في ليلة تُحاكي أمسيات الأندلس الغابرة، وعلى لحن أشعار من تراث الموريسكيين وقصائد مغربية أصيلة، أحيا محمد باجدوب، أحد أشهر فناني الطرب الأندلسي في المغرب، سهرة فنية، مساء أمس الأربعاء، أعاد من خلالها جمهور مهرجان "موازين إيقاعات العالم" إلى الزمن الأندلسي وطربه الموزون، منشدا أشعارا على إيقاع أشهر "نويات" (سلم موسيقي في الطرب الأندلسي) هذا الفن الأصيل.
فعلى وقع توقيعات آلة العود، وأنين آلة الكمان الساحر، صدح الفنان المغربي، الذي راكم مسيرة فنية عريقة في أداء هذا اللون الغنائي، امتدت لحوالي نصف قرن، بأشهر أغانيه كمقطوعة "شمس العشية"، و"عيني لغير جمالكم" ومقطوعات غنائية أخرى، وسط حضور جماهري كبير.
ويعد الطرب الأندلسي، إلى جانب "فن الملحون"، و" الطرب الغرناطي "، أحد الأصناف الموسيقية التي استقدمها الأندلسيين الذين لجأوا إلى المغرب فرارا من بطش محاكم التفتيش الإسبانية، بعد سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس.
ويمزج هذا اللون الغنائي بين الطابع الديني، وبعده الجمالي الفني، فأغلب قصائده عبارة عن أشعار نظمها متصوفة، كانوا ينشدونها في جو طافح بالوقار، دون أن يخلو بعضها من أشعار غزلية.
إلا أن عددا من التعديلات والإضافات دخلت على هذا الصنف الغنائي، خاصة بعد انتشاره في شمال إفريقيا مع الهجرات المتوالية للأندلسيين، غداة طردهم من أراضيهم بعد سيطرة الإسبان عليها، حيث أضحت أشعار الطرب الأندلسي تحاكي المعيش اليومي لهؤلاء.
اختلفت تقسيماته "نوباته" الموسيقية، لتظهر أشكال جديدة من الطرب الأندلسي، كـ" النوبة التونسية" و"المالوف القسنطيني".
ويعد الفنان المغربي، محمد باجدوب، من أبرز رواد هذا الفن في المغرب، ففي سن مبكرة بدأ اهتمامه بالطرب الأندلسي، حيث تعلم الإنشاد الديني بعد التحاقه بإحدى الزوايا الصوفية بمسقط رأسه، ثم تتلمذ على يد أشهر المشايخ المغاربة، بهدف إتقان هذا الصنف الفني.
وشارك باجدوب في عدد من المهرجانات العربية والعالمية، باعتباره أحد أعلام فن الطرب الأندلسي وفن الملحون على الساحة العربية.
وكان جمهور العاصمة المغربية الرباط، استمتع خلال افتتاح فعاليات الدورة الـ13 للمهرجان الجمعة الماضية، بحفل فني يجسد تاريخ الأندلس منذ تأسيسها وحتى سقوطها، من خلال عرض موسيقي من تقديم فنانين من المغرب وإسبانيا وفرنسا والجزائر.
وعلى غرار الدورات السابقة، اختار منظمو المهرجان، إحياء الذاكرة الموسيقية التراثية على منصة "شالة" (مدينة قديمة) التاريخية، عبر برمجة عروض خاصة بموسيقى أكبر أنهار العالم بعنوان "غناء الأنهار"، لتعرض التراث الموسيقى النابع من ضفاف الأنهار التاريخية كنهر النيل والمسيسيبي، وكذا نهر الفرات وأم الربيع والدانوب.
ويحظى مهرجان "موازين إيقاعات العالم" بشهرة عربية وعالمية، مكنته من استقطاب اهتمام أبرز الفنانين العرب والعالميين، للمشاركة في إحياء حفلاته، كالمغنية الأمريكية الراحلة "ويتني هيوستن"، ونجم موسيقى الجاز الأمريكية "بي بي كينغ" وآخرين، كما يحظى بآلاف المعجبين من داخل المغرب وخارجه.
ويقول المشرفون على المهرجان، الذي تقيمه جمعية "مغرب الثقافات" برعاية من العاهل المغربي الملك محمد السادس، إنهم "يعمدون إلى تنويع العروض الفنية التي تقدمها الفرق الموسيقية القادمة من مختلف قارات العالم، لتمزج بين التراث الأفريقي والعربي الآسيوي، بالإضافة إلى الموسيقى الحديثة بمختلف ألوانها وجنسياتها وأصنافها تلبية لأذواق الجمهور المختلفة".