، من المتوقع أن تسيطر على مساحة الاهتمام الاجتماعي، والجميع ينتظر اليوم ما ستاتي به الأيام القادمة، لتبقى هذه المنطقة معلقة على ما تحمله هذه الأيام.  كما أن الطبيعة الدرامية لأحداث منطقة غرداية، تثير الكثير من الاستغراب والدهشة، فهي ترتفع حدتها وتهيمن أخبارها في مدة معينة، وتختفي أو تتراجع في اوقات أخرى، وما لم توجد مسؤولية أخلاقية عالية، وحلول جادة وحقيقية، للمشاكل الاجتماعية القائمة، من خلال الحوار الناضج، والابتعاد عن تعليق تطور المشهد السياسي، على مشجب الأحداث الطارئة، مهما كان جحمها وأهميتها وخطورتها.