تشبيه المبعوثون الأمميون إلى ليبيا بالقاعدة المذكورة في العنوان ليس فيه أي إهانة لهم، ولا تنقص أي شيء في شخصياتهم، رغم ما يؤاخذ على الأداء العام لمراحل تعيينه والحقيقة على الأرض لا يمكن إخفاؤه مهما زُيّنتْ. فالسنوات التي طالت بعد تحولات العام 2011، لم تقدّم ما يمكن الرضى عنه من الليبيين فكانت كل بعثة تقضّي مجرد فترتها ثم تغادر دون أن تبقي أي أثر وراءها سوى مزيد من الأزمات، هذا طبعا مع الكم الكبير من الوعود والتوصيات والآمال التي يقدّمها كل مبعوث جديد عند تعيينه
لا يمكن الحديث عن بعثة أممية إلى ليبيا بمعناها الحالي إلا في سبتمبر العام 2011، لأن المرحلة التي سبقت الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي كانت نوعا من القرار العاجل والمنحاز من خلال تكليف الدبلوماسي الأردني عبد الإله الخطيب، لمراقبة تطورات الأحداث وتقديم توجيهات على المرحلة الواجب اتباعها ضمن ما كان يسوّق وقتها على أنه "التحول الديمقراطي" الذي أصبح فيما بعد نوعا من التندّر بين الليبيين الذين وجدوا أنفسهم وضع لا يحسدون عليه جعل نسبة كبيرة منهم تراجع موقفها من "الثورة" رغم حماستهم المفرطة في أحداثها سقوطا في الدعاية الإقليمية والغربية المُسوقة وقتها.
إيان مارتن .. الراحل على عجل
بدأ الحديث عن بعثة أممية للدعم في ليبيا رسميا في سبتمبر 2011، أي في الفترة التي بدأت فيها الصورة تتوضح عمليا لفائدة القوى المعادية للعقيد معمّر القذافي. فتم تعيين المسؤول البريطاني إيان مارتن على أساس خبرته السابقة في مناطق النزاع فكلّف بمهام إعادة الإعمار في ليبيا بعد أشهر من قتال المجموعات المسلحة ضد الجيش الليبي، وتواصل عمله بفضل عمليات التمديد إلى حدود شهر أكتوبر 2012، لكن مارتن بدوره كان ضمن القوى المؤيدة للمجلس الانتقالي وكانت اتصالاته مقتصرة عليه على اعتبار أنه نال في تلك الفترة الشرعية الدولية وكانت النقاشات خلال فترته على إعادة بناء الشرطة وبعض المؤسسات الرسمية وهو ما لم يحصل طبعا.
طارق متري .. سنتان ختامهما الفشل والاقتتال
لم يكن طارق متري أفضل حظ من سابقه البريطاني. فالسياسي اللبناني صاحب الخبرة الدولية يعتبر الأقرب من مارتن إلى الملف اليبي باعتباره قادما من بيئة عربية يفترض بها فهم الواقع بكل تعقيداته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. خلال تعيينه أشارت الأمم المتحدة إلى أنه سيعمل على دعم التوجه الديمقراطي ومساعدة الليبيين على الحوار والوحدة لكن حقيقة الأرض تختلف عن خطابات الزوايا المريحة. فالرجل الذي وجد في موقعه فرصة لتدعيم سجله الأممي والدبلوماسي ثم بكتاب يخلّد تجربته في ليبيا، لم تسجل خلال فترة أي تطورات أو تقدّم في ظل ارتفاع حدة الخلافات والانتشار التدريجي للمليشيات بالإضافة إلى الانتشار الرهيب للاعتقالات العشوائية والتعذيب في أكثر منطقة ولم يكن قادرا على أي فعل يغيّر من الواقع إلى أن ختمت مسيرته بالاقتتال الأهلي في مركزي البلاد طرابلس وبنغازي إيذانا بدخول البلاد في أزمة عميقة لم تخرج منها إلى اليوم. وقد لخص هو الأمر بأن "غادرت حين أصبحت مهمتي مستحيلة وفشلت في إقناع النخب السياسيّة بالتسوية. وطالتنا كبعثة التهديدات بالقتل أخيرًا". وهو إقرار صريح بفشل مهمته.
برناردينو ليون.. الصخيرات وسياسة الاستعجال
قد تكون فترة المبعوث الأممي برناندينو ليون هي الأصعب على الإطلاق بين كل المبعوثين إلى ليبيا بعد 2011. فلحظة تعيينه كانت البلاد تعيشه حالة غير مسبوقة من الاقتتال، بالإضافة إلى انتشار التنظيمات الإرهابية وسيطرتها على عدد من المدن الحيوية، مما عقّد المسألة إلى حد كبير. الدبلوماسي الإسباني حاول بكل الطرق جمع الفرقاء الليبيين من أجل تسجيل نقطة لم تسجل في سجل سابقيه، وهو ما نجح فيه في مدينة الصخيرات قبل مغادرته منصبه بأن تم توقيع اتفاق أفرز مؤسسات سياسية مازالت تسيّر الوضع في غرب البلاد، لكنه اتفاق قاصر يؤكّد سياسة الاستعجال التي اتخذها ليون، حيث تسبب ذلك الاتفاق في تقسيم البُنى السياسية في البلاد ما تسبب في خلق رأسين لأغلب المؤسسات الرئيسية الأمر الذي أثر على أدائها بشكل كبير. كما خلق الاتفاق حالة من التوتر السياسي أوصل كل محاولات التوحيد إلى طريق مسدود.
كوبلر.. الفاشل بالإجماع
لم يجمع الليبيون على شيء بعد تحولات العام 2011، مثل إجماعهم على فشل المبعوث الأممي الألماني مارتن كوبلر. فمنذ لحظة تعيينه من طرف بان كي مون، بدأت الانتقادات تظهر من عدة أطراف ليبية ومراقبين مهتمين بالشأن الليبي. فسجل الدبلوماسي في الكونغو والعراق يؤكد أنه ليس الرجل المثالي للإشراف على ملف معقد مثل الملف الليبي. فالرجل سعى بكل السبل إلى تفعيل الاتفاقات التي قام بها سلفه ليون، لكنه جوبه برفض من أغلب القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، بل إن تحركاته أغضبت حتى الشارع الليبي الذي خرجت مظاهرات في أغلب مناطقه من أجل التنديد بممارسات المبعوث الأممي الذي بقي لحوالي سنتين دون أن يقدّم للملف أي إضافات ولم ينجح في كسب ثقة الأطراف المتصارعة، إلى أن غادر منصبه في يونيو 2017 بسجل خاو من كل إنجازات سوى ابتسامات يوزعها أينما حل.
غسان سلامة.. هل ينهي مهمته بانتخابات أم "بـاحتلال" للبلاد؟
منذ لحظة تعيينه في يونيو 2017، يعمل الدبلوماسي اللبناني على إنجاز مهام لم ينجح فيها كل سابقيه. الرجل رفع مجموعة من النقاط للعمل عليها، مثل توسيع دائرة الحوار بين جميع الليبيين، وتعديل اتفاق الصخيرات، وإجراء انتخابات قبل نهاية 2018، لكنه وإن بدأ في العمل على النقطة الأولى، من خلال اللقاءات التي جمع فيها الفرقاء شرقا وغربا سواء بالاستعانة بأطراف إقليمية ودولية أو من خلال حوارات تحت إشراف أممي مثلما وقع في تونس على أكثر مرحلة وقد رفع فيها سقف الآمال كثيرا إلى درجة أن أصبح الحديث عن النقاط التعديلية في الاتفاق السياسي، لكن الخلافات العميقة أسقطت كل تلك الأمال لتعيد الأمور إلى نقطة الصفر. أما بقية النقاط وأساسا مسألة الانتخابات التي سُوّق إنها ستجرى قبل نهاية العام 2018، فإنها من بدايتها كانت مجرّد طموح يسجل لسلامة في مسيرته كمبعوث إلى ليبيا لا يمكن لها أن تتحقق زادت تأكيد استحالتها الأوضاع المنفلتة في العاصمة طرابلس منذ أغسطس الماضي والتي بدت فيها البعثة الأممية أضعف من أن تتحكم في الأمور اللهم أن تختمها بطلب التدخل العسكري الخارجي وهي مسألة لم تعد مستبعدة خاصة مع ما أصدره المجلس الرئاسي (العاجز) مؤخرا من طلب صريح للأمم المتحدة بضرورة إيجاد حل لما يقع في طرابلس.