قد يكون سمير عبدلي أحد مفاجآت  قائمة المترشحين للإنتخابات الرئاسية، فهو يترشح بصفة مستقلة ولم يسبق له الانتماء الى أي حزب من الأحزاب،  ولم يظهر في الساحة السياسية محللا أو متابعا، رغم نشاطه في عديد الجمعيات بعد الثورة  ، لكنه يظل ملما ومهتما بالشأن العام بحكم  تكوينه في الحقوق والعلوم السياسية و نشاطه المهني المتعدد الأوجه على الصعيد الدولي.

ولأنه المفاجأة، فإن أغلب التونسيين يجهلون عنه الكثير وهو المحامي والمفاوض الدولي في مجال الطاقة، فقد انفردنا بلقائه والتحاور معه في أول اطلالة اعلامية له حول برنامجه الإنتخابي في مسعى لمزيد تعريف قرائنا بهذا الشاب الذي انطلق  من حي الحلفاويين الشعبي بالعاصمة ليستقر في مركز دولي متميز  صنع نجاحه بنفسه  وبفضل جهوده ومثابرته

س : كيف نبعت فكرة ترشحك للانتخابات الرئاسية ؟ 

ج " منصب رئاسة الجمهورية ومنذ اكثر من 60 عاما كان مجرد الحلم به او التفكير فيه جريمة موجبة للسجن، والسعي الى تحقيقه يصل الحكم فيه الى الإعدام أحيانا. اليوم وبفضل الثورة، اضحى بالإمكان الترشح للرئاسية شرط توفر المقاييس التي تضمنها الدستور والقانون الإنتخابي .

وبالفعل وفرنا جميع الشروط التي حددها الدستور والقانون الإنتخابي وقدمت بفضل الله ملف ترشح نظيف احترمت من خلاله القانون والأخلاق وقيم النزاهة في جمع التزكيات . فأكثر من 20 الف ناخب وناخبة من كامل تراب الجمهوريةاكدوا ثقتهم في شخصي وفي برنامجي الإنتخابي الى جانب 10 نواب من المجلس التاسيسي تولوا تزكيتي عن قناعة ومحبة وتقدير...فكل الشروط المنصوص عليها في القانون الإنتخابي وفرتها وصندوق الإقتراع هو الفيصل في اطار المنافسة الشريفة.

فتونس ولادة، تونس الأم التي أنجبت أجيالا من الكفاءات الوطنية التي يظل هاجسها الأساسي اعلاء راية الوطن...صحيح ان ان جيل الإستقلال هو الذي وضع الركائز الإستراتيجية لتشييد بناء الدولة العصرية وحقق العديد من المكاسب التي يطول تعدادها ، والإعتراف بالجميل لهذا الجيل المؤسس للدولة  العصرية، لكنه أغفل البناء الديمقراطي ولم يضمن الحريات ..وهذه السياسات قد خلفت العديد من ضحايا الإستبداد في العائلات الإسلامية واليسارية والتقدمية والنقابية والحقوقية.

من الثابت ان لكل بناء اخفاقاته وارهاصاته،،، ولكننا بفضل الثورة، نحن اليوم على أبواب استحقاقات انتخابية هامة في مرحلة مفصلية للبلاد لإرساء نظام ديمقراطي يقوم على مبدإ التداول السلمي على السلطة بما يرشح تونس لتسجيل سابقة تاريخية وريادة تامة في المنطقة...فجيل اليوم، عندئذ، مطالب بمواصلة بناء الدولة على أسس الديمقراطية ، وهو امر لا يتحقق الا بتوفير ارضية ملائمة وهي لم شمل ابناء الوطن الواحد تحت راية المصالحة الشاملة والعادلة،،، وانا اريد ان اكون رئيسا يجمع ولا يفرق.

*س: المصالحة دون محاسبة ؟؟؟

*ج: المحاسبة هي مهمة العدالة الإنتقالية، واني على يقين بأنه لا سبيل لإرساء عدالة انتقالية ضمن دولة قوية ومنيعة ضامنة لحقوق الإنسان في مناخ متوتر تسيطر عليه مشاعر الإنتقام والإبتزاز...ففي حال فوزي في الرئاسية ساسعى مع جميع القوى الوطنية الى تقديم المصلحة العليا للبلاد بعيدا عن المصالح الضيقة والظرفية.

فتونس لكل التونسيين ليس شعارا بل و هدف سنعمل معا على تكريسه ونساهم جميعا اليد في اليد رفقة كل الأطياف وكافة الأحزاب السياسية بلا استثناء كل من موقعه من أجل انجاز هذا المشروع الحضاري المستقبلي لتونسنا العزيزة...وأنا على قناعة بضرورة رد الإعتبار للضحايا والإعتذار والتعويض لهم عما أصابهم من مأس.

فتاريخ الشعوب يشهد انه ما من دولة قامت بها ثورة ونجحت في تخطي مرحلتها الإنتقالية الصعبة دوما، الا وكانت المصالحة الوطنية العادلة هي المدخل الذي يتأسس عليه بناء المستقبل. فنحن امامنا 5 سنوات صعبة ، 5 سنوات من العمل والكد والإجتهاد ،،، ولا يمكن لأي مشروع حزب او مترشح للرئاسية، مهما كانت عبقرية هذا المشروع، ان ينجح الا بتوفر السلم وتوفر بيئة مصالحة وروح التسامح ،،،فقوتنا في وحدتنا ووحدتنا في تنوعنا.

*س: لو سالتك عن مشروعك المستقبلي وانت تخوض السباق نحو قصر قرطاج ؟

*ج: أولا انا لا أحب تعبير " السباق نحو قصر قرطاج"، ففي هذه التوصيفة تضمين لمفاهيم سلبية أنأى بنفسي عن مجرد التفكير فيها . فالإنتخابات الرئاسية هي استحقاق وطني يمكن الرئيس من خدمة البلاد والعباد وفق مبادئ مشروع حضاري اولا وبالأساس. فرئاسة الجمهورية هي باب يتيح للرئيس المنتخب تنفيذ ما يحمل من برامج ورؤى مستقبلية من اجل المصلحة العامة في حدود الصلاحيات التي حددها له الدستور وبالتعاون مع الحكومة والبرلمان وجميع القوى الوطنية والمنظمات .

فمنذ اول ظهور رسمي لي بمناسبة تقديم ملف ترشحي يوم 22 سبتمبر 2014 ، اعلنت عن اولويات برنامجي المرتكز على ثلاث معارك استراتيجية. فمعركتي الأولى هي في حقيقة الأمر معركة كل تونسي يخفق قلبه حبا للوطن وفداء له، وتتمثل في مكافحة الإرهاب واسباب ظهوره، واني اترحم بالمناسبة على أرواح شهداءنا الأبرار من قوات الجيش والأمن الباسلة،،،هؤلاء الأبطال الذين سقطوا وهم يتصدون للجماعات الإرهابية الأثمة فداء للوطن العزيز،،، كما لا يفوتني الترحم على روح الزميل المحامي شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي وجميع المدنيين الذين سقطوا تحت وقع الرصاص الغادر للعناصر المارقة عن القانون، ،فالإرهاب يمثل تهديدا جسيما للمسار الإنتخابي اليوم، وتهديدا للمرحلة الإنتقالية الهشة والدقيقة التي تمر بها تونس اليوم.

تونس لا تحتمل الإرهاب، والإرهاب يزعزع استقرارنا ويهدد أمننا وسلامة مواطنينا وزائرينا . فلقد عايشت وعاشرت الأخوة الجزائريين أثناء احلك فترة عاشتها الشقيقة الجزائر خلال حربها على الإرهاب، ايام كنت اتردد على الجزائر في اطار عملي كمحام ومفاوض.. وقد تقاسمت مع الإخوة الجزائريين حالة المخاوف والأحزان التي سيطرت عليهم وقتها، والحق يقال ان ما عاشوه من أهوال ورعب  لا يقاس بحالة الإرباك التي عشناها نحن في ظل تفشي الإرهاب.

وبالنظر الى فارق الجاهزية بيننا وبين الجزائر، فان الأمر مرشح للتصعيد ما لم نحارب الإرهاب بالكيفية المناسبة ، وهذا من اولى اهتماماتي، بل يجب ان تحظى هذه المسالة باهتمام خاص يشمل مسائل الدفاع والأمن الوطني والسياسة الخارجية للدولة.

معركة أخرى لا تقل اهمية عن الأولى بل هما مرتبطتان اشد الإرتباط، وهي معركتي ضد مسببات الفقر.

*س: تقصد ضد انتشار الفقر؟؟؟

*ج: لا لا بل أقصد ضد مسببات الفقر ...فأنا نشأت في وسط شعبي ولا أزال أحافظ على تواصلي المستمر مع الطبقة الضعيفة والمتوسطة، الى جانب نشاطي صلب جمعيات من المجتمع المدني حيث احرص على وضع مقاومة الفقر واسبابه والبطالة والمطالب الإجتماعية الملحة والحد من التفاوت بين الجهات في سلم اهتماماتي الأولية. وفي حال وفقني الله بالفوز في الرئاسية، فاني ساعمل على تنفيذ برنامج واضح لمكافحة هذه الأفات وعلى راسها الفقر بالتعاون والتنسيق مع الحكومة الجديدة والبرلمان والمنظمات الوطنية.

*س: مالذي يميز برنامجك في محور العلاقات الديبلوماسية لتونس ؟

*ج: هدفي هو اعادة اشعاع صورة تونس بين دول العالم، فالشعب التونسي قام بثورة اضفت على البلاد اشعاعا عالميا وانبهرت كافة الدول بالمستوى الراقي لتغيير السلطة، الا اننا للأسف الشديد لم نتوفق في استغلال ذلك ديبلوماسيا، بل بالعكس، في بعض الأحيان تراجعت صورة تونس بشكل غير مسبوق في تاريخ الديبلوماسية التونسية منذ الإستقلال.

فصورة تونس في عهد الدكتاتورية ورغم مهارة ديبلوماسيينا كانت قاتمة ولم يكن بالإمكان جعلها ناصعة،،،،الا اننا اليوم أمام فرصة تاريخية وبفضل نجاح الإستحقاقات الإنتخابية التي نحن مقدمون عليها وبالتالي تحقيق البعض من اهداف الثورة وتركيز الديمقراطية الى جانب نجاح المسار الدستوري، بمقدورنا ان ننجح وبامتياز في ارساء ديبلوماسية عريقة استنادا الى تجارب تمثيلياتنا في الخارج ،،، وعليه فانه بإمكان رئيس الدولة كسب رهان الديبلوماسية التي ستشهد عصرها الذهبي باذن الله.

كما ارى انه من الضروري الربط بين الديبلوماسية السياسية والديبلوماسية الإقتصادية التي ستكون جسرا استثماريا متواصلا نوجهه للتنمية والحد من الفوارق الجهوية. فعلى مدى اكثر من عشرين عاما قضيتها كمفاوض في مجال الإستثمارات ذات القيمة المضافة العالية في شتى انحاء العالم، حصلت لدي تجربة كبيرة وخبرة دقيقة وأصبحت على يقين بأهمية غزو الأسواق الخارجية وكسب ثقة المستثمرين والدول المانحة على حد سواء في اطار الديبلوماسية النشيطة. وهي اهداف طموحة تصب كلها في صالح الإقتصاد الوطني ودعم جهد الحكومة في سعيها الى ايجاد حلول للأزمة الإقتصادية التي تعيشها تونس.

*س: عذرا، ولكن التنمية ليست من صلاحيات رئيس الدولة وفقا لصلاحياته التي ينص عليها الدستور التونسي الجديد...

*ج: هذا صحيح، ولكن رئيس الدولة هو انسان ومواطن قبل كل شيئ ، وهو السلطة المسؤولة عن كل تونسي وهو رئيس كل التونسيين اذن من الطبيعي ان يسعى من موقعه الى النهوض بمستوى عيشهم. وانا اسعى الى توجيه رسائل قيمية وارساء عقلية تقديس العمل لدى التونسيين وابعادهم عن عقلية الربح السهل والكسل والتعويل المفرط على الدولة ، بما يعني انني سأعمل على تغيير عقلية الفشل بعقلية النجاح.

فنجاح مواطن مثلي في الدراسة والعمل وانا اصيل منطقة وحي شعبي هو اصدق مثال بان المصعد الإجتماعي موجود في تونس ..

واود توجيه رسالة الى الأولياء في هذا السياق، بالا يستسلموا والا يترددوا في تشجيع ابناءهم على الدراسة والتحصيل العلمي بالرغم من اخفاقات سياستنا التربوية ..ففي نجاح الأبناء وتألقهم نجاح ايضا للوالدين وللأسرة كنواة المجتمع. واني اتوجه برسالة امل وحلم اريد ان اتقاسمها مع الشباب التونسي ..فالحلم ليس مشرعا في امريكا فحسب بل في تونس ممكن ايضا وانا اصدق مثال على ذلك  حقيقة الحلم التونسي...لقد قال الرئيس الأمريكي كلمته الشهيرة ،،،وانا اقولها اليوم لشبابنا ، أجل نحن نستطيع..وهي ليست رسالة انتخابية بالمرة، بل رسالة امل ،،، لشبابنا الذي يجب أن يقطع مع الإحباط والياس والإستسلام،، ومجرد وصول هذه الرسالة الى المبعوثة اليهم الشباب، أكون قد حققت هدفا ساميا من بين اهدافي الأخرى.

*س: كيف تبدو لك حظوظك الإنتخابية وانت لا تملك تاريخا سياسيا او حزبيا ؟؟

*ج: صحيح انني كنت في السابق من الأغلبية الصامتة العازفة عن المشاركة في الحياة السياسية للأسباب المعروفة، الا ان هذا لا يعني البتة اني لم أكن مهتما بالشأن العام . وبوصفي منتميا الى سلك المحاماة وما يقتضيه عملي كمفاوض ، كنت ساهمت بعد الثورة في الحفاظ على وحدة صفوف منظمات عريقة ، حيث كللت مساعي التفاوض بالنجاح كما تشرفت بالمساهمة رغم الضغوطات في تمرير فكرة الفصل 13 من الدستور الجديد الذي يؤمن الثروات الطبيعية عبر الأجيال والحوكمة الرشيدة في ميدان الطاقة، فأنا أرى في نفسي القدرة والكفاءة والإستقلالية لإرجاع ثقة التونسيين في المجال السياسي من خلال ماض ناجح وقدرة على البناء والعمل الجدي ،،، وأنا على يقين ان التونسيين سوف يكتشفون في شخصي ما يجعلهم يطمئنون على مستقبلهم وعلى أمنهم  ومستقبل ابناءهم في كنف الكرامة .

فأنا ابن الشعب ومن الشعب ، مستقل غير خاضع لأي جهة أو حزب... ولن اسقط في فخ تغليب طرف على أخر.

*س: هل تعتقد بان تونس تحتاج اليوم الى رئيس مستقل ؟

*: لا أخفيك سرا أن العمل الحزبي هو المبدأ وهو العمل السياسي بامتياز، والإستقلالية هي الإستثناء،، ونحن اليوم في تونس نعيش فترة استثنائية ،،، فالظرف الحالي يقتضي ان يكون رئيس الجمهورية رئيسا حكما، والحكم بكل بساطة لا يمكن أن يساند طرفا على حساب طرف أخر ومن مصلحة تونس ومصلحة جميع التونسيين من أطراف وأحزاب ،،، ولا يمكن ان تكون مؤسسة الرئاسة مؤسسة تفرق بين التونسيين،، صحيح ان مسؤولية الرئيس القادم ستكون صعبة حيث تنتظره مفاوضات يومية ماراطونية ،،، ومهما كانت نتيجة الإنتخابات التشريعية، فستكون مسؤوليته صعبة جدا .

فالإستقلالية الصادقة والحنكة في التفاوض وتقديم المصلحة العليا للبلاد هي التي تبني الثقة حول  شخص الرئيس المستقل فهو صمام الأمان والضامن لوحدة ومصلحة البلاد في السنوات القادمة .

*س: كلمة الختام ؟

*ج: انا على يقين بان الإنتخابات الرئاسية هي علاقة مباشرة بين المترشح والشعب والفيصل هو صندوق الإقتراع،،، وأنا أتقدم كمستقل مباشرة الى الشعب وكلي أمل أن أنال ثقته في شخصي وفي برنامجي...وفي حال فوزي بالرئاسية، فاني اعد بأن أكون رئيسا لكل التونسيين وهدفي في ذلك خدمة المصلحة العليا للوطن وتوحيد صفوف التونسيين ، وكلي ثقة في ذكاء الشعب التونسي وقدرته على حسن اختيار الرئيس .

كما اتمنى ان تسير الإنتخابات الرئاسية والتشريعية في جو من الأمان والفرحة وان تتميز بالشفافية والنزاهة."