في ليبيا تنقسم المؤسسات بين حكومتين الأولي في شرق ليبيا، وهي الحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب، وحكومة الوفاق في طرابلس، التي تشكلت بناء علي الاتفاق السياسي الذي رعته الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية في العام 2015 وتحظى باعتراف المجتمع الدولي.وتعتبر المؤسسة الوطنية للنفط احدى أهم المؤسسات في ليبيا التي مازالت تحضى بشرعية بين الحكومتين،لكن مؤخرا تصاعدت وتيرة الاتهامات للمؤسسة بالخروج عن الحياد ما يجعلها في قلب الصراع الليبي.
وعلى وقع الحرب الدائرة على تخوم العاصمة الليبية طرابلس منذ الرابع من أبريل/نيسان الماضي بين قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والقوات الموالية لحكومة الوفاق،انخرطت مؤسسة النفط في الصراع  بعدما خفّضت إمدادات الكيروسين إلى المنطقة الشرقية في محاولة لتقييد سلاح الجو.
وتُظهر بيانات مؤسسة النفط أن إمدادات الكيروسين إلى مخازن مطارات في مناطق بوسط وشرق البلاد، يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي، حسبما ذكر مسؤول بالمؤسسة، انخفضت إلى نحو 5.25 مليون لتر في أغسطس/آب.وقالت المؤسسة في بيان:أوقفت المؤسسة الوطنية للنفط جميع إمدادات الوقود الإضافية، لحين الحصول على تأكيدات باقتصار استخدام الوقود على أغراض الطيران المحلية والمدنية وعلى نحو يعكس الاستهلاك الحقيقي.
ووصف دبلوماسيون ومسؤولون بقطاع النفط هذه الخطوة بأنها محاولة لمنع قوات الجيش الليبي من استخدام الإمدادات في معركتها المستمرة منذ خمسة أشهر للسيطرة على العاصمة، وذلك بحسب وكالة "رويترز".ويمثل خفض الكميات المرسلة إلى شرق البلاد في أغسطس/آب، ارتدادا من جانب مؤسسة النفط الليبية، التي تعمل مع السلطات المعترف بها دوليا في العاصمة طرابلس، ويتعين عليها أيضا التعاون مع قوات الجيش، إذ أنها تسيطر على حقول نفط كبيرة.
وعلى وقع هذه التطورات تصاعدت الاتهامات في شرق البلاد للمؤسسة الوطنية للنفط بعدم الحياد،وآخر هذه الانتقادات وجهها عضو مجلس النواب علي التكبالي،لرئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله،متهما اياه بالفساد والانحياز مع المليشيات المسلحة التي تحارب الجيش في طرابلس.
وقال التكبالي، في تدوينة نشرها عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وارفقها بصورة لقاء صنع الله مع مساعد وزير الخارجية الأمريكي شينكر، والسفير نورلاند بمقر السفارة بتونس، "صنع الله يبدو مسرورا جدا ومفتخرا لتوسطه الصورة. نقول لك عبثا ما تفعل فلن يستطيع أن يفرضك أحد على البلاد، فالشعب لا يحبك، والذي لا يحبه الشعب لا يحبه الله، أنت مطلوب للتحقيق من النائب العام، ومطلوب للمساءلة من طرف لجنة الطاقة بالبرلمان، ونحتفظ لك بمخالفات أخرى سوف نبرزها وقت اللزوم".
وأضاف التكبالي قائلا،"فإن كنت قادرا على تعيين مشبوه على رأس لجنة التسويق، فلن تتمكن من الركوب على رؤوس الشعب الليبي، للتنتبه فقط أنت لست محايدا، وقلت أكثر من مرة أنك لن تمكن الشركات الإماراتية من العمل مع المؤسسة لأن الإمارات "ضد الثوار"، وفصلت موظفين تعسفيا ".
وتابع "ان تعاملك مع شركة "فيتول" معروف، ومنحك لسيارات الدفع الرباعي لثوار طرابلس لتحارب الجيش ذاع امره. كما ان منعك للديزل والبنزين عن المنطقة الشرقية غير قانوني، وتستحق عليه المحاكمة، هذا قليل من كثير، فهل سنتركك تستحوذ على ثروة الليبيين؟ نعم يجب أن يبقى النفط تحت إمرة مؤسسة واحدة، لكن ليس برئاستك فأنت أصلا غير كفء ولست شرعيا"، بحسب تعبيره.
وكثيرا ما اتهمت السلطات شرق البلاد ممثلة في البرلمان والجيش رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله بالانحياز لتيار الإسلام السياسي، وهو ما نفاه الأخير في أكثر من مناسبة.وشدّد مصطفى صنع الله بعد أيام من اندلاع  معركة تحرير طرابلس في أبريل الماضي على حياد قطاع النفط والمؤسسة باعتبارها جهازا تقنيا واقتصاديا، مؤكّدا على ضرورة البقاء بمنأى عن كلّ النزاعات السياسية والعسكريّة.
وأشار صنع الله حينئذ،إلى أن الهدف الوحيد للمؤسسة الوطنية للنفط هو ضمان استمرارية الإنتاج وتوفير بيئة عمل آمنة للدفع بعجلة التنمية الوطنية.وتابع "إنّ استمرار عمليات الإنتاج أمر حيوي بالنسبة لمستقبل ليبيا واقتصادها، كما أننا لن ندخر جهدا لحماية جميع موظفي القطاع وضمان عدم تعرّضهم لأي ضرر كان".
وكان صنع الله حاول عرقلة إنتاج النفط من حقل الشرارة بعد سيطرة الجيش عليه في مطلع فبراير الماضي، ما عزز الكثير من الاتهامات بشأن انحيازه للإسلاميين.وعرقلت سيطرة الجيش على حقلي الفيل والشرارة جنوب البلاد مساع كان يبذلها صنع الله ومن خلفه تيار الإسلام السياسي لتشكيل قوة وطنية مسلحة تختص بمراقبة وحماية النفط في البلاد تكون رديفة لحرس المنشآت النفطية.
وكان الجيش الليبي قد سلم الموانئ النفطية قبل عام إلى المؤسسة الوطنية للنفط بطرابلس بعد تحريره منطقة الهلال النفطي بالكامل بعد أن ضلت طيلة سنوات خاضعة لسيطرة ميليشيات يقودها ابراهيم الجضران، الذي كبد البلاد خسائر بمليارات الدولارات، بإيعاز من دول خارجية ودعم من المرتزقة.
وفي يونيو 2018،قام الجيش الليبي بتسليم الموانئ النفطية للمؤسسة الوطنية للنفط ببنغازي،وجاء هذا القرار بعد ساعات قليلة من إعلان الجيش الليبي سيطرته الكاملة على منطقة الهلال النفطي، وتطهيرها من أفراد الميليشيات الإرهابية، والمرتزقة بقيادة إبراهيم الجضران الذي حاول حينها السيطرة على موانئ رأس لانوف والسدرة.
وأرجع العميد أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي حينها، في مؤتمر صحفي، قرار نقل إدارة الموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي إلى المؤسسة الوطنية للنفط بشرق ليبيا، إلى إدراك أن "الجماعات المسلحة المناوئة للجيش تُموّل من عائدات النفط".وطرحت الخطوة جملة من التساؤلات المشروعة حول ما إذا كان الوقت قد حان لإبعاد ورقة النفط من سيطرة القوى التي لها علاقات ولو خفية مع بعض الميليشيات المُصنفة إرهابية، وبالتالي الحفاظ على مصالح الليبيين وتأمين مواردهم البترولية.
وفي يوليو الماضي،أي بعد حوالي 3 أشهر من اندلاع معركة تحرير العاصمة،أكد المشير حفتر لوكالة بلومبرج الأمريكية إن المؤسسة الوطنية للنفط  التي تتخذ من طرابلس مقراً لها هي التي تبيع النفط الليبي الخام وهي من يمتلك حالياً الإمتياز الحصري في تصديره.حث قائد الجيش الليبي في رسالته على عدم إستخدام موارد النفط وعائداته لدعم الإرهابيين والميليشيات المسلحة مع ضرورة تجنب التدخل في الجيش أو في عمله أو العمل ضده.وقال حفتر في رد كتابي على أسئلة وجهتها له بلومبرج نيوز: "الجيش ليس تاجرًا ، إن الجيش لا يبيع النفط بشكل قانوني أو غير قانوني".
ولكن بالرغم من تعاون الجيش الليبي وتأمينه للحقول النفطية تتزايد مؤشرات خروج المؤسسة الوطنية للنفط عن الحياد،وهو ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية للتنبيه على خطورة الموضوع وبدا ذلك واضحا خلال اللقاء الأخير الذي جمع بين رئيس مجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، مصطفى صنع الله، بكل من، مساعد وزير الخارجية الأمريكي شينكر، والسفير نورلاند بمقر السفارة بتونس.
حيث أكدت السفارة الأمريكية بليبيا،عبر حسابها الرسمي على موقع التغريدات "تويتر"،الثلاثاء، أن اللقاء جاء للتأكيد على أهمية الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية للمؤسسة الوطنية للنفط، والتي يجب أن تكون محايدة ومزوّدة بالموارد اللازمة، وكذلك يجب أن تكون بمأمن عن الصراعات والتجاذبات السياسية وذلك من أجل القيام بواجباتها نيابة عن جميع الليبيين،وأن تظل موارد النفط الليبية تحت السيطرة الحصرية للمؤسسة الوطنية للنفط.
وتتمتع حكومة الوفاق بمزايا اقتصادية لإضعاف خصومها، فالحقول والموانئ النفطية التي يحرسها النفط تذهب عائداتها إلى المصرف المركزي ومؤسسة النفط.ففي أواخر أبريل، فرض المصرف المركزي في طرابلس قيودا على إمكانية الوصول إلى أموال المصارف في شرق البلاد، متحدثا عن "تجاوزات" في معاملات المؤسسات المالية المعنية لتبرير التدبير الذي اتخذه.
وسارع البنك المركزي في شرق البلاد لادانة "الإجراءات التعسفية" و"التوزيع غير العادل" للرواتب، معتبرا أنها "حرب جهوية المقصود بها مصارف بنغازي"، كبرى مدن الشرق.وأكدت الإدارة العامة لمصرف ليبيا المركزي بالبيضاء على أنها ستتخذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد هذه الإجراءات التُعسفية ، مشيراً إلى أن المصرف المركزي مظلة جامعة لكل الليبيين وينأى بنفسه عن التجاذبات السياسية التي أقحمت فيها سُلطة الأمر الواقع.
وقال مركز التحاليل في مجموعة الأزمات الدولية حينئذ "إذا شدد المصرف المركزي الليبي في طرابلس تدابيره، فذلك قد يعرّض للخطر قدرة سلطات الشرق على دفع رواتب الموظفين وقوات حفتر".وأضاف التقرير أن ذلك "قد يدفع حفتر إلى وقف الصادرات النفطية من المناطق التي يسيطر عليها، ما قد يثير حربا اقتصادية". وحّذر التقرير من أن "ذلك قد يعمّق بحكم الأمر الواقع، الانقسام بين الشرق والغرب وقد يكون تمهيدا للتقسيم".
وتعرضت الثروة النفطية منذ 2011، إلى شتى أنواع الإستنزاف وذلك في ظل وقوعها بين براثن الميليشيات، التي إستغلت الأزمة الدائرة في البلاد وغياب السلطة لتحكم سيطرتها على الموانئ النفطية وتعمل فيها الفساد.ومثلت حقول النفط الكبرى في ليبيا الهدف الأساسيّ للمسلّحين الساعين إلى السيطرة على القرار السياسيّ والاقتصاديّ، واحتكار عائدات الثروة بمعزل عن المؤسّسات الرسميّة للدولة.وأدى سقوط الموانئ النفطية الليبية فى أيدى الميليشيات إلى خسائر كبيرة ساهمت فى تردى الأوضاع الإقتصادية في بلد تمثل العائدات النفطية العماد الرئيسي للاقتصاد.

.