أصبح التدخّل التركي في ليبيا بالمرتزقة والسلاح أمرًا مكشوف للعيان ولا يحتاج لمجهود استقصائي كبير، هذا الأمر الذي فضحه سقوط القتلى الذي دفع النظام التركي إلى الاعتراف بإرساله عسكريين أتراكاً ومرتزقة سوريين.

وتشهد ليبيا في الآونة الأخيرة تصاعد توظيف المرتزقة الأجانب من جانب النظام التركي لدعم حكومة الوفاق ضد الجيش الوطني الليبي.

إذ تشير تقديرات سياسية وإعلامية إلى أنّ ليبيا قد استقطبت أكثر من ألف مرتزق نقلتهم تركيا من مناطق الصراع في سوريا. ويعكس مستوى التسلُّح الذي يحظى به المرتزقة الأجانب الموالون حجم ما يحصلون عليه من دعم وتمويل من تركيا الساعية إلى بسط نفوذها على ليبيا.

ودشنت تركيا جسرًا جويًّا مباشرًا بين إسطنبول ومطار معيتيقة العسكري قرب طرابلس لنقل متشددين سوريين وأجانب إلى ليبيا. وبلغ إجمالي هؤلاء المقاتلين الذين وصلوا بحسب صحيفة "الجارديان" نحو 1350 فردًا من المقاتلين السوريين شقوا المعبر في اتجاه تركيا في الخامس من يناير المنصرم، وانتقل بعضهم إلى ليبيا، بينما بقي آخرون في جنوب تركيا لتلقي تدريبات في معسكرات خاصة.

من جانب آخر، كشفت تقارير صحيفة نشرتها وكالة "بلومبرج"، وصحيفة "ميدل إيست" في نهاية ديسمبر الماضي، عن أن قطاعًا معتبرًا من مقاتلي فرقة "السلطان مراد" المؤلفة من سوريين تركمان انتقلوا إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق. وتؤكد هذه التقارير ما أشارت إليه حكومة الشرق الليبي في أواخر ديسمبر الماضي، من وصول مرتزقة من سوريا إلى ليبيا للقتال إلى جانب الميليشيات الداعمة لحكومة "السراج".

وأثار التدخل العسكري التركي جدلا واسعا داخل ليبيا وخارجها لما يتسبب به من تعقيدات على صعيد الأزمة التي يسعى المجتمع الدولي إلى حلها بالطرق السلمية، وسط مخاوف دولية من اتساع دائرة انتشار المتطرفين الذين يحاربهم الجيش في أكثر من منطقة داخل ليبيا.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتهم نظيره أردوغان بعدم الالتزام بكلمته من خلال قيامه بإرسال سفن تركية تحمل مرتزقة سوريين إلى ليبيا. وقال في تصريحات صحافية "لقد رأينا في الأيام الأخيرة سفنا تركية تقل مرتزقة سوريين تصل إلى الأراضي الليبية"، وهذا انتهاك صريح لما وعد به الرئيس أردوغان في مؤتمر برلين، بحسب صحيفة لوفيغارو في موقعها الإلكتروني.

ومثّل إرسال المرتزقة إلى ليبيا خرقا لتعهدات مؤتمر برلين وتأكيدا على استمرار التدخلات الأجنبية في ليبيا رغم إدانة القوى الإقليمية والدولية لهذه الممارسات وخطورتها على أمن واستقرار البلد.

في ذات السياق،استغل الرئيس التركي، رجب أردوغان، انشغال العالم والإنسانية بجائحة كورونا الوبائية، وقام نقل مئات المرتزقة المسلحين، وضخ كميات كبيرة من الأسلحة مطارات مصراتة وطرابلس، ضاربا عرض الحائط بقرار مجلس الأمن وكل الأعراف الدولية بحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا.

ووفقا لصحيفة زمان التركية، فقد وصلت مجموعات من المرتزقة السوريين المدعومين من تركيا إلى ليبيا لمساعدة قوات حكومة الوفاق، كما أشار تقرير جديد للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن أكثر من 300 من المرتزقة السوريين المسلحين والمدعومة من تركيا، تم نقلهم الساعات الماضية عبر المطارات التركية.

وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان، الخميس، أن عملية نقل المقاتلين السوريين التي تقوم بها تركيا من الأراضي السورية إلى داخل الأراضي الليبية، تحوّلت في الفترة الأخيرة "من ترغيب إلى ترهيب"، وباتت تتم تحت ضغط تركي كبير على قيادات فصائل "الجيش الوطني" لإرسال مقاتلين منهم نحو ليبيا، بعد أن كان المقاتلون سابقاً يتسابقون للذهاب إلى ليبيا طمعاً بالمغريات.

وأضاف أن معظم الفصائل لم تعد لها رغبة بإرسال مقاتلين للقتال في ليبيا وخاصة في ظل الأوضاع الصعبة للغاية للمقاتلين هناك، وعدم إيفاء تركيا بالمغريات التي ادعت تقديمها في البداية، ليتحول الأمر إلى ضغوطات كبيرة وتهديدات من قبل الاستخبارات التركية لقيادات الفصائل بشأن إرسال مقاتلين وإلا ستكون النتيجة، فتح ملفات تتعلق بفضائح لقادة الفصائل.

وتشير إحصائيات المرصد السوري، إلى أن عدد المرتزقة الذين وصلوا إلى الأراضي الليبية حتى الآن، بلغ نحو 7850 مرتزق، لأجل القتال ضد الجيش الوطني الليبي.

وتضم دفعات المرتزقة مجموعة غير سورية، فيما وصل عدد المقاتلين الذي وصلوا المعسكرات التركية لتلقي التدريب نحو ثلاثة آلاف.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان مزيداً من الخسائر البشرية في صفوف المقاتلين السوريين، خلال العمليات العسكرية في ليبيا، حيث وصلت 12 جثة على الأقل إلى مناطق سيطرة الأتراك والفصائل بريف حلب الشمالي، ممن قتلوا مؤخراً في معارك ليبيا.

وتبعا لذلك، بلغت حصيلة القتلى في صفوف الفصائل الموالية لتركيا من جراء العمليات العسكرية في ليبيا 261 مقاتل، والقتلى من فصائل "لواء المعتصم وفرقة السلطان مراد ولواء صقور الشمال والحمزات وسليمان شاه".

وكان قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، أعلن استهداف 41 فرداً من المرتزقة  بمحاور وادي الربيع والمشروع جنوب العاصمة الليبية طرابلس خلال محاولتهم لتقدم لمراصد الجيش الليبي في تلك المناطق.

وأوضح، أن الجيش الليبي، يمنح فرصة أخيرة للسوريين المغرر بهم شرط ترك أسلحتهم والخروج من المعركة، وستتم مساعدتهم في العودة إلى بلادهم، حيث أن قيام ميلشيات حكومة الوفاق، باستهداف طائرة تحمل أجهزة تنفس ومواد طبية، والرد سيكون قاسيا من أجل حماية المدنيين.

من ذلك يرى مراقبون أنه من المرجح استمرار أنقرة في تعزيز استقدام المقاتلين الأجانب إلى ليبيا للتأثير على الحكومات الداعمة للمشير "خليفة حفتر"، ناهيك عن إدراك أنقرة غياب القوة الرادعة من جانب القوى الدولية الكبرى، التي يمكنها معاقبة تركيا، ووقف استثمارها المتواصل في المقاتلين الأجانب لتكريس نفوذها في مناطق الصراعات.