الدكتورعميرة علية الصغير أكاديمي تونسي و مؤرخ و أستاذ التاريخ المعاصر بالجامعة التونسية و مدير وحدة البحوث و الدراسات التاريخية بالمعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية التونسية، من أهم مؤلفاته كتاب " المقاومة المسلحة في تونس" صدر سنة 1997, و كتاب "المقاومة الشعبية في تونس في الخمسينات, انتفاضة المدن- الفلاقة -اليوسفية" الصادر سنة 2004.

الأكاديمي التونسي علية عميرة الصغير, تحدث ل "بوابة إفريقيا الإخبارية" عن الوضع العام في بلاده المتعلق أساسا بملف الإرهاب, لا سيما و أن تونس قد تمكنت مؤخرا من إحباط هجوم بن قردان الخطير الذي كان يطمح إلى إقامة إمارة داعشية في الجهة وفق ما أكدته السلطات الرسمية ممثلة في رئيس الدولة الباجي قائد السبسي و رئيس الوزراء الحبيب الصيد.

الدكتورعميرة علية الصغير أشار كذلك إلى أن مؤتمر حركة النهضة الإسلامية المقبل لن يغير شيئا من إديولوجيات إسلاميي تونس و لا من سياساتهم و ارتباطاتهم, مشددا على أن من يعتقد في صحة شعار "التونسة" الذي تروجه حركة النهضة واهم لأن دار لقمان الإسلام السياسي في تونس ستظل على حالها و لن تبارح مقولات تاريخ النشأة و التأسيس قيد أنملة لإعتبارات عدة, وفق كلامه.

 و في ما يلي نص الحوار:

كيف تقيمون عملية إحباط هجوم بن قردان؟

أولا نهنئ أنفسنا بهذا الإنتصارعلى الدواعش, و نطمئن بأن حماة الوطن على استعداد لمجابهة الخطر, و أن قواتنا الأمنية بالخصوص تعافت مما كانت عليه من ضعف و هنات أيام حكم الترويكا, و إن كانت عديد الفجوات ما تزال قائمة, و كتونسي غيور على وطنه لا يسعني إلا أن أسعد بالإنتصار الذي حققته قواتنا المسلحة في بن قردان.

هل تم بالفعل إحباط مخطط إحتلال بن قردان و إقامة إمارة داعشية في المنطقة؟

هذه المحاولة الجدية لتكوين إمارة سلفية تابعة لدولة الخلافة في بنقردان سبقتها محاولات أخرى في سجنان و في الشعانبي ، و إن فشلت  هذه المحاولات فإن إرادة الإرهابيين ستبقى قائمة و ما صرّح به الدواعش عن طريق إعلامهم و فيديواتهم، بعد فشل محاولتهم هذه ، من إصرارهم على "فتح تونس" و محاربة "نظام الديمقراطية الكافرة" و العلمانيين والمرتدين من أهلها و أهل الذمة فيها ليس من باب الدعاية بل هو الحقيقة.  الخطر سيبقى قائما من الجانب الليبي أولا حيث يتمركز الدواعش في عديد المناطق بدعم من جماعة الإخوان, و حيث أن عددهم سيزداد في الايام القادمة بنزوح إخوانهم الهاربين من سوريا خاصة و أن نسبة كبيرة منهم من الإرهابيين التونسيين و إن لا مفر لهم إلا في اتجاه تونس بما انّ الحدود الجزائرية شبه محكمة الغلق. ثانيا يتمتع دواعش الخارج بدعم من الخلايا النائمة في مختلف جهات البلاد و ربما هم مستفيدون من خيانات للعناصر المبثوثة من الجهاز الخاص لأتباعهم في دواليب الدولة و الذين يمكنونهم من وثائق رسمية ( جوازات ،بطاقات تعريف، وثائق سرية...) كما بينته المحجوزات بعد ضربة صبراتة الأخيرة, هذا إضافة إلى الدعم من عصابات التهريب لأنه ثابت أن المصالح بين الإرهابيين و المهربين متبادلة, و لذا فلا مفر من تقوية الإستعلامات داخل تونس و خارجها و القيام بالضربات الإستباقية بإيقاف كل العناصر المشبوهة ، هذا طبعا ليس فقط بزيادة جهوزية قواتنا الامنية و العسكرية تدريبا و تسليحا و استخبارا ، بل بإسنادها و تقوية معنوياتها ماديا و الإحاطة بعائلات شهدائها.

أغلب الإرهابيين الذين لقوا مصرعهم في بن قردان هم من أبناء المنطقة و سبق و أن اعتقلوا ليتم إطلاق سراحهم في 2012 و 2013, وفق ما أفادت به بعض الجهات, بماذا تردون؟

الثابت فعلا، من مصادر متقاطعة أن العناصر الإرهابية التي قُتلت أو اعتقلت ،أغلبها من المنطقة أو من بنقردان و هذا يضع نقاط استفهام كثيرة و شكوك حتى في جدية تتبع العناصر المسترابة و خاصة في فترة انغراسها و تجنيدها للأتباع سنوات 2011 -2014 و هنا تثبت مسؤولية حزب النهضة بالأساس في تواطئه و تساهله مع هذه العناصر التكفيرية  المحلية أو في ليبي, في علاقة مع المهربين الكثر في المناطق الحدودية كحالة الطبيب الذي تبين أنه من مجندي المجاهدين و قبض عليه سابقا و تم الإفراج عنه بتعليمات من وزير الداخلية السابق علي العريض, و تبين مرة اخرى أنه متورط مع الجماعة الإرهابية كما صرح بذلك  أحد الإرهابيين . هذا أيضا يتطلب إعادة النظر في تعامل القضاء و تساهله مع العناصر الحاملة للفكر التكفيري حيث تبين أن البعض من المقتولين منهم أخيرا وقع ضبطهم سابقا لكن القضاء أطلق سراحهم.  يجب أن ننتقل من طور الإدانة فقط عند حدوث الجرم الارهابي الى الإدانة عند حمل الفكر المؤدي للجريمة الإرهابية و قانون الإرهاب لسنة 2015 يسمح بذلك. هذا لا يعني البتة رمي الخيانة على سكان بنقردان جملة بل العكس  هو الصحيح ,و ما وقفة البنقردانيين (نسبة إلى أهالي الجهة) إلى صف قوات الأمن و الجيش لدحر الإرهابيين و عدم تلبية ندائهم للإنضمام إليهم إلا برهانا آخرعلى وطنية أهل جنوبنا و هذا ليس من الآن فقط. السياسيون و سماسرة الدين و الخونة هم الذين أفسدوا أقلية منهم. 

بناء على ما قلتم هل أن القضاء هو الحلقة المفقودة في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب كما يعتبر البعض؟ أم أن موطن الخلل يكمن في خواء التقارير الأمنية المتعلقة بملف الإرهاب المحالة على القضاء من قرائن الإدانة الثابتة؟

أنا في تقديري، و أزعم أنني اطلعت على عديد القضايا المنشورة أمام القضاء عبر الإعلام، أن هنالك تقصير أولي في الاستعلام و في تكوين الملفات التي يحال على أساسها المشبوهين, و ثانيا هنالك تساهلا من جهاز القضاء كما تبين في قضية باردو الأخيرة و ربما ذاك بتعليمات ما. و لعلّ روح القضاء المتعامل مع الإرهابيين حاليا ليست في مستوى ما يتطلبه الحرص على أمن الوطن و دوام الدولة.

القبائل الليبية أعلنت عدة مرات استعدادها لمساعدة تونس في حربها على الإرهاب؟ فهل أخطأت تونس عندما أغفلت عن قصد أو دون قصد هذا الجانب؟

طبعا أخطأت الحكومة التونسية حيث أهملت التعامل مع القبائل الليبية ليس لغفلة منها بل لأن حكومة النهضة ( الترويكا) كانت مائلة لحلفائها في جماعة الإخوان و المتحدين معهم في فجر ليبيا و لا تزال على نفس النهج.

  هل أصبح ينطبق على تونس في ظل حكام ما بعد 14 يناير 2011 المثل التالي: "تجوع الحرة و تأكل بثدييها", حسب ما أشارت إليه بعض الأطراف؟ أم أنكم ترون أن قرارنا الوطني محفوظ و أنه لا صحة البتة لما يعتبره البعض مساس بالسيادة الوطنية لتونس؟

لا، بل أن تونس أضحت بسياسات الحكومات المتعاقبة تأكل بثدييها و بفخذيها أيضا !! حتى أنه أصبح يتطاول عليها جهلة الخليج، و ما سياسة التداين المفرطة و الهروب الى الأمام إلا الدليل الساطع على ذلك.  كان لتونس اختيارات أخرى, لو كانت هنالك حكومات وطنية فعلا و تريد إصلاح الوضع المالي و الإقتصادي المنخرم. الحكومات المتتالية هي حكومات ابتزاز و تقسيم للغنيمة و إعفاء سراق المال العام و متهربي الضرائب و الفاسدين كلهم. كان من المفروض عدم الإعتراف بالقروض "الوسخة" التي ورّثنا إياها بن علي و المطالبة بجدولة الديون الأخرى و استغلال تعاطف الشعوب مع الثورة في بدايتها و ترشيد نفقات الدولة كأن لا نبذر و ألا نمنح مثلا نواب المجلس التشريعي منحة للأكل و السكن ب 900 دينار أي 3 مرات الأجر الأدنى و نوزع سيارات حكومية أكثر مما توفره اليابان لموظفيها.

كباحث في التاريخ, هل تقدم لنا لمحة أكاديمية و تاريخية دقيقة حول ظهور تنظيم الإخوان و علاقته بالقوى الإمبريالية الصهيونية؟

انا لست باحثا في الجماعات الاسلامية و لا أدعي ذلك ، أنا باحث في التاريخ المعاصر و في اختصاص آخر . لكن تثقفي في موضوع السؤال يمكنني أن أقول ،و هذا معروف, إن الجماعات الاسلامية كلها من منتسبي الوهابيّة و الإخوان المسلمين و تفرعاتهم المختلفة من السلفية الجهادية و جماعات التكفير و الهجرة و جبهة الإنقاذ في الجزائر و ما تولد عنها من تنظيمات مقاتلة وصولا إلى تونس مع جماعة النهضة و حزب الله و أنصار الشريعة...كلها مرتبطة بالدول الرأسمالية و الإستعمارية و ممولة مباشرة منها أو عبر الدول الأخرى التي في الخدمة و تخدم في الأخير مصالحها و استراتجياتها, و إن ادّعت العداء لإسرائيل و للصهيونية و أكبر دليل عن ذلك كل هذه المنظمات الإسلاموية تخرب أوطان العرب و المسلمين و لا تستهدف اسرائيل و جهادها في أبناء جلدتها و دينها دولارات و أفاريات و للفقراء الشهادة و جنة الخلد عرضها الأرض و السماء"."و

يعتقد البعض أن المجلس التأسيسي سابقا هو من جنى على تونس أمنيا و سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا؟ ما جوابكم؟

من جنى على تونس هو فعلا الأحزاب التي حكمت منذ انتخابات أكتوبر 2011 ( أحزاب الترويكا و حزب النهضة بالأساس) إن كانت في الحكومة أو في المجلس التأسيسي, لكن هي ليست لوحدها هنالك عوامل أخرى موروثة عن النظام السابق و حالة الفوضى و التواكل و التسيب و الإضرابات العشوائية زادت من تدهور الأوضاع.

و ماذا تقولون عن مسؤولية الترويكا عن تغلغل الإرهاب في تونس خلال السنوات الأخيرة؟

مسؤولية الترويكا و النهضة بالأساس ثابتة في إنغراس الإرهاب في تونس فكرا و تنظيمات و تواطؤا و تساهلا.   الأصوات الوطنية و المدنية  كانت تحذر منذ 2011 و تندد و كانت أحزاب الترويكا تكذب و تعتبر أن الحديث عن الإرهاب "فزاعة " بينما كانت جحافل الإرهابيين و تحت أنظار وزارة الداخلية تحت حكم النهضة تحتل الجوامع و تكون الجمعيات و تحرث البلاد طولا و عرضا تنشر سمومها و تنظم صفوفها بل أن قيادات من النهضة تحضر مؤتمرات و تجمعات التنظيمات الإرهابية كأنصار الشريعة ( في مؤتمر مارس في سكرة و تجمع القيروان...) ، هذا علاوة على التنبيه إلى وجود السلاح و التدريب في الجبال....و الدولة مغمضة عيناها حتى وصلنا إلى الإغتيالات في وضح النهار و تهريب القتلة و الإرهابيين.

ما تعليقكم على دعوة تنسيقية الأحزاب الحاكمة إلى التظاهر ضد الإرهاب؟ وهل أن هذه الدعوة تثبت خواء نخبنا السياسية و عجزها إزاء مقاومة الظاهرة؟

المناداة للتظاهر ضد الإرهاب ككلب ينبح على طائرة ومن نادوا بذلك هم فقط لدفع شبهة  الإرهاب عنهم و لمغالطة الرأي العام بأنهم ضد الإرهاب و مع الضحايا و محاولة يائسة للتطبيع مع تلك القوى باسم الوحدة الوطنية و الحال أن جماعة النهضة مثلا يعتبرون "الوطن" و"القومية" من الوثنيات للفكر العلماني و الغربي و وطنهم هو  "دار الإسلام" و لا ولاء إلا للخلافة و "لحاكم مسلم" . مقاومة الإرهاب تتطلب كشف الارهابيين و كشف مبرمجيهم و ترك القضاء يشتغل بحرية و إعطاء الأمن كل الصلاحيات ليقوم بواجبه. الباقي بكائيات و مسرحيات هزيلة.

ما تعليقكم على شعار التونسة الذي ترفعه النهضة؟ و هل ستتخلى هذه الأخيرة عن مقولات مؤتمرها التأسيسي لتصبح حزبا مدنيا تونسيا لا علاقة له بالإخوان مثلما تسوق لذلك منذ فترة؟ 

 من يعتقد أنّ جماعة النهضة تغيروا فهو خاطئ.  و من يظنون أنهم قبلوا بنمط المجتمع الذي اختاره أغلب التونسيين هم أيضا مخطئون و مخدوعون. النهضويون لن يتغيروا لا في مؤتمرهم القادم و لا في مؤتمر آخر حتى و إن فصلوا "الدعوي" عن"السياسي" كما يقولون، هذا الأمر كمن يبيع السم في متجرين مختلفين. الإخوان( جماعة الغنوشي) و الوهابيين و ما شابههم ، لا يتغيرون ، هم دائما متمسكون بمشروعهم في تغيير نظام حياة التونسيين و فرض بناء ”مجتمع السلف“ و ”مجتمع الإسلام ”(كما يفهمونه) و يرون أنه من واجباتهم الدينية ، ف "لا دستور و لا حريات ضمير و لا حقوق انسان..."كلها تذهب إلى الجحيم" كما قال الغنوشي في لقائه السري مع السلفيين ذات 9 أكتوبر 2012 ، "القوانين يفهمها و يطبقها الأقوى" ، و هم اليوم يظنون أنفسهم ، أنهم أضحوا الأقوى...لذاك تتكرر ممارسات ”جماعات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر“ منها مثلا إيقاف سيارة أجرة من طرف أعوان شرطة و فتح أفواه راكبيها لشمها بحثا عن شاربي الخمر.!!.

 تعديات أخرى كثيرة عن الحريات الخاصة يمارسها الإخوان وتباعهم يريدون بفعل التكرار و الإنتشار أن تصبح عادية وأن تكون هي القاعدة من لباس الخمار و النقاب والزواج بثانية و الزواج العرفي و القروض الإسلامية و فتاوي التكفير و دروس التربية الدينية المخالفة لقانون البلاد و البرامج التلفزية و الإذاعية التي تؤثم الناس و تكفر قوانين الدولة ( مثل مجلة الأحوال الشخصية و منع تعدد الزوجات فيها...) و ترك العمل وقت الصلاة (حتى في المدارس) و فصل الأولاد عن البنات في المدارس ، و جعل صفوف للنساء و أخرى للرجال في ”البوسطة“ ( البريد) أو في المستشفيات ، و كتابة لائحات لا علاقة لها بتوجيه الحرفاء على شبابيك الإدارات العمومية ، من قبيل ”سبحان الله“...و هكذا يسربون سرطان ”دعْشنة المجتمع“ كما سمحوا خلال سنوات حكم الترويكا بإنغراس الإرهاب و تشكل مجموعاته و تسلحها و غزو البلاد...و هاهي تونس تعاني نتيجة ذلك, فقط للنيام و للمستقيلين من شأن وطنهم ألا يأتون للتعذرفي القادم عندما يجلد الناس في الطريق العام و تحرق الكتب و ترجم الزانيات و تقطع الرؤوس و ألا يقولوا أنهم ”كانوا لا يعلمون".