بعد ثماني سنوات تقريبا من الإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي لا شيء تغيّر في وضع المرأة الليبية، بعد أن رفع سقف الآمال بأن تلعب دورا رائدًا في المرحلة الجديدة وسط سيل من وعود السياسيين الذين أبدوا استعدادهم لإقامة دولة في ليبيا تحترم حقوق الإنسان، وعلقت النساء آمالاً كبيرة على تلك الوعود، وكن على أهبة الاستعداد للمشاركة في الحياة العامة والارتقاء بمجتمعهن، إلّا أن هذا السقف العالي من الطموحات كان مجرّد أحلام وردية بعد أن أمست حياة الكثير منهن وأساسا الناشطات في الحقل السياسي والمدني في خطر ومنهن من فقدن حياتهن جراء ذلك.

تغييب من المشاركة السياسية


أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" تقريرا بعنوان "ثورة للجميع: حقوق المرأة في ليبيا الجديدة" في آيار/مايو 2013، ورصد التقرير شهادات حية لحقوقيات ليبيات أكدن دعمهن أحزاب بعينها خلال الانتخابات البرلمانية الليبية في 2012 بعد تبنيها شعارات تنادي بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، لكن بمجرد انتهاء الحملات الانتخابية وقع التخلي مباشرة عن خدماتهن وأقصين من الحياة السياسية. وحذرت المنظمة الحقوقية الدولية في مناسبات مختلفة من "تقهقر دور المرأة الليبية واختفائها من المشهد السياسي الليبي تماما بعد الانتخابات البرلمانية في حال لم يكن لها حضور بارز في اللجنة المكلفة بصياغة أول دستور لليبيا بعد أحداث 2011.

الناشطة الليبية والمحامية نيفين الباح تتهم الإسلاميين بالسطو على الحريات والحقوق التي كانت تتمتع بها المرأة الليبية قبل سقوط القذافي، وتقول إنها أجبرت على اللجوء إلى مصر بعد أن هددتها جماعات إسلامية متشددة بالتصفية الجسدية بسبب مواقفها الداعمة لحقوق المرأة وانتقادها سياسة الإسلاميين.

تقول الباح لموقع "راديو سوا" إن "الوضع الحالي للمرأة الليبية صار أسوأ  من فترة حكم القذافي، فهي كانت ورقة رابحة في يد الإسلاميين قبل انتخابات المؤتمر الليبي العام الذي رفع أعضاؤه حينها شعارات رنانة تثني على المشاركة الفاعلة للمرأة الليبية وتعدها بحريات وضمانات دستورية أكثر وتمثيل برلماني أكبر، لكنها لم تجن سوى الوعود".

في نفس السياق،عبّرت شهرزاد كبلان مستشارة التعليم الدولي عن أسفها لما آل إليه الوضع في بلادها قائلة أن تسلل الإخوان المسلمين إلى المشهد الليبي سببا رئيسيا في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في ليبيا. وشدّدت كبلان في تصريحات لجريدة العرب على أن المجتمع الدولي كان له دور كبير في ترسيخ استبعاد المرأة من العملية السياسية في ليبيا لأنه وفق تعبيرها لم يصر على تواجد النساء في محادثات السلام بالرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1325 حول المرأة والأمن والسلام، الذي تم تبنيه في عام 2000. وأوضحت كل المحادثات التي كانت عالية المستوى تم استبعاد النساء منها بشكل مقصود، مثل تلك التي كانت تعقد في الصخيرات، أما المحادثات المنفصلة والمخصصة للنساء فقد كانت تعد في تونس وقد دعيت لها إلا أنني رفضت الانضمام لها لأنها محادثات غير مجدية من وجهة نظري.

استهداف متواصل


في السنوات الماضية، تعرّضت كثيرات من الليبيات المدافعات عن حقوق الإنسان إلى اعتداءات عنيفة، بشكل متكرر، واستُهدفن بعمليات عنف واعتداء على أساس نوع الجنس، تضمنت حالات اختطاف وعنف جنسي وتشهير على وسائل التواصل الاجتماعي... ولكن أيضاً للقتل.

في 25 يونيو، طالبت منظمة العفو الدولية السلطات الليبية بالقيام بالمزيد لتوفير الحماية للمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والتحقيق في الاعتداءات العنيفة المتكررة التي يتعرضن لها. وتأتي هذه الدعوة في الذكرى الرابعة لمقتل سلوى بوقعيقيص، المحامية والناشطة الليبية في مجال حقوق الإنسان.

وقُتلت بوقعيقيص بالرصاص في منزلها في مدينة بنغازي في 25 يونيو 2014. وبرأي منظمة العفو الدولية، "أدى اغتيالها إلى تدهور سريع في الوضع الأمني للمدافعات عن حقوق الإنسان وهو ما يزال مستمراً حتى الآن".

واعتبرت مديرة المكتب الإقليمي لبرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة هبة مرايف أن اغتيال بوقعيقيص كان نقطة تحول سلبية بالنسبة للمرأة في ليبيا، وعائقاً أمام سعيها للمشاركة في الحياة العامة والسياسية في أعقاب الثورة. ولا يزال قتلة بوقعيقيص، وقيل إنهم رجال ملثمون مجهولون يرتدون الزي العسكري، غير معروفي الهوية. وفي يوم اغتيالها، كانت سلوى قد أدلت بصوتها في الانتخابات التشريعية الليبية. وفي ذلك اليوم أيضاً، اختُطف زوجها عصام الغرياني، ولا يزال مكان وجوده غير معروف.

وتقول مرايف: "تدهور الوضع الأمني العام لليبيين بعد 2014، لكن النساء بوجه خاص تضررن منه بصورة أشد". وبرأيها، فإن انعدام المساءلة عن عمليات الاغتيال وانتشار ظاهرة الإفلات من العقاب أديا إلى زيادة "العنف المرتكب ضد النساء اللواتي يتجرأن على التصريح بآرائهن"، وهذا "ما تسبب في انسحاب بعض النساء من المشاركة في المجتمع المدني الليبي، وإجبار الأخريات على الفرار من البلاد".

وقُتلت العضوة السابقة في المؤتمر العام عن مدينة درنة، فريحة البرقاوي، في 17 يوليو 2014، وقُتلت الناشطة الحقوقية انتصار الحصائري في فبراير 2015. وفي كل حالة، أكدت السلطات الليبية أن عمليات القتل لم تكن بدوافع سياسية، وتقاعست عن إجراء تحقيقات بصورة سليمة وشفافة، بحسب المنظمة.

وقالت ليلى مغربي، وهي إحدى المدافعات عن حقوق الإنسان وأجبرت على الفرار من ليبيا بعد تعرضها لتهديدات واعتداءات، لمنظمة العفو الدولية: "بالنسبة إلى كل العمليات التي اغتيلت فيها النساء، أرجعت السلطات والمجتمع السبب إلى السرقة في قضية سلوى، وإلى قضية الإرث في حالة انتصار، والقتل بدعوى الشرف في حالة نصيب".