في الوقت الذي تواصل فيه قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر تقدمها نحو العاصمة الليبية طرابلس بهدف تحريرها من سلطة المليشيات المسلحة وانهاء الفوضى فيها وسط حديث عن قرب حسم المعارك الدائرة منذ أبريل الماضي، تتحرك حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج الداعمة للمليشيات في محاولة لعرقلة هذا التقدم بكل الطرق.
ويبدو أن حكومة الوفاق وفي ظل الخسائر التي منيت بها المليشيات الموالية لها، قررت التوجه نحو معاقبة المدن الموالية للجيش الليبي.ففي مشهد جديد لمخالفة القوانين والأعراف الدولية والإنسانية، هددت قوات الوفاق ممثلة في غرفة العمليات المشتركة بالمنطقة الغربية، بإمرة اللواء أسامة الجويلي باستهداف مطار بني وليد مما يؤكد مجددا إصرار المليشيات، على ضرب المدنيين وتهديد أمنهم.
وأصدرالجويلي أمرا بإيقاف حركة الطيران في مطار بني وليد بشكل كامل وفورا، محذرا أهالي بني وليد من مخالفة قراره، متوعدا المخالفين بإجراءات مضادة في حال خرق الطائرات لهذا الحظر، دون أن يوضح ما إذا كان مطار المدينة قد استخدم لأغراض عسكرية ضد قوات حكومة الوفاق في طرابلس.
وفي تعليقه على تهديدات الجويلي، قال رئيس المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة عقيلة الجمل في تصريح "لبوابة إفريقيا الإخبارية" مساء أمس، انه خلال اجتماع المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة منذ شهر ابريل الماضي تم الاتفاق مع كل أعضاء المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة أن يعمل المطار لتقديم المساعدة في الحالات الإنسانية وإيصال الأدوية ونقل السيولة النقدية إلي بني وليد فقط ولَم يستعمل في الشؤون العسكرية والكل يعرف الطائرات التي تهبط في المطار هل هي مدنية أو عسكرية.
وأضاف الجمل انه تم الاتفاق على أن يستعمل في نقل الجرحى من القوات المسلحة الليبية من بني وليد إلي مطار بنينا فقط.وأبدى استغرابه من البيان الصادر بالأمس حول التهديد المباشر من غرفة عمليات المنطقة الغربية وان هذا التهديد مردود عليه ولا يساوي الحبر الذي كتب به.مضيفا أن التصريحات غير المسؤولة من الجويلي وغيره لن تثني بني وليد عن الاستمرار في المساهمة في العمل الإنساني.
وبدوره وجّه مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة رسالة عاجلة تحمل ختم وتوقيع رئيسه عارف النايض إلى المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة عقب التهديد الذي أطلقه أسامة الجويلي.وأكد النايض الذي ينحدر من قبيلة ورفلة في رسالته الرفض القاطع لاستهداف مطار بن وليد، لافتا إلى أن المطار مرفق مدني يستخدم لأغراض إنسانية عقب العقوبات الجماعية التي تفرضها حكومة الوفاق على أهالي المدينة، ومدينة ترهونة وغيرها.
ولفت إلى أن "هذا التهديد يأتي بعد التقتيل والتنكيل اللذين مارستهما المجموعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق بحق الجرحى وحتى سيارات الإسعاف إضافة إلى سياسات الحصار المتعمد، معتبرا أن بيان الجويلي امتداد للقرار رقم 7 بحق مدينة بني وليد".وأكد النايض أن المجمع حريص على مساندة عمليات الإمداد الإنساني.
وتابع "من تجرأ على بنى وليد ومطارها عواقب تهديده ستكون وخيمة عليه هو وعصاباته، ولن يقبلها أيّ ليبي حر، حتى من أهله وذويه من قبائل (الزنتان) والذين تربطهم بقبائل (ورفلة) وشائج تاريخية لا يستطيع لاهو ولا غيره المساس بها خدمة لأغراضهم الأيديولجية والمادية والمناطقية الضيقة (المباشرة وغير مباشرة)، وأن أي محاولة لضرب مطار (بني وليد) سيكون لها توابع لن يستطيع لاهو ولا غيره تقدير أبعادها".
ويعتبر متابعون للشأن الليبي أن تهديدات الجويلي دليل جديد على الممارسات غير الأخلاقية والتوجهات العدائية والإرهابية للمليشيات الموالية لحكومة الوفاق.حيث تنص القوانين الدولية على أن استهداف المطارات المدنية وتعريض المسافرين إلى الخطر تعتبر جريمة حرب يعاقب عليها القانون.
وتلتزم مدينة بني وليد الحياد منذ إطلاق الجيش الوطني الليبي لعملية تطهير العاصمة من الميليشيات المسلحة في 4 أبريل/نيسان الماضي، رغم إعلان بعض الكتائب داخلها دعمها للعملية العسكرية، لكن القرار الفعلي في هذه المدينة يعود للمجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة الذي لم يصدر عنه أي موقف.
فعقب أيام من إطلاق معركة تحرير طرابلس أعلنت مجموعة من الكتائب دعمها للجيش من بينها كتيبة حماية مطار مدينة بني وليد وكتيبة 52 مشاة وقوة الردع وعقب ذلك بأيام أعلن منتسبو مديرية أمن بني وليد والبالغ عددهم 700 فرد تبعيتهم لوزارة الداخلية بالحكومة المؤقتة في شرق البلاد.
وأرجع هؤلاء هذه الخطوة إلى "إيمانهم بواجبهم الوطني واقتناعهم بما تقوم به القوات المسلحة من تضحيات تجاه الوطن والمواطن ضد العصابات الإجرامية والإرهابية الممولة من قبل الدول الراعية للإرهاب".وأكد منتسبو مديرية بني وليد على انصياعهم التام وجاهزيتهم لتنفيذ تعليمات وزير الداخلية بالحكومة المؤقتة المستشار إبراهيم بوشناف".
وتحظى العملية العسكرية التي أطلقها الجيش لتحرير العاصمة بدعم غالبية القبائل الليبية وفي مقدمتها قبيلة ترهونة أكبر قبيلة في ليبيا، حيث تقول بعض المصادر إن تعداد سكانها يتجاوز المليون نسمة من أصل 6 ملايين نسمة عدد سكان ليبيا، وهي تقود باللواء التاسع التابع لها المعركة. وهدد الإسلاميون مرارا ترهونة بالاجتياح في محاولة لرفع دعمها عن العملية العسكرية للجيش.
التهديد باستهداف المدن الليبية ليس بجديد على المليشيات الموالية لحكومة الوفاق، حيث سبق أن توعدت قيادات هذه المليشيات بعمليات انتقامية، على غرار القيادي السابق في الجماعة الليبية المقاتلة، سامي الساعدي، الذي توعد في وقت سابق مؤيدي الجيش في العاصمة طرابلس، بالتهجير والطرد من المدينة.
وعلى صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أطلق الساعدي الذي يقيم في تركيا منذ سنوات، حملة ممنهجة ضد الجيش الليبي، كما هاجم أهالي العاصمة طرابلس الداعمين لعملية الجيش الليبي التي تستهدف تحرير طرابلس من سطوة الميليشيات المسلحة والجماعات المتطرفة، وأعلن مساندته التامة لقوات حكومة الوفاق.
وتكشفت العمليات الانتقامية التي تمارسها المليشيات بوضوح عقب سيطرة حكومة الوفاق على مدينة غريان التي شهدت عمليات انتقامية استهدفت قتل كل من هو عسكري ودهس عدد منهم بالسيارات، فيما شملت عمليات الاعتقال والتعذيب المواطنين الداعمين للقوات المسلحة الليبية، حيثُ جرى حرق منازل مواطنين داعمين للجيش الليبي.وداهمت عناصر ميليشياوية مستشفى غريان العام بعد السيطرة على المدينة وانسحاب قوات الجيش منها، وأقدمت على تصفية الجرحى والتنكيل بالجثث عبر ضربها بالأحذية وإلقائها في حاويات القمامة.
جرائم المليشيات في غريان لقيت تنديدا من المنظمة الليبية لحقوق الإنسان، التي أعربت عن استنكارها الشديد لما وصفته بالانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، بتصفية الجرحى الذين يتلقون العلاج بمستشفي غريان المركزي.وأوضحت المنظمة، في بيان أصدرته أنهذه الجريمة من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مخالفة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 م بشأن حماية المدنيين والجرحى.
وليست هذه المرة الأولى التي تقوم فيها المليشيات التابعة لأسامة الجويلي بعمليات انتامية، فالرجل الذي تحيط به الشبهات منذ سنوات توجه له اتهامات أخرى بإرتكاب إنتهاكات في ورشفانة وأخرى في حروب خاضتها قواته في بلدات الشقيقة ومزدة إضافة لتبعية القوات التي إرتكبت فظاعات القرار 7 في بن وليد له إبان توليه حقيبة الدفاع.
واستهدفت المليشيات بواسطة الطائرات المسيرة والصواريخ المدفعية منذ إطلاق القوات المسلحة عملية تحرير طرابلس أهدافًا مدنية، مما أدى إلى مقتل وإصابة العديد من المواطنين.حيث قامت طائرة تابعة للكلية الجوية مصراتة، منذ أيام بقصف صهريج للوقود وعدد من السيارات المدنية بالقرب من محطة وقود سيدي السايح جنوب طرابلس.ووقع الهجوم، عندما كان مواطنون يصطفون بسياراتهم لملئها بالبنزين، في لحظة وصول صهريج محمل بهذه المادة.
وفي أواخر مايو الماضي، استهدف طيران المليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق، بضربات جوية منازل المدنيين في قصر بن غشير.وأظهرت صور متداولة على الانترنت تعرض عدد من المنازل للقصف الجوي في "حي الملجأ" في قصر بن غشير.وفي أبريل الماضي، استهدف قصف صاروخي عنيف في ساعة متأخرة من المساء حيي ابو سليم والانتصار السكنيين في جنوب العاصمة، ما أسفر عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين بين قتيل وجريح.
وفي ظل الأوضاع الراهنة لا يزال المدنيون في ليبيا يدفعون الثمن، في جو من عدم الاستقرار، والانقسام السياسي، والانهيار الاقتصادي.ويعيش الكثيرون في ظروف غير آمنة، وبيئات معادية شديدة الخطورة، خاصة في ظل العمليات الانتقامية التي تمارسها المليشيات المسلحة تجاه المناطق المؤيدة للجيش الوطني الليبي.
ويرى مراقبون، إن حكومة الوفاق رهينة للميليشيات والتنظيمات الارهابية التي تتلقى الدعم التركي في محاولة لعرقلة تحرير العاصمة طرابلس.ويؤكد هؤلاء أن الخناق بدأ يضيق على هذه الجماعات المسلحة في محيط العاصمة الليبية خاصة بعد نجاح الجيش الليبي في التقدم على جميع المحاور والجبهات، وتزايد الخسائر في صفوف المليشيات، وهو ما يؤكد اقتراب الحسم في معركة الدفاع عن سيادة الدولة واستقرار البلاد وأمن المواطن.