الجلسات الرمضانية الجزائرية ظلت لوحات فنية مرسومة في عقول الكبار منذ زمن الطفولة،  إصغاء الشوارع  إلى الآذان والابتهالات ، وانفتاح المقاهي والفضاءات العمومية

 على السهر إلى ساعة متأخرة من الليل ،  وتجمل الموائد العابقة بالبهارات والحلويات ،  بأحاديث الكبار وأحلام للصغار . صور جميلة تكاد تنعدم في زمن اكتسحته الوسائط الاجتماعية

 والفضائيات التي تنزل علينا بكل ما صال وجال في عالم الفن جيدا كان أو رديئا ، ما وقع منه في المحظور،  أو تجاوز المعقول أصبح في نظر الرأي العمومي غير مقبول.

من هوس الانتاج الفني في رمضان ، نجد برامج الكاميرا الخفية التي انتشرت كالنار في الهشيم وفي كل القنوات الجزائرية دون استثناء. أصبحت تصنع الاستثناء بالإثارة من خلال مشاهد

 العنف والترويع  بقصد اضحاك الناس بمقالب تستهدف الحياة الاجتماعية وتستثمر فيها بؤس الناس وجهلهم ، بدل توعيتهم والارتقاء بذوقهم ، بعيدا عن المعالجة الرصينة للموضوع،

 وبعيدا عن الضوابط .

هنا يدفعنا الفضول للمقارنة بين الكاميرا الخفية الهادفة التي تسعى لإسعاد الناس وبمقالب خفيفة لا تمس قيمهم ولا خصوصياتهم، بل تجرح ذائقتهم ومشاعرهم وتمس كرامتهم، 

وأخرى تعتمد على التخويف واللعب على الرغبات والمكبوتات، والتعدي على الحرمات الشخصية للأفراد و المجتمعات.

ولعل ما جاء به برنامج "أنا وراجلي"، الذي بثته نوميديا نيوز ، والذي أثار جدلا إعلاميا وسخطا شعبيا هو مثال عن هذا الارتجال في مجال الانتاج الفني،

 من تهريج واعتداء على خصوصية الضحية والتلاعب بمشاعره وإضحاك الناس. وما حدث لقناة نوميديا ينسحب على كل القنوات. وعلى  وزير الإعلام أن يضع نقاطا 

على الحروف ليعيد بناء اعلام جديد يتوافق مع رؤية الرئيس لجزائر جديدة وبمنطلق جديد، يقدم فيه الجيد و يستبعد منه الرديء، وهذا الأمر يتطلب من أهل العقد 

والحل إعادة الاعتبار للقيم الاجتماعية لأنها أساس الحضارة و الوعي، و ما الاعلام الا انعكاس للمجتمع وهنا الأمر الجلل.

فلا يمكن أن نبني حضارة دون أن يكون لنا مجتمع واع بواجباته ومسؤولياته، ولا يمكن أيضا أن يكون لنا مجتمع واع إلا بإعلام تحكمه الجودة، 

لأنها علاقة تراكمية لها أسسها الدينية والثقافية والاجتماعية. 

وعلى هذا الأساس و بوجوب النقد البناء، بات من الواجب أن  يراجع أهل الإعلام المختصين الاجتماعيين والنفسيين أيضا في انتاجهم وأعمالهم

 حتى يساهموا في بناء مجتمع متحضر، لأن الاعلام هو ركيزة أساسية للوعي والفهم العميق للمجتمع وفيه النخبة من الشباب الذي يسهر على تقديم الأفضل لا العكس.