على رائحة الشواء، وحول الولائم ولمّات العائلات في أيام عيد الأضحى، تناثرت الأحاديث بين المصريين، سواء من السياسيين أو المواطنين، عن حظوظ عودة جماعة «الإخوان» إلى المشهد مجددا في مصر.

وبين بيانات لقادة الجماعة الفارين في تركيا تبرز تصلبهم في مواقفهم، ورسالة أخرى منسوبة إلى مرشد «الإخوان» يقرر فيها تشكيل لجان تختص بتطوير اللوائح التنظيمية للجماعة وتحسين صورتها، بما قد يصل إلى إجراء انتخابات جديدة لمجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية، بما فيها التنظيم الدولي.. يظهر بوضوح الارتباك الذي تعانيه «الإخوان»، خاصة مع فشل دعوات الجماعة لحشد أنصارها في شوارع المدن الكبرى من أجل بث مطالبهم المتكررة بعودة الساعة إلى الوراء، التي يرى كثير من المراقبين أنها أصبحت كدخان الشواء؛ لا يلتفت لها أحد بعد أن تتلاشى.

وخلال الأيام الماضية، ظهرت عدة مبادرات لشخصيات إخوانية، تضاربت حول الأهداف. ودعا القيادي الدكتور رضا فهمي، الذي شغل منصب ‏رئيس لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى السابق، أول من أمس، إلى عقد مؤتمر موسع لبحث سبل خروج الجماعة من كبوتها وتصحيح مسارها، وذلك «عبر عملية تغيير وتطوير شامل على مستوى الرؤية، والأهداف الاستراتيجية، والخطط المستقبلية، ومواقفها من القضايا المختلفة، وإعادة ترتيب البيت الإخواني من الداخل على أسس وقواعد تراعي التحولات الضخمة التي حدثت منذ ثورة (25 يناير)»، وذلك استجابة لـ«رغبة عارمة لدى جموع الإخوان»، كما ذكر في بيانه على صفحته الخاصة بموقع «فيسبوك».

وتأتي مبادرة فهمي متزامنة مع رسالة نسبتها مواقع إخبارية قريبة من الجماعة أمس إلى مرشدها محمد بديع، يصدر فيها أوامر بتكليف عدد من قيادات «الإخوان» بتشكيل لجان إحداها لـ«تطوير النظام الإداري واللوائح التنظيمية للجماعة، ذات صلاحيات غير محدودة، لتكون أكثر مرونة مع متطلبات المرحلة»، وتعرض قراراتها النهائية للاستفتاء، «في حالة صدور نتيجة الاستفتاء بالقبول، فإنه يجري انتخابات جديدة لمجلس الشورى العام ومكتب الإرشاد والمكاتب الإدارية، بما فيها التنظيم الدولي».

ولم يتسن التأكد من مدى «صدقية» الرسالة المنسوبة إلى بديع، من أي من قيادات «الإخوان»، لكن مراقبين ومحللين أشاروا إلى أن «أسلوب الحديث وسياقه يتسق مع الأسلوب المعروف لمرشد الجماعة، وإن كان لا يمكن الجزم بصحتها، خاصة أنها لم تنشر على الموقع الرسمي للجماعة؛ وربما كان ذلك لكونها تتحدث عن توجيهات بإجراءات ستتم داخل القيادات أولا». لكن في وقت متزامن، أصدر عدد من قيادات «الإخوان» في إسطنبول بيانا آخر، ألقاه القيادي في «تحالف دعم الشرعية» عطية عدلان، قالوا فيه: «نرحب بأية مبادرات للمصالحة تحقق مطالب الثورة، وتعيد الديمقراطية وتقتص للشهداء، وتعيد الجيش لثكناته». وهو ما يعني بحسب المراقبين أن الجماعة مستمرة في تموضعها السابق، لكن بصيغ مختلفة، حسب صحيفة الشرق الاوسط.

وفي تحليله للموقف، يرى الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية أحمد بان، أن «هناك جزءا من تركيبة الجماعة حاليا مع الوصول إلى تسوية وفكرة الانحناء للعاصفة والبدء في أفكار جديدة للتعاطي مع هذا الواقع، لكن هذه المجموعة غير مؤثرة على قواعد التنظيم.. وما زالت القيادة بيد القيادات الأكثر تشددا وذات الخطاب الأكثر عنفا لدى القواعد، بأكثر من هؤلاء الذين يحاولون إعادة قراءة الواقع والتعاطي معه بما يتطلبه ذلك من تنازلات».

ولا يستبعد بان في حديثه إلى «الشرق الأوسط» احتمالية أن تكون مثل تلك الأفكار هي «بالونات اختبار تطلقها الجماعة من آن لآخر لكي تقيس مدى استعداد قواعدها للقبول بفكرة التسوية. لكن أتصور أن الجماعة تتحول إلى غيتو (منفى داخلي) حقيقي للحفاظ على التنظيم، ولا أتصور أنها ستدرك الواقع بعد كل هذه الاتهامات التي وجهتها إلى الجميع، بمن فيهم الشعب المصري نفسه.. وواقعيا لا نستطيع أن نقول إن هناك تيارين داخل الجماعة، لكن الأوقع أن هناك تيارا غالبا، هو التيار المحافظ، مع بعض المجموعات الصغيرة غير المؤثرة من الإصلاحيين».

وخلال الأسبوع الماضي، شهدت مظاهرات أنصار الجماعة أفولا واضحا في الشارع المصري، حيث لم تتعد تلك المظاهرات بضعة أشخاص يهرولون بسرعة في شوارع العاصمة بينما يرددون هتافات لا تكاد تصل إلى مسامع سكان المنازل المجاورة، وهو تغير نوعي بارز مقارنة بما كانت تشهده مثل هذه المظاهرات قبل أشهر مضت.

وبينما تمرق مظاهرة محدودة في أحد الشوارع الجانبية بضاحية المعادي (جنوب غربي القاهرة)، كانت أسرة المهندس الشاب أحمد عبد العزيز تعد عدة الشواء احتفاء بزوارها من أصدقائه وعائلاتهم. أحد المدعوين، وهو أكاديمي شاب، أكد للحضور أن الجماعة صارت في مأزق تاريخي، قائلا إن التنظيم لم يشهد في تاريخه مثل ذلك الانقسام الحاد والضعف في التكوين، وتابع: «القيادات من جناح الصقور تقاتل من أجل البقاء وتجتر أحلام الماضي، بينما كثير من الكوادر ينظرون بواقعية إلى المستقبل، ويريدون العودة إلى حياتهم الطبيعية».

ويتفق بان مع الرأي القائل بأن الجماعة في مأزق وتحد تاريخي، ويقول إن «فكرة المصالحة لا تبدو مطروحة الآن.. ووفقا لمعلومات وليس تكهنات، سعت الجماعة منذ نحو 3 أشهر للوصول إلى تسوية مع الدولة المصرية، وربما بشروط بدت مقبولة، إلا أن النظام رفض هذه المصالحة».

ويتابع بان أنه «خلال هذه الفترة، فشلت الجماعة في تحريك المشهد عبر أكثر من تدبير. حيث راهنت في البداية على الاعتصامات والمظاهرات الكبيرة، لكنها فوجئت برد فعل قواعدها بالأساس التي انصرفت عن مثل تلك الدعوات ولم تلبها. ثم لجأت فيما بعد إلى طلبة الجامعات والمجموعات النسائية، وفشلت أيضا في تحريك المشهد. وبالتالي أصبح الهدف الرئيس والنهائي للجماعة هو فقط الحفاظ على التنظيم من التآكل، وفي هذا السياق كان المطلوب هو تدبير خطة إشغال طويلة الأجل لهذه القواعد لكي يبقى الأمل لديها معقودا بأن هذه القيادة تقود محاولات لتغير الأوضاع، فقط من أجل الإبقاء على التماسك التنظيمي».

ويرى بان أن الجماعة «أوعزت إلى النساء بأن يخرجن من المشهد ويكتفين باللقاءات التربوية فقط، وأتصور أن الرجال سيلحقون بهن أيضا، لأن استراتيجية الجماعة حاليا هي الدخول في مرحلة كمون طويل حتى تتهيأ أوضاع جديدة لصعود سياسي».