تحول المرسكاوي الى لون غنائي طاغ في الساحة الليبية ، وبات له تأثيره الواضح على دول الجوار ، حيث يتردد في الملاهي والأفراح وزادت وسائل الاتصال الحديثة من انتشاره بشكل واسع ، وأصبح من الطبيعي أن يعيد فنانون غير ليبيين تسجيله مستفيدين من غياب قوانين حماية الحقوق الفنية والملكية الفكرية في ليبيا
والمرسكاوي هو فن الحياة بمختلف تجلياتها ، تحول الى ديوان الواقع الليبي نظرا لقدرته الفائقة على تحمّل مختلف المضامين والمواضيع ، وقد استطاع أن يتجاوب مع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي وأن يواكب كل التحولات التي عرفتها البلاد ، وزاد انتشار تقنيات الاتصال الحديثة من رواجه ولا سيما بين فئة الشباب الباحث عن الألحان الخفيفة والكلمات الحارقة
وهناك خلاف حول أصل تسمية المرسكاوي ، حيث يرى فريق أنها تحريف لكلمة مرزقاوي نسبة الى مرزق ، وفريق آخر يقول إنها نسبة الى الموريسكيين ،وهم المسلمون الذين بقوا في الأندلس تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الحكم الإسلامي للأندلس وأجبروا على اعتناق المسيحية، أو ترك الأندلس ، ثم أجبرتهم الحكومة الإسبانية في الفترة الواقعة ما بين 1609 و1614، على مغادرة المملكة إلى شمال أفريقيا في هجرة جماعية ، وقد كان عددهم يناهز 350 ألف نسمة ، انتشروا في المغرب والجزائر وتونس ووصلت بعض عوائلهم الى طرابلس وبرقة حتى درنة ، وقد حملوا معهم فنونهم وعاداتهم وتقاليدهم في الطبخ واللباس وعلومهم في الزراعة والصناعة وغيرها ، وكان لهم أثر كبير في المنطقة
وأما مرزق ، فهي مدينة في جنوب غرب ليبيا مفتوحة على الصحراء ولها مسالك تجمع بين شمال ووسط إفريقيا ، كانت محطة القوافل واستراحة التجار والعابرين ، وملتقى الثقافات الإفريقية والأمازيغية والعربية الإسلامية ، وكانت عاصمة دولة أولاد إمحمّد بإقليم فزان التي إستمر عهدها من 1550 الى 1813 م والتي تنتسب إلى مؤسسها الشيخ امحمد الفاسي وهو ينتمى إلى السلالة الإدريسية الشريفة ، وبالتحديد إلى البيت العمراني الجوطي ، الذين قال عنه ابن خلدون «فليس في المغرب فيما نعلمه من أهل هذا البيت الكريم من يبلغ في صراحة نسبه ووضوحه مبالغ أعقاب إدريس هذا من آل الحسن  وكبراؤهم لهذا العهد بنو عمران بفاس من ولد يحيى الحوطي بن محمد يحيى العدام بن القاسم بن إدريس الأزهر بن إدريس الأكبر ، وهم نقباء أهل البيت هناك والساكنون ببيت جدهم إدريس ولهم السيادة على أهل المغرب كافة حسبما نذكرهم عند ذكر الأدارسة » ، وقد صادف أن تأسيس الدولة كان قبل عام واحد من الإحتلال العثماني لطرابلس ، وهو ما أدى صراع بين الطرفين ،حيث سعى العثمانيون الى بسط نفوذهم على فزان ، وخاضوا حروبا عدة من ذلك ، ولاسيما في عهد يوسف باشا القره مانلي ، ولم يتمكنوا من احتلال مرزق الا في العام 1813 عندما نجحت جيوش بقيادة محمد المكني في هزم دولة أولاد إمحمد وقتل السلطان محمد المنتصر وإنهاء حكم الشرفاء في فزان ، وقد بقيت مرزق عاصمة للإقليم الى العام 1951 عندما نقلت أسرة سيف النصر من أولاد سليمان والتي تولت الحكم آنذاك ، مركز العاصمة الى سبها ، وذلك في إطار الحكم الفيديرالي للمملكة الليبية الوليدة قبل إلغاء الفيديرالية في العام 1963
وعرفت مرزق بسورها الطيني وأبوابها وقلعتها وبساتينها وواحاتها وبتنوع الثقافات والفنون ومن ذلك الفن المرسكاوي الذي إنتشر لاحقا في مختلف أرجاء ليبيا وخاصة في مدن المنطقة الشرقية كبنغازي ودرنة ،كما انتشر في غرب البلاد ، وتؤدى أغاني المرسكاوي على مقام واحد، تندرج تحته عدة أنواع أخرى، وعادة ما تتكون القطعة من موال ثم أبيات الأغنية وصولا الى « التبرويلة» التي يقابلها البرول في المألوف الأندلسي وهي عبارة عن تسارع للإيقاع والنغمات الراقصة بكلمات خفيفة ، والتي قد لا تكون ضرورية في المرسكاوي ولكنها مهمة في منحه صفته الاحتفالية
وكانت الإذاعة الليبية قد سجلت منذ افتتاحها في العام 1957 عددا من أغاني المرسكاوي بعد أن كلفت شعراء غنائيين بارزين بكتابة نصوص جديدة ، كما تم توزيع تلك الأغاني على فنانين بارزين آنذاك ، من بينهم الفنان محمد مرشان المتوفي في 2015 ، الذي كان قد راز مناطق فزان للنهل من تراثها وكان يرى أن الأنماط الموسيقية الرائجة في طرابلس وبنغازي ما هي غير صدى المرسكاوي القادم من مرزق وبعض المناطق الأخرى في فزان مثل غات وهون وسبها
ومن أهم من غنوا بالمرسكاوي من جيل الخمسينيات والستينيات والسبعينيات محمد صدقي وسلام قدري وعبد اللطيف حويل وإبراهيم الصافي وعلي الشعالية والسيد بومدين ( شادي الجبل ) وعبد الجليل عبد القادر  ( الهتش ) وخديجة الفونشة ( وردة الليبية ) وعلي الجهاني ( علي ويكة ) وأحميدة بونقطة ،
ومن النجوم الحاليين رمزي وعصام العبيردي وسمير الكردي ووليد التلاوي وفوزي المزداوي ومفتاح معيليف ومحمد هدية ورمضان ونيس وعصام الطويل وأحمد السوكني وجاب الله الفسي وسعد محمود وعلي الجهاني وأحلام اليمني وبشير المسلاتي  وفوزي أصغيرونة والمهدي الهيلع وأمهيدي وسعيد الدرسي وسراج الشيخي وكمال التومي والعشرات غيرهم
ووفق المتخصصين ، يتشكل لحن المرسكاوي من طالع بثلاث شطرات وكوبليه من ستة ، أومن طالع بشطرتين وكوبليه بأربع ، وأما مواضيع الغناء فمختلفة وتتراوح في الغالب بين الحب والحنين والوصف وباتت خلال السنوات الماضية جريئة في مفرداتها ،ولها قدرة على تصوير المشاعر دون عقد ، فالمرسكاوي الحالي هو فن متمرد مثله مثل « الراي» في الجزائر والمغرب ، وجاءت نزعته الى التمرد من التهميش الرسمي الذي تعرض له خلال العقود الماضية ليبقى وهين المناسبات الخاصة وأشرطة الكاسيت ، كما أنه فن يطغى عليه الارتجال ويرتبط بقدرة مؤديه على نظم الكلمات أو على الاستفادة من مدونة الشعر الشعبي الثرية في البادية الليبية
ورغم الانتشار الواسع لهذا الفن ، يبقى منبوذا من فئات مهمة من المجتمعة ترى فيه ميلا الى الابتذال بسبب الكلمات التي يتم استعمالها أحيانا والتي قد تحمل من الجرأة ما يجعلها تصدم الإذن المحافظة ، كما أن تكرار الألحان قد يكشف عن فشل الفنانين الحاليين من تقديم تجارب إبداعية ترقى الى ما قدمته الأجيال السابقة التي كانت تنشط ضمن مؤسسات الإعلام الرسمي
كما يبقى المرسكاوي محدودا من الناحية الموسيقية بسبب طبيعة الدائرة الضيقة للمقامات في موسيقى البادية حيث لا تكاد تتجاوز مقامي البياتي والرصد ، لكن الزخم الحقيقي جاء من التنوع والثراء النغميين في طرابلس والجنوب ، لكن أغلب الباحثين يرون أن المرسكاوي الحالي هو تحريف للمرسكاوي الأصلي بنفسه التطريبي حيث كان أقرب الى الموشحات الأندلسية ، ولكن بتداخلات رشيقة مع الروح الإفريقية
ويرى الباحث في علوم الموسيٍقى الدكتور عبد لله السباعي أن أغنية المرسكاوي انتشرت عن طريق التواتر الشفهي، وكُتبت كلماتها باللهجة العامية، ولُحّنت في مقامي البياتي والرصد على أوزان شعبية محلية، مُصاحبة بآلة المزمار والدربوكة والدُّف وبتصفيق الأيدي والرقص. وهي أغنية تُؤدِّي وظيفة كبيرة، وتُستعمل في العديد من المناسبات الاجتماعية
وتعتمد موسيقى المرسكاوي على عدد بسيط من الآلات ، منها الدف والدربوكة و «المقرونة » وهي مزمار تقليدي تستخدم فيه قصبتان متساويان في الطول تكونان مفتوحتين من الطرفين، وتربط الواحدة في الأخرى بواسطة جلد الماعز، وهناك نوعان من شجر القصب، نوع رفيع يصنع منه «البالوص»، أما النوع الغليظ فيصنع منه ساق المقرونة أو المزمار، ثم تثبيت «الردادة» من ساق المقرونة بجلد الماعز، ويتم ثقب ساق المزمار أو المقرونة بقطعة من الحديد خمسة ثقوب، ويتم تثبيت المقرونة بقرني البقر بقطعة من جلد الماعز.
وخلال العقود الماضية طغى الأورغ والأكورديون، وأصبحا الآلتين الاكثر استعمالا في المرسكاوي الى جانب آلات الإيقاع العادية ، وتحول هذا الفن الى ظاهرة في ليبيا امتدت الى خارجها ، وخاصة الى دول الجوار ، وقدم حميد الشاعري تصورا جديدا للمرسكاوي من مقر إقامته في مصر ، وإعاد فنانون تونسيون تسجيل عددا من أغاني المرسكاوي  أخرهم الفنانة فائزة المحرسي التي قدمت أغنية « يحسابونا طحنا »
ويعتبر الباحث محمد سالم ان استخدام اصطلاح المرسكاوي في بنغازي والمناطق الحضرية في الشرق الليبي لا يقتصر فقط على مفاهيم الدرجة الموسيقية والسلم الموسيقي والسلم النغمي بخصائصه المعزوفة بل يمتد ليشمل واقع موسيقي من طراز مختلف غير معروف في ارجاء ليبيا، ويمثل الفن الخاص بالشفافية الموسيقية الحضرية لمدينة بنغازي، وقد برز وازدهر بصورة ملموسة بعد ان امتزج في بوتقته الفن الافريقي والايقاعات الليبية القديمة والشعر البدوي.
ويضيف أن المرسكاوي هو ارتجال كامل يعتمد على السماع بالدرجة الاولي – غير مدون في تابلوهات موسيقية - وليس من الضروري ان تصاحب المرسكاوي الات موسيقية، لكنه كغيره من الانماط الحضرية الليبية، كالمألوف في طرابلس ودرنه، يشكل وحدة مترابطة من عدة مقومات ،مردفا أن الايقاع الذي يمثل مقومة اساسية للمرسكاوي ولكن للأسف لم يتطور ليصل الي تعقيد الايقاع المصمودي مثلا،
ورغم الانتشار الواسع لهذا الفن ، يبقى منبوذا من فئات مهمة من المجتمعة ترى فيه ميلا الى الابتذال بسبب الكلمات التي يتم استعمالها أحيانا والتي قد تحمل من الجرأة ما يجعلها تصدم الإذن المحافظة ، كما أن تكرار الألحان قد يكشف عن فشل الفنانين الحاليين من تقديم تجارب إبداعية ترقى الى ما قدمته الأجيال السابقة التي كانت تنشط ضمن مؤسسات الإعلام الرسمي