يسلّط هذا المقال الضوء على التعليم الإسلامي العربي للمرأة في إفريقيا قديماً ومحاولة ربطه بالتعليم العربي الحكومي الحديث، ويقدّم الباحث «نيجيريا» نموذجاً في هذا المقال؛ لأن دور حكومات نيجيريا في التعليم العربي نموذج لكثير من دول غربي إفريقيا.

أوليات دخول المرأة في التعليم العربي الإسلامي:

هل كان هنالك تعليم عربي للمرأة في مناطق غربي إفريقيا قديماً؟ نعم ودون شك، فقد تمتعت المرأة في منطقة بلاد الهوسا[1] بتعلّم الإسلام واللغة العربية، وذلك منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريباً[2]، وهناك دلائل تشير إلى وجود هذا النظام التعليمي للمرأة قبل زمن الشيخ عثمان بن فوديو، يدلّ على ذلك وجود تاريخ لعالمات عشن في القرن السادس عشر[3] وقبله، منهن السيدة أم هانئ ، وقد كانت عالمة داعية آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر[4].كما ثبت في تاريخ علماء بلدان المنطقة وجود مؤلفات يرجع تاريخ تأليفها إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، مثل مؤلفات العالم محمد بن عبد الكريم المغيلي (867هـ / 1463م)[5] وغيره، ويتوقع أن هؤلاء العلماء كانو يقومون بتعليم النساء أمور دينهن ووعظهن.

مرحلة تطور التعليم الإسلامي العربي للمرأة في غرب إفريقيا:

 بدأت هذه المرحلة في القرن السابع عشر الميلادي، وازدهرت على أيدي حملة راية حركة الجهاد في المنطقة، أمثال ألفا محمد كعت، والحركة العلمية في تمبكتو و جني  وفي ماسِنا، و أغدس عند العالم جبريل بن عمر، وعند علماء باغَرْمِي، و أدَماوا، و كُلُمْفَردُ، و كانم و بَرنُو، وعند علماء يَندُوْتُوْ، غُوْبِرْ، وغيرها.ثم بلغت مرحلة التطور ذروتها في حركة الشيخ عثمان بن فوديو؛ فقد برز عدد من العالمات، منهن: العالمة مريم، والسيدة خديجة، والسيدة أسماء، بنات الشيخ عثمان بن فوديو. ويدل على هذا التطور في تعليم المرأة وجود منظومة شعرية باللغة العربية تُنسب إلى السيدة الرقية بنت محمد سعد[6]، ومن أبيات القصيدة ما يأتي:

الكريـم يـقبل تائـباً أتـاه  ***  لا يخاف بخساً كـل من رجـاه[7]

وبالنظرة الدقيقية للأبيات – وهي تبلغ أكثر من ثلاثين بيتاً –  يدرك المرء أنه كان للمرأة نظام  تتعلم وتعلّم فيه، وأنها قد بلغت مستوى رفيعاً في الثقافة العربية الإسلامية، وتؤكد البحوث وجود عالمات عشن في تلك الحقبة، وكان لهنّ نشاط دعوي، كتدريس القرآن، وغيره من العلوم العربية الإسلامية.ومن الدلائل القصيدة التي نظمتها أسماء بنت الشيخ عثمان بن فوديو بالفلانية، وذكرت فيها أسماء العالمات من الصحابيات والتابعيات، وعالمات عشن في بلاد السودان وبلاد الهوسا قبل زمن حياة الشيخ عثمان بن فوديو وبعده، وعرّب القصيدة حفيدها الشيخ جنيد، من أبياتها:

نتبع عابدات عصر شيخنا   ***  القانتات التابعـات السّـننا

الصالحات الحافظات غيبـاً  ***  الزاهدات الطـاهرات قلبـا

منهن أذكر يا أخـي، حبيبة  ***  صالحة الأحوال ذات الهيبة

عالمــة تعلّـم النســاء        ***     أمـور دينهـنّ لا مــراء

ثم تلي عائشــة الوليـّة      ***     صـالحـة محسـنة للنيـّة

وجُـوْطَ كاوُرِي التي تعلّـمُ  ***  للنساء قرءاناً بها اغتنمـوا[8]    

 

وقد تتلمذ بعض علماء المنطقة على أيدي بعض العالمات، كما ذكروا ذلك في كتاباتهم، منهم الشيخ عبد الله بن فوديو شقيق الشيخ عثمان بن فوديو، حيث قال إنهما تتلمذا عند جدته نانا رقية، وأمّه السيدة حواء، وهذا في كتابه (إيداع النسوخ فيمن أخذت منه من الشيوخ)، وهو دليل آخر على تطوّر تعليم المرأة آنذاك وما بلغته من منزلة في العلم.

 تطور تعليم المرأة في خلافة ابن فوديو وتنظيمه:

قد شهد تعليم المرأة اللغة العربية والتعاليم الإسلامية وتعلّمها ازدهاراً وتنظيماً في زمن حركة جهاد الإصلاح التي قادها الشيخ عثمان بن فوديو وجماعته ببلاد الهوسا، والمناطق المجاورة، مثل مناطق في الجنوب الغربي لجمهورية النيجر، والبلدان الواقعة في شرق جمهورية بنين، ومنطقة غرب جمهورية الكاميرون، وذلك أن الشيخ نظّم تعليمه ووعظه وإرشاده للمرأة، فخصص للنساء أوقاتاً وأمكنة لذلك؛ فظن بعض العلماء والناس أن الشيخ يترك الرجال والنساء يختلطون في مكان وعظه، حتى كتب العالم مصطفى غُوْنِـي Gwani الأبيات الآتية إلى الشيخ يقول:

أيا ابن فوديو قُمْ وأنذر أولي الجهل  ***  لعلهـم يفقهـون الديـن والدونـا

فامنـع زيـارة نسـوان لوعظـك إذ   ***  خلـط الرجـال بنسـوان كفى شينا[9]

فأمر الشيخ عثمان شقيقه الشيخ عبد الله بأن يجيب هذا الشيخ، فرد عليه بالأبيات الآتية:

يا أيهذا الذي قـد جـاء يرشـدنا     ***  سـمعاً لما قلت فاسمع أنت ما قلنا

نصـحت جهـدك لكن ليـت تعذرنا ***  وقلت: سـبحان! هذا كان بهـتانـا!

إنّ الشـياطين إنْ جاؤوا لمجلسـنا  ***  هـم يبثـون سـوء القول طغيانـا

لسـنا نخالط بالنسوان كيـف! وذا  ***  كنـا نحـذّر لكن قلـت : ســلمنا

إنْ كـان ذاك، ولكـن لا أسـلم أن  ***  يُتركن بالجهل هملاً [10] كان إحسـانا

إذ ارتكـاب أخـف الضّر قد خُتمـا ***  يكفّر الجهـل إنْ ذا كان عصـيانا[11]

فهذه الأبيات دلّت على اهتمام كلٍّ من الشعب والعلماء بأمر تعليم المرأة، ثم قد كانت المرأة - لاشتياقها إلى التعلّم – تأتي إلى استماع الشيخ وتعليمه، فيبين لهن (الجماعة) أن الاختلاط ممنوع شرعاً[12]، ثم – كما ذكرنا – خصّص الشيخ لهنّ المكان والزمان في كلّ بلد وصل إليه لأمر الدعوة.وبعد أن تخرجت عالمات تتلمذن على أيدي الشيخ وجماعته؛ تولّت المرأة تدريس النساء في نظام مزدهر، وهو الذي عُرف في تاريخ خلافة سوكوتو (Sokoto) الإسلامية باسم «جماعة يَنْتَارُو» ('yan taru)، وتم ذلك بتأسيس مدرسة الشيخة أسماء بنت عثمان بن فوديو سنة 1840م[13]، وبعدها تولّت التدريس فيه الشيخة مريم في بيت زوجها، حيث تأتيها الدارسات من جيرانها حتى من القرى، في جمع تقوده عجوز هرمة، يتعلمن القرآن والتوحيد والفقه والحديث واللغة العربية، ثم ترجع هؤلاء النسوة إلى أهليهن ويبثثن ما تعلّمنه، ويحاربن به البدع والشعوذة[14].ومن الدور الذي لعبته المرأة في دفع عجلة الدراسات العربية الإسلامية إضافتها الكثير من الإنتاجات الأدبية المنظومة، والتآليف المنثورة في اللغة العربية، كما نجده عند السيدة رقية الفلانية، والسيدة أسماء بنت عثمان بن فوديو، التي نظمت أشعاراً عربية في مختلف الأغراض كالرثاء، والمراسلة، والمدح، والثناء على الله[15].وكذلك مريم ابنة الشيخ عثمان بن فوديو، برسائلها العربية التي تدل على رسمية اللغة العربية في ذلك الزمن، كالرسالة التي كتبتها إلى أمير كنو عثمان[16] بن دَابُوْ، لمّا أرسل إليها يسألها عن أناس ينتقلون من بلاد الهوسا نحو الشرق بزعم قرب ظهور المهدي، فأجابته ببطلان هذا الزعم الذي يرونه هجرة، كما أنها ترجمت ونظمت (مختصر خليل) - في الفقه - إلى اللغة الفلانية.

أوليات التعليم العربي الحكومي الحديث ببلاد إفريقيا:

 

يرجع تاريخ بدء التعليم العربي الإسلامي الحكومي الحديث ببلاد إفريقيا الغربية في شمال نيجيريا إلى سنة 1910م، وذلك بتأسيس أول مدرسة أنشأها الإنجليز لتأهيل المدرسين ومن يساعدونهم من الوطنيين، بعد أن أخفقت محاولاتهم في فتح مدارس التنصير بالمنطقة، حيث رفض الشعب تسجيل أطفالهم في هذه المدارس التنصيرية، فبعثت الحكومة الاستعمارية مِسـت هَنْس بِـيشَر[17] (Hanns Vischer) إلى البلدان الإسلامية التي تحت الاستعمار البريطاني ليرى طبيعة التعليم هناك، فزار مصر والسودان، وجال في الكتاتيب والمدارس الإسلامية الابتدائية والثانوية ومعاهد تدريب المدرسين، وهذا في فبراير 1909م، وبعد عودته فُتحت هذه المدرسة في كنو[18] للمرحلة الابتدائية والمتوسطة[19].

ثم جاء تأسيس المدرسة على هذه الكيفية ملبياً رغبة المسلمين نسبياً؛ حيث اصطبغت المدرسة بالصبغة العربية الإسلامية التي هي ثقافة الشعب، وكان أمراء المسلمين قد أشاروا إلى المستعمرين بلزوم إدراج المواد العربية والإسلامية في التدريس، فأدخلوا هذه المواد، وكانت المواد الدينية تُدرس بلغة الهوسا، وتدرس مبادئ اللغة العربية، ولا تتجاوز هذه المواد تحفيظ بعض السور القرآنية وقراءة بعض الكتيبات وترجمتها إلى اللغات المحلية (الهوسا والفلانية)، ولما نجحت تجربة تأسيس مدرسة كنو، فُتحت مثلها في كلٍّ من وسكوتو وكتسينا[20].

مما سبق؛ يظهر لنا أن تدريس اللغة العربية والمواد الإسلامية بالنظام الحكومي الحديث لم يكن – في هذه المرحلة – على مستوى رفيع، ومع أن المستعمرين أدركوا أهمية هاتين المادتين فإنهم أهملوا تدريسهما فيما بعد، وظل الأمر في مثل هذه المدارس الابتدائية والمتوسطة Primary and Middle School بهذه الحالة إلى زمن محاولات المدرسين رفع مستوى تدريس مادتي اللغة العربية والدين الإسلامي في المدارس الحكومية، حيث عقدوا مؤتمر كنو لإعادة النظر في وضع منهج اللغة العربية والدين، وذلك في يناير سنة 1938م[21]، فتحسّن الأمر نوعاً ما.

تأسيس أول مدرسة عربية حكومية:

وهي «المدرسة الشرعية الكبرى» في كنو Northern Province Law School، والتي أسهمت بدرجة كبيرة في تطور تعليم اللغة العربية، والدراسة الإسلامية، والمحافظة على قيمتهما ومكانتهما، وعلى شرف دارسيهما في نيجيريا.وكان التأسيس في زمن أمير كنو الحاج عبد الله بَايَرُوْ، بعد عودته من الحج سنة 1934م[22]، فرجع بفكرة إنشاء مدرسة على غرار ما شاهده في الديار المقدسة وفي السودان، وفُتحت المدرسة في السنة نفسها لتخريج القضاة، وكان من أساتذتها ثلاثة من القضاة السودانيين[23].وفي سنة 1947م عدّل في منهج المدرسة، وأدخلت فيه الرياضيات، وتدريب المعلمين في مواد اللغة العربية، إضافة إلى تخريج القضاة، وغيّر اسم المدرسة إلى «مدرسة العلوم العربية»، وكان التدريس فيها باللغة العربية، والالتحاق بها يكون لمن تخرج في الإعدادية[24].وأما ما يتعلق بتعليم الفتيات؛ فلم تتجاوز دراستهن المستقلة في اللغة العربية والدراسة الإسلامية المرحلة الابتدائية، وأكثر المدارس العربية كانت أهلية، وإذا تخرجت في الابتدائية وأرادت المواصلة لم يكن لها خيار إلا أن تواصل في المدرسة الثانوية الإنجليزية للبنات، أو في مدرسة إعداد المدرّسات.

الدراسة العربية الإنجليزية الثانوية الحكومية للبنات:

كما أشير سابقًا أن الفتاة بعد التخرج من المرحلة الابتدائية العربية الإسلامية، لم تكن لها مدرسة ثانوية تواصل فيها الدراسة العربية الإسلامية، والبرنامج الذي اجتازته كان يركز في  المواد الدراسية المهمة، وهي مواد اللغة العربية، من قراءة، وكتابة وإملاء، وإنشاء، ونحو، ومطالعة، إضافة إلى المواد الإسلامية، وتُجرى الدراسة بالعربية الخليطة باللغات المحلية، وإذا رغبت الطالبة في مواصلة الدراسة فعليها أن تلتحق بالمدرسة الثانوية الإنجليزية للبنات.والسؤال هنا: هل توجد في هذه الثانوية الدراسة العربية؟ وهل تستطيع المتخرجة في ابتدائية عربية مواكبة الدراسة في مثل هذه المدارس؟ وما هي طبيعة الدراسة العربية الإسلامية فيها؟للإجابة عن الأسئلة السابقة نقول: أولاً أُسست أول مدرسة ثانوية خاصة للبنات في كنو سنة 1947م[25]، وهي مدرسة حكومية إنجليزية إعدادية للمدرسات، وسمّيت «كلية إعداد المدرسات» (Women Teachers College, Kano)، والدراسة في المدرسة غالبيتها إنجليزية، لكن يوجد فيها مادة اللغة العربية والدين الإسلامي.

 

وكان عدد حصص اللغة العربية وحصص الدين كلها ست ساعات في الأسبوع في المرحلة الإعدادية، ثم تكون سبع حصص في السنة النهائية[26] للثانوية.والدراسة عبارة عن قراءة في كتيبات عربية وشرحها باللغة المحلية، ثم تدريب الطالبات على الإملاء والنقل لما في الكتاب المقرر في مادة العربية، وأما حصة الدراسات الإسلامية فتتمثل في تلقين المدرس الطالبات بعض السور من القرآن، تكررها الطالبات، ثم يُكلفن بحفظ بعضها، وتعليم مبادئ العبادات والأخلاق.

وأما باقي المواد فهي تُدرس باللغة الإنجليزية، وهذا يعني أن الطالبة التي تخرّجت في المدارس العربية الإسلامية تغيّر تخصصها إلى الدراسة الإنجليزية في المرحلة الثانوية، وهذه الطالبة تستطيع مسايرة كل المواد المدروسة بالإنجليزية في مستوى زميلاتها اللاتي تخرجن في الابتدائية الإنجليزية، وقد تتفوق عليهن أو على بعضهن.ثم هذا التغيير للتخصص قد تعدّله – نوعاً ما – في المرحلة التي بعد الثانوية بالمعاهد أو الجامعة؛ حيث تستطيع الالتحاق ببرنامج الدبلوم أو الليسانس في الدراسات الإسلامية واللغة العربية؛ شريطة أن تنجح بتقدير جيد في هاتين المادتين مع بقية المواد في العبادات في الامتحان النهائي للحصول على الشهادة الثانوية.

تطور التعليم العربي الحكومي للمرأة في كنو:

أهداف التعليم العربي الإسلامي:

يمكن تلخيص أهداف تأسيس المدارس العربية الإسلامية الحكومية الثانوية الخاصة للبنات فيما يأتي:

1 - تزويد الفتاة بالتعليم الديني والتربية وتعريفها مسؤوليتها، وخصوصاً بعد أن تصبح أمًّا.

2 - إيجاد كادر نسوي يعمل في الحقل التربوي والتخصصات الأخرى المناسبة.

3 - إعداد المرأة لمواصلة الدراسات العليا.

4 - إيجاد قارئة حافظة لكتاب الله ومدرّسة له[27].

5 - تثقيف الفتاة في التدبير المنزلي والتدريب المهني المناسب لها.

رأينا فيما سبق كيف كانت الدراسة العربية والإسلامية الثانوية في أول أمرها، وأن التعليم العربي للمرأة في هذه المرحلة لم يجد اهتماماً كبيراً في المدارس الحكومية، وقد أُنشئت مدارس ابتدائية عربية إسلايمة أهلية كثيرة، تعد بالعشرات إن لم تكن بالمئات في كنو ويتخرج فيها الطالبات، ويرفض أولياء أمورهن أن يلتحقن بالمدارس الإنجليزية حفاظاً على دينهن؛ فجعل الآباء وأولياء الأمور والغيورون يرفعون الشكوى والمطالبة بفتح مدرسة عربية للبنات.وقد أدركت الحكومة حاجتها إلى مدرّسات للغة العربية والتربية الإسلامية خصوصاً في مدارس البنات، لذا أنشأت ولاية كنو في سنة 1977م[28] أول مدرسة عربية ثانوية خاصة للبنات باسم «كلية إعداد مدرّسات العربية»  Women Arabic Teachers' College Sharada Kano، بِحَيِّ شَرَطَ مدينة كَنُوْ، تحت إشراف وزارة التربية والتعليم بكنو، وكانت هذه المدرسة الأولى من نوعها، ليس في كنو أو في بلاد الهوسا أو في نيجيريا فحسب، بل في دول غربي إفريقيا عامة.ثم فُتحت أبواب فصول الدراسة في مقر المدرسة بالحي الجنوبي لمدينة كنو في السنة المذكورة سابقاً، ويضم المبنى بعد فصول الدراسة مبنى الإدارة، ومبنى وحدات إسكان الطالبات، والمطعم، ومرافق أخرى تحتاج إليها المدرسة، وقد وصل عدد الطالبات سنة 1980م إلى مائة وسبعين طالبة[29]، ثم نُقلت المدرسة إلى مبنى أوسع في داخل سور المدينة بالجهة الغربية قريباً من تل غُوْرُوْنْ دُوطي (Goron Dutse Hill)، وسُميت «كلية مدرسات العربية».

وكانت هذه المدرسة نموذجاً طيباً، وفاتحة خير لإنشاء مدارس أخرى عربية إسلامية في الولاية نفسها، وذلك لإقبال الآباء وأولياء أمور الطالبات من سكان هذه الولاية، ومن باقي الولايات القريبة والبعيدة في نيجيريا، ومسارعتهم لإلحاق بناتهم بهذه المدرسة.وبإنشاء هذه المدرسة فُتحت صفحة جديدة لتطور مستمر في تاريخ التعليم العربي الإسلامي الحكومي الخاص بالمرأة في بلاد الهوسا عامة ومدينة كنو خاصة؛ إذ وجدت الدارسة جواً دراسياً عربياً إسلامي الصبغة.وتُقبَل في هذه المدرسة الطالبة المتخرجة في الابتدائية الإسلامية، أو الكتّاب، أو في ابتدائية حكومية، بعد اجتياز امتحان القبول في الثانوية، والذي تعدّه وزارة التربية والتعليم التابعة للولاية بعناية، ويتم إسكان الطالبات بوحدات إسكان خاصة بهن، ويجدن الرعاية الصحية، والتوجيه والإرشاد، وتُلزم الطالبة بلبس زي المدرسة (الحجاب).

المنهج الصَّفي (المواد المقررة) حسب المرحلة والتخصص:

المنهج الصَّفي للمدارس العربية الثانوية[30] (المقررات الدراسية) الخاصة بالبنات متنوع حسب الأقسام الموجودة بالمدرسة، فلكلّ قسم مقررات منهجية خاصة به تناسب الأهداف التي من أجلها أنشئ القسم، ويوجد ثلاثة أنواع من المناهج حسب التخصص.

1 - منهج مدارس الدراسات الإسلامية العالية للبنات.

2 - منهج مدارس التحفيظ للبنات.

3 - منهج مدارس تجويد القرآن للبنات.

وسوف نعرض الأول والثاني؛ إذ لم تتوفر لنا معلومات كافية عن مقررات قسم التجويد.

منهج الدراسات الإسلامية العالية يشمل الآتي:

مقررات المرحلة الإعدادية:

–الدراسات الإسلامية: القرآن الكريم، التجويد، التفسير، الحديث، التوحيد، الفقه، السيرة والتاريخ

–الدراسات العربية: الخط، الإملاء، الإنشاء، القراءة والمطالعة، المحادثة، النحو، تاريخ الأدب العربي، النصوص الأدبية.

–مبادئ التربية.

–إحدى اللغات النيجيرية الرئيسة (الهوسا).

– اللغة الإنجليزية.

–التدبير المنزلي.

–الرياضيات.

مقررات المرحلة الثانوية:

–الدراسات الإسلامية: القرآن وعلومه، التفسير، التوحيد، الحديث، مصطلح الحديث، الفقه، أصول الفقه، المنطق.

–الدراسات العربية: النحو، الصرف، الترجمة، تاريخ الأدب العربي، الأدب العربي النيجيري، النصوص الأدبية، النقد الأدبي، التعبير الشفهي والكتابي، العروض والقافية، البلاغة، المطالعة.

–التربية: التربية وعلوم النفس، طرق التدريس العامة والخاصة، التربية العملية.

–التاريخ الإسلامي.

–الرياضيات.

–اللغة الإنجليزية.

 

– لغة الهوسا وآدابها.

–التدبير المنزلي والتربية المهنية.

بعض هذه المقررات يدرس في كل مستويات المرحلة، وبعضها الآخر يدرس في مستوى بعينه، وهذا يعني أنها مقسمة في المدة الزمنية للدراسة في المرحلة، وهي ثلاث سنوات في الإعدادية وأخرى في الثانوية.

مقررات مدارس التحفيظ:

القسم الثانوي:

–الدراسات القرآنية: الحفظ والتلاوة، القراءات، الترتيل والتسميع، التنغيم، علوم القرآن والتشريع، التفسير.

–الدراسات الإسلامية: التوحيد، الفقه وأصوله، الحديث ومصطلحه.

– الدراسات العربية: النحو، الأدب والنصوص، الإنشاء التحريري والشفوي.

– لغة الهوسا: الأدب والقواعد.

–اللغة الإنجليزية.

–التربية.

–الدراسات الاجتماعية.

–العلوم.

–الزراعة.

–الحساب.

الخاتمة:

التعليم الإسلامي العربي للمرأة في إفريقيا له مستقبل جيد، وفرصة التخصص في التعليم الإسلامي العربي للبنات متوفرة في كل المراحل الدراسية، من روضة الأطفال والابتدائية مروراً بالمرحلة الثانوية الدبلوم الوسيط حتى المرحلة الجامعية، وفي المرحلة الجامعية يمكن للمرأة مواصلة الدراسات العليا حتى مرحلة الدكتوراه في كثير من الجامعات في نيجيريا، وباب القبول مفتوح للطالبات الأجنبياب، وأيضاً من المؤشرات للمستقبل المشرق فتح كلية جامعية خاصة للبنات في الجامعة الإسلامية بدولة النيجر، والتي تخرجت فيها دفعات عديدة من بنات إفريقيا.، ومع هذا ما زالت هناك تحديات، تناول بعضها من قام ببحوث في مشكلات التعليم الإسلامي العربي.

الهوامش الإحالات:

* جامعة بايرو كنو، نيجيريا.

[1] «الهوسا» لغة وشعباً: كلمة «هوسا» أو «الحوسا» والصحيح الأول؛ وهو لفظ يُطلق على الشعب وعلى اللغة التي يتكلم بها ذلك الشعب. وقبائل الهوسا: هم الجماعة الذين انحدروا أصلاً وتاريخياً من منطقة بلاد الهوسا واستقروا بها، أو نزحوا منها وسكنوا بمناطق أخرى، وحافظوا على لغتهم وثقافاتهم، كما يُطلق هذا الاسم على الذين سكنوا منطقة بلاد الهوسا، وأخذوا لغتهم ثم طبقوا عادات الهوسا وتقاليدهم وعقائدهم فتهوّسوا واختلطت أصولهم واندثرت لغاتهم، وذلك مثل بعض الفلاني وشعب غُدّرِي(Guddurawa Tribe) ، وغيرهم، من الذين سكنوا مناطق الهوسا واختلطت أصولهم وانقرضت وتلاشوا في الهوسا.

 

  وأما بلاد الهوسا: فهي المنطقة التي يسكنها شعب الهوسا، والموقع الجغرافي لأكبر تجمع لهم هو: البلاد الواقعة في غرب الحدود الشمالية ووسطها، والتي تميل إلى الشرق لدول غربي إفريقيا حديثاً، وهذا التجمّع الكبير للموقع قد قسمته الحدود السياسية الجغرافية الاستعمارية، فكان القسم الأول – وهو الأكبر – يشغل أكثر بلاد شمال نيجيريا، والقسم الثاني في وسط الحدود الجنوبية لدولة النيجر (Niger Rep)  متصلاً بالقسم الأول.تقع بلاد هوسا الحالية في شمال نيجيريا وجنوب جمهورية النيجر، بين أرض بَرْنُوْ شرقاً إلى الضفة الغربية لنهر النيجرغرباً، وتحدّها شمالاً الصحراء الكبرى، وجنوباً حتى قريباً من نهر بِنْوَي. ورقعة بلاد هوسا قد توسّعت كثيراً عن مركزها الأول، بل هي في توسع مستمر حتى اليوم، يقول الباحث وُولْف: «هوسا لغة عالمية، يتكلم بها حوالي خمسين مليون نسمة، غالبيتهم في نيجيريا وجمهورية النيجر والدول المجاورة في غربي إفريقيا»، راجع:

 Mahdi Adamu: The Hausa Factor In West African History  p3

H. Ekkehard Wollf, " Standardization and varieties of written Hausa West Africa.p21 Proceed of Symposia on Language Standardization University of Hamburgh,1991

[2]  وهذا التقدير افتراضي؛ حيث لم يحصل الباحث على تحديد لتاريخ مدوّن حسب اطلاعه المحدود في المصادر والمراجع المتوفرة لديه.

[3] محمد الرابع أ. سَعاد: أديبة بلاد السودان.. نانا أسماء بنت الشيخ عثمان بن فوديو، ص 9، 1995م.

[4] محمد بيللو بن عثمان: إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، ص 53. وانظر أيضاً كتاب: المجاهد الكبير في غرب إفريقيا.. الشيخ عثمان بن فوديو، ص 18، للدكتور أمين الدين أبوبكر.

[5] انظر: The Encyclopedia of Islam, 4/550 (1986

[6] أديبة بلاد السودان.. أسماء بنت الشيخ عثمان بن فوديو، ص 12.

[7] المرجع السابق، الصفحة نفسها.

[8] الوزير جنيد بن محمد البخاري: قصيدة أولياء الله من النساء الكمّل، ص 9.

[9] عبد الله بن فوديو: تزيين الورقات بجمع بعض ما لي من الأبيات، ص 7.

[10] هكذا في المخطوط، والصواب (حملا)، والعلم عند الله.

[11] تزيين الورقات، ص 7 - 8.

[12] المرجع السابق، ص 6.

[13] انظر:

Aliyu Hamza: Developments in Islamic Education with Particular Reference to female    contribution, P. 145 رسالة ماجستير 1995Bayero University, Kano.

[14] انظر:

 

Jean Boyd: The Role of Women Scholars in the Sokoto Caliphate, Seminar 1984.

[15] أديبة بلاد السودان.. نانا أسماء بنت الشيخ عثمان، ص 8 – 50.

[16] جنيد بن محمد البخاري: عرف الريحان، ص 60.

[17] شيخو أحمد سعيد غلادنثي: حركة اللغة العربية وآدابها في نيجيريا، ص 93.

[18] المرجع السابق والصفحة.

[19] وكان ذلك في شهر سبتمبر 1909م، بدأ بفصل تدريب المدرسين الوطنيين، تدرس فيها: القراءة والكتابة بالهوسا، ومبادئ الحساب والجغرافيا والرسم، ومبادئ علم الصحة، ثم أضيفت العربية والدين.

[20] المرجع السابق، ص 94 - 95.

[21] المرجع السابق، ص 96 - 97.

[22] حركة اللغة العربية في نيجيريا، ص 100، وانظر (History of Education in Nigeria, P. 56)

[23] الثقافة العربية في نيجيريا، ص 221.

[24] المرجع السابق، ص 223.

[25] انظر:  University Primary Education in Nigeria, A Study of Kano State, P. 78-79.

[26] حركة اللغة العربية، ص 97.

[27] يتأكد هذا الهدف بإنشاء مدرسة وأقسام تجويد وتحفيظ القرآن الكريم.

[28] انظر:  University Primary Education in Nigeria, P. 120.

[29] المرجع الإنجليزي السابق، ص 120.

[30] قسم الدراسة العربية الإسلامية، وزارة التربية والتعليم، ولاية كنونيجيري.

(*)نقلا عن مجلة " قراءات افريقية"