نشر المجلس الأطلسي –مؤسسة بحثية أمريكية مهتمة بالسياسة الدولية- تقريرا حول أخر مستجدات الأوضاع في ليبيا، مسلطا الضوء على الدور الذي تلعبه روما في الصراع الدائر في الدولة الواقعة في شمالي إفريقيا. 

وقال المجلس الأطلسي في 6 أبريل التقى رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي بنظيره الليبي عبد الحميد دبيبة في طرابلس. كانت هذه أول زيارة دولة لرئيس الوزراء الإيطالي منذ توليه منصبه في 13 فبراير. والأهم من ذلك أن الزيارة جاءت في وقت تدخل فيه ليبيا مرحلة جديدة من الانتقال السياسي. أدى اتفاق وقف إطلاق النار الأخير الموقع في 23 أكتوبر 2020 من قبل الفصيلين الرئيسيين - حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والمدعومة من الأمم المتحدة ، والجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ومقره بنغازي - إلى انتخاب حكومة موحدة برئاسة دبيبة.

وركزت زيارة رئيس الوزراء الإيطالي  -وإن كانت قصيرة- على عدة قضايا مهمة. وشدد على أن هذه لحظة فريدة للبلدين "لإعادة بناء صداقة قديمة" في إشارة إلى التعاون الاقتصادي والسياسي طويل الأمد الذي تشترك فيه إيطاليا وليبيا على مر السنين. أظهر رئيس الوزراء دراجي حماسًا كبيرًا لبدء "مستقبل" جديد والقيام بذلك "بسرعة"، مضيفًا أنه يجب "التقيد الصارم بوقف إطلاق النار لعام 2020".

ويشترك البلدان في العديد من المصالح المشتركة والتي تمت مناقشتها خلال الزيارة. وعلى وجه الخصوص تمتلك شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط استثمارات استراتيجية في ليبيا (في عام 2019 صدرت إيطاليا 8 في المائة من غازها الطبيعي من ليبيا). ليس من المستغرب إذن أن يتحدث دراجي عن تكثيف التعاون مع ليبيا في قطاعي الكهرباء والطاقة. وتعد قضية الهجرة  من أبرز الاهتمامات الرئيسية الأخرى تم التطرق إليها أيضًا عندما ذكر دراجي أنه يقدر بشدة جهود ليبيا لإنقاذ المهاجرين في البحر ومكافحة تهريب البشر، وهي تصريحات تعرض لانتقادات شديدة بسبب الحالة المحفوفة بالمخاطر والمروعة لمعسكرات الاعتقال الليبية.

وبغض النظر من المرجح أن يتجاوز التعاون بين البلدين ما قاله الزعيمان علنًا. في الواقع يعتقد الكثيرون أن إيطاليا ستأخذ زمام المبادرة في إعادة بناء مطار طرابلس وهو المشروع الذي تم تكليفه لشركة البناء الإيطالية إينيس قبل ثلاث سنوات. كما يشاع أن إيطاليا ستتولى بناء طريق سريع طويل على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا والذي سيربط تونس بمصر عبر ليبيا.

وزيارة دراجي إلى ليبيا هي خطوة كبيرة لتجديد دور إيطاليا في ليبيا والبحر الأبيض المتوسط الأوسع، وهي خطوة لا ينبغي إغفالها. ربما تمهد إيطاليا الطريق لتصبح جهة فاعلة مهمة في إدارة الأزمات والتحديات في المنطقة. في الواقع قبل أسبوعين من رحلة دراجي في 21 مارس 2021 التقى وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بدبيبة ونائبي رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني وعبد الله اللافي ووزيرة الخارجية نجلاء المنكوش. خلال زيارته تحدث دي مايو عن "المصالح الجيوستراتيجية الهامة" التي يشترك فيها البلدان وسلط الضوء على نية إيطاليا للمساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد. جدير بالذكر أن دي مايو كان أول وزير من الاتحاد الأوروبي يزور رئيس الوزراء الليبي المنتخب حديثًا. كان الاستعداد الذي انتهز به دي مايو الفرصة لزيارة البلاد إشارة قوية بالفعل على أن إيطاليا مستعدة لأن تصبح شريكًا استراتيجيًا في المنطقة وهو ما أكدته زيارة دراجي.

ولدى إيطاليا العديد من الأسباب لتكون شريكًا حيويًا لليبيا ودول أخرى في المنطقة. على سبيل المثال تشترك إيطاليا وليبيا في العلاقات التاريخية التي تعود إلى عام 1911 عندما احتلت إيطاليا لأول مرة طرابلس وبرقة. على مدى عقود شهدت العلاقات الإيطالية الليبية نقاطًا منخفضة وعالية. وتجدر الإشارة إلى توقيع معاهدة بنغازي عام 2008 بين رئيس الوزراء آنذاك سيلفيو برلسكوني والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وهي الاتفاقية التي وضعت إيطاليا كشريك قوي وذي مصداقية لليبيا.

وإيطاليا هي أيضًا واحدة من الدول الوحيدة التي حافظت على وجود قوي على الأرض حتى قبل الإطاحة بالقذافي، ولكن بشكل خاص في السنوات القليلة الماضية أثناء اشتداد الحرب الأهلية. في الواقع لم تغلق إيطاليا أبدًا سفارتها في طرابلس في حين أن العديد من الدول الأخرى بما في ذلك فرنسا والولايات المتحدة فعلت ذلك. إن حقيقة أن إيطاليا احتفظت سفيراً في ليبيا على مر السنين توفر للبلاد روابط قوية مع المؤسسات المحلية وهي العلاقات التي تسمح للإيطاليين بوضع أنفسهم في طليعة الشراكة الأوروبية المحتملة مع ليبيا.

و أخيرًا تتمتع إيطاليا الآن بمصداقية أقوى بفضل تعيين دراجي رئيسًا جديدًا للوزراء لإيطاليا. إن سجله الحافل كسياسي جدير بالثقة مستمد من حياته المهنية الطويلة والناجحة في أفضل المؤسسات الدولية في أوروبا وعلى الأخص كرئيس للبنك المركزي الأوروبي بين عامي 2011 و 2019. هذه المصداقية المتجددة تضع إيطاليا في موقع استراتيجي في أوروبا لتصبح الجديدة نقطة مرجعية للولايات المتحدة عند التعامل مع ليبيا ودول أخرى في البحر المتوسط. في الوقت الذي تتنحى فيه أنجيلا ميركل الألمانية ويواجه الفرنسي إيمانويل ماكرون حملة انتخابية مهمة  فإن إيطاليا هي الأنسب لتولي زمام المبادرة في تعزيز التعاون عبر الأطلسي في البحر الأبيض المتوسط.

ومع ذلك فإن الطريق أمام إيطاليا معقد. يتعين على إيطاليا الآن أن تتصرف بشكل حاسم لتحديد استراتيجيتها في السياسة الخارجية والتنسيق مع حلفائها الأمريكيين والأوروبيين. مع تحول إدارة جو بايدن نحو الشرق يمكن لإيطاليا أن تلعب دور الوسيط في ليبيا وهي استراتيجية قد تكون واشنطن حريصة على الترحيب بها كما يتضح من تصريحات وزير الخارجية أنطوني بلينكين عند لقاء نظيره الإيطالي في 13 أبريل. إذا كانت إيطاليا ستضع نفسها استراتيجيًا كوسيط لحلفائها فقد تصبح أخيرًا لاعباً رئيسياً وتساعد في استعادة الاستقرار والأمن في ليبيا وربما البحر الأبيض المتوسط الأوسع.