تعتبر مُشكلة إنفلات الحُدود و التّهريب و المافيات المختصّة من أكثر العوامل التي تُساهم في إنتشار و تفشّي ظاهرة المُخدّرات في تونس و خاصة بعد العام 2011 في علاقة بالوضع السياسي في البلاد و الوضع الأمني المنفلت و المُتردّي في الجارة ليبيا التي تعرف حالة من عدم الإستقرار و ضعفا للدّولة المركزيّة إنعكس سلبا على حالة الرقابة على الحدود بين البلدين و على الوضع الليبي الدّاخلي حيث تنتشر العصابات المسلّحة و عصابات التّهريب و الإتجار في المخدرات و الهجرة السريّة .

و بما أن "رأس المال" يبحث بطبعه دوما على "أسواق" جديدة للترويج و الإنتشار فإنّ تجّار المخدّرات في كل من البلدين تونس و ليبيا تستغل هذه العوامل و تأخذها بعين الإعتبار لمزيد توسيع دائرة نشاطها و توسيع قاعدة "حرفائها" الذين هم من معظمهم من الشباب و طلاب المدارس و الجامعات .

و في غياب دراسات و معطيات و أرقام دقيقة عن جحم التهريب في "قطاع" المخدّرات ، فإنّ الواقع يبقى شاهدًا على إنتشار هذه الظّاهرة و تفشّيها في تونس ، وضع يزيده تعقيدًا التشريعات القانونية ذات العلاقة التي ترتكز على الجانب العقابي الرّدعي مع ضعف كبير للجانب العلاجي ، النّفسي، الصّحي و كذلك التوعوي ،وسط دعوات من قبل منظمات المجتمع المدني بضرور مراجعة قوانين العقوبات و العمل الأكثر على الجوانب الدّعوية و الإصلاحية و الإدماجية .

و كشف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات عبد المجيد الزحاف في  نوفمبر من العام 2013 لـ موقع "افريكان مانجر" أنّ تعاطي المخدرات في تونس استفحل بصفة كبيرة بعد الثورة نظرا للظرف الأمني الذي تعيش على وقعه البلاد منذ ما يقارب عن 3 سنوات، داعيًا  إلى تشديد العقوبات على مروجي المخدرات وتخفيفها على المستهلكين لها.

ورغم غياب إحصائيات رسمية تؤكد حجم الظاهرة في تونس فقد توّقع الزحّاف أن يصل عدد المستعملين للأقراص المخدرة إلى 200 ألف فيما يُتوقع أن يصل عدد المستهلكين لمادة "الزطلة" (القنب الهندي) 100ألف شخص أغلبهم من الأطفال،أما فيما يتعلق باستهلاك المخدرات عن طريق الحقن فإنّ التوقعات الأولية تشير إلى وجود 20 ألف شخص.

و أضاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات أن استهلاك المخدرات في تونس موجود حتى قبل ثورة 14 جانفي،لكن الموضوع لم يأخذ حقه من التغطية و الاهتمام من السلطات المعنية بالحجم المطلوب. و في ظل الوضع الأمني الراهن فقد أصبحت و على قول عبد المجيد الزحاف مجموعات كبيرو من الشباب التونسي مهددة بهذه الآفة، فبعد أن كانت تونس ارض عبور تحولت اليوم إلى سوق تباع و تشترى فيها المواد المخدرة في مختلف الأماكن و دون رقابة صارمة من  الجهات المسؤولة.

و استنادا إلى عبد المجيد الزحّاف فإن استهلاك المخدرات كان يقتصر بصفة خاصة على جهتي تونس العاصمة و حمام الأنف،و اليوم باتت متاحة لكل الفئات في مختلف محافظات الجمهورية خاصة المراهقين حيث ينتصب بعض المروجين للمواد المخدرة أمام المدارس و المعاهد الثانوية و دور الشباب على حدّ قوله.

كما كشفت دراسات قامت بها ادارة الطب الجامعي والمدرسي بوزارة الصحة التونسية حول المخدرات بالوسط المدرسي عن مؤشرات خطيرة وهي دراسة لمدينة تونس العاصمة . وتبين ان 50٪ من تلاميذ المدارس جرّبوا مادة مخدرة على الأقل يتزعون بين 61.1٪ من الذكور و40.9٪ من الإناث. وحسب دراسة خلية علوم الاجرام بمركز الدراسات القضائية فإن نسبة المتعاطين للمخدرات لدى المراهقين والشباب بلغت 57٪.

ويتم استهلاك الزطلة (القنب الهندي) بنسبة 92٪ ثم المواد المستنشقة بنسبة 23.3٪ ثم الكوكايين بـ16.7٪ والهروين بنسبة 16٪ والكلفرة اي اشتمام اللصدق والبنزين بنسبة 13.3٪.

أسباب تعاطي المخدّرات :

تبقى أهمّ العوامل هي توفّر المادة نفسها و بأسعار في المتناول و سهولة تداولها و هذا دور الرّقابة و المصالح الأمنية المختصّة سواء من الدّيوانة/الجمارك على الحدود أو الشّرطة و الأمن داخل البلاد ،و إنّ كان ذلك لا يُمكن أن يقضي على الظّاهرة نهائيا و لكنّه قادر على إضعافها على الأقل .

كما أن تقليد الآخرين خاصة عند المراهقين تعبر من العوامل المهمّة حيث ينجر التلميذ أو الطالب الى تجربة هذه المواد المخدّرة تحت إغراءات و إقتراحات الأصدقاء و الزملاء و ابناء الحي خاصة في الفضاءات الإجتماعية و الأحياء ذات الكثافة السكانية و المستوى الإقتصادي المتدنّي ،كما أن رغبة التحدّي عند المراهق و رغبته في الخروج عن السّائد و "إثبات الذّات" كذلك هي من الأشياء التي تدفع الشباب الى تعاطي المخدّرات .

و تبقى أهم العوامل هي الوضع الإقتصادي المتردّي و انتشار البطالة و ما ينتج عنها من تعفّنات إجتماعية كالجريمة و هي حلقات مترابطة جميعها تنتج وضعا يتميّز بالإنحراف و تفشي الظّواهر الإجتماعية السلبية خاصة في بيئة الأحياء الشعبية الفقيرة حيث الإنقطاع المبكر عن الدراسة والفقر والبطالة والتفكك الأسري والمشاكل العائلية و الإجتماعية.

التشريعات و القوانين حل أم مشكل ؟

بحسب عبد الجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات  فان السلطات التونسية مطالبة في هذا الظرف بتحمل مسؤولياتها و ايلاء الموضوع اهتمام أكثر حيث وجه نداءا للسلط المعنية بتكثيف حملات المداهمة الأمنية في المقاهي و أمام المدارس و المعاهد الثانوية و غيرا من الأماكن التي يرتادها الشباب بكثرة.

و في ذات السياق لاحظ الزحّاف في تصريحه موقع "افريكان مانجر" أنّ مقاومه الظاهرة تتطلب أيضا مراجعة التشريعات و تخفيف العقوبات على المستهلكين،و في المقابل طالب بتشديد العقوبات ضدّ المروجين. كما أكد الزحاف على ضرورة توفير العلاج المجاني للمدمنين لأنها الطريق الأمثل للحد من آثارها الجانبية على الفرد و المجتمع.

و يُذكر أنّ تونس تتوافّر على أرضية قانونية رادعة في مجال مكافحة تهريب واستهلاك المخدّرات، وعلى سبيل المثال "يُعاقب بالسجن مدّة "عام" مع غرامة مالية قدرها 700 دولار، كلّ من تُثبت التحاليل المخبرية استهلاكه للمخدّرات، ولو بصورة عرضية"، و حسب العقوبات المنصوص عليها في قانون 18 ماي 1992 فإنّ :
الفصل 4: - يعاقب بالسجن من عام إلى خمسة أعوام وبخطية من ألف إلى ثلاثة آلاف دينار كل من استهلك أو مسك لغاية الاستهلاك الشخصي نباتا أو مادة مخدرة في غير الأحوال المسموح بها قانونا والمحاولة موجبة للعقاب.
الفصل 5: - يعاقب بالسجن من ستة أعوام إلى عشرة أعوام وبخطية من خمسة آلاف دينار إلى عشرة آلاف دينار كل من قام بأعمال الزراعة أو الحصاد أو الإنتاج أو المسك أو الحيازة أو الملكية أو العرض أو النقل أو التوسط أو الشراء أو الإحالة أو التسليم أو التوزيع أو الاستخراج أو التصنيع للمواد المخدرة بنية الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونا. كما يعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من عشرين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من هرب أو ورد أو صدر مادة مخدرة بنية الترويج أو الاتجار فيها في غير الأحوال المسموح بها قانونا.
الفصل 6: - يعاقب بالسجن من عشرين عاما إلى مدى الحياة وبخطية من مائة ألف دينار إلى مليون دينار كل من كون أو أدار أو انخرط أو شارك في إحدى العصابات سواء كانت موجودة داخل البلاد أو خارجها لارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون داخل البلاد أو كان يعمل لحسابها أو يتعاون معها بأي طريقة غير قانونية ولو بدون مقابل.
الفصل 7: - يعاقب بالسجن من عشرة أعوام إلى عشرين عاما وبخطية من عشرين ألف دينار إلى مائة ألف دينار كل من خصص أو استعمل أو هيأ مكانا لاستغلاله في تعاطي أو ترويج المواد المخدرة أو خزنها أو إخفائها وذلك بصفة غير قانونية ولو بدون مقابل. 

و في حين يرى البعض ضرورة تشديد العقوبات أكثر للحدّ من إنتشار هذه الظّاهرة ،يذهب الكثير من الخبراء إلى القول بأنّ الواجب هي التّخفيف و الحدّ من هذه العقوبات نظرًا لمخلفاتها المستقبلية السيئة على الشباب خاصة فقد تعهدت المحاكم التونسية بـ 4328 قضية من أجل إستهلاك مادة مخدرة خلال الـ5 سنوات الأخيرة، كما تمت إدانة 7499 شخصا من أجل بيع مادة المخدرات في نفس الفترة ،فالجانب الرّدعي وحده و السّجن في نظرهم يزيد الوضع سوءا من خلال القضاء على مستقبل المستهلك بحيث يصعب جدّا دمجه في المجتمع بعد خروجه من السّجن إضافة الى خسارته لمستقبله الدّراسي و المهني مما يجعله مشروع منحرف خطير نظرا للتحول الحاد و الخطير الحاصل في حياته ،خاصة في حالات إستهلاك "الزّطلة" فهي مادة مستهلكة بكثرة في صفوف التلاميذ و الطّلبة ،مما يجعل حكم السّجن في حقّها مضرًّا بالمستقبل هذا القطاع الحيوي من المجتمع ،و يرون أنّه لا بديل من العمل على الجانب الدّعوي و النّفسي و الصّحي من أجل تخفيض نسبة استهلاك هذه المواد و ترفيع نسق الرّقابة الأمنية في الدّاخل و الرقابة الجمركيّة على الحدود ختّى تكون منظومة العلاج متماسكة و بأقل الأضرار على مستقبل الشباب من الجنسين في البلاد .