يعيش المغرب أزمة شحّ مياه غير مسبوقة تفاقمت طيلة السنوات الأخيرة بسبب الجفاف وضعف التساقطات. أزمة حادّة تنذر بتداعيات وخيمة تهدّد قطاعات حيوية كثيرة بالبلاد وتهدّد بدرجة أولى حياة السكان. ما أدى إلى تعالي صيحات الفزع المطالبة بالحلول الجذرية والعملية لأزمة المياه "المستعصية".
واجه المغرب خلال العام الجاري، أسوأ مواسم الجفاف على الإطلاق، موسم لم يشهد مثله منذ ثمانينيات القرن الماضي، فلعامها الرابع على التوالي تواصل الأمصار انحباسها وضعف معدّلاتها بالبلد المغاربي حيث بلغت 199 ملم في نهاية ماي 2022، بانخفاض 44 بالمائة مقارنة بمعدل التساقطات خلال 30 سنة الأخيرة (355 ملم) وانخفاض بنسبة 34 بالمائة مقارنة بالموسم السابق (303 ملم) في نفس التاريخ. ونتيجة لذلك ، فقد بلغ المعدل الوطني لمعدل ملء السدود الكبيرة في البلاد 29.2 بالمائة فقط حتى منتصف جويلية/يوليو الماضي مقارنة بـ 45.2 بالمائة في نفس الفترة من العام الماضي.
ووفق إحصائيات مغربية حديثة، فإن مخزون السّدود المغربية لا يتعدى 27 بالمائة من طاقتها، حيث تعدّ موجة الجفاف الحالية الأسوأ منذ قرابة أربعين عاما. وللإشارة فإن المغرب يعتبر تحت خط ندرة المياه الذي تحدده منظمة الصحّة العالمية ب1700 متر مكعب للفرد سنويا، بينما لا تتجاوز هذه الحصة 600 متر مكعب بالمغرب.
وبحسب تقرير حديث للبنك الدولي، فإنه بين عامي 1960 و2020، انخفض توفر الموارد المائية المتجددة من 2560 متراً مكعباً إلى حوالي 620 متراً مكعباً للشخص الواحد سنوياً، مما وضع المغرب في حالة "الإجهاد المائي الهيكلي". وخلال الفترة نفسها، قامت المملكة ببناء أكثر من 120 سداً كبيراً، مما زاد إجمالي سعة تخزين المياه بواقع عشرة أمثال. غير أن الحجم الفعلي للمياه المخزنة في السدود الرئيسية في البلاد انخفض خلال معظم السنوات العشر الماضية مما شكل تهديداً للأمن المائي في بعض أحواض الأنهار في المغرب ودفع السلطات إلى اتخاذ تدابير طارئة مختلفة.
وفي هذا السياق، ووفق التقرير ذاته، يؤكّد المدير الإقليمي لدائرة المغرب العربي ومالطا بالبنك الدولي جيسكو هنتشل، "يُعد المغرب من بين أكثر بلدان العالم معاناة من الإجهاد المائي. وأظهرت الأحداث الأخيرة أن الحلول الهندسية لم تعد كافية لحماية الاقتصاد من الصدمات المناخية وسلطت الضوء على الحاجة إلى سياسات تكميلية..الأمر الذي من شأنه أن يعكس القيمة الحقيقية للموارد المائية وأن يحفز استخدامها بطريقة أكثر كفاءة وترشيداً."
وقد تسبّب الجفاف في أزمة تزوّد كبيرة بالماء الصالح للشراب بكبرى المدن المغربية حيث أكّد مدير البحوث والتخطيط المائي عبد العزيز الزروالي، في تصريحات تلفزية، أن هذا العجز "مؤشر مقلق حتى لو تم تقليصه من خلال الإجراءات الوقائية ، لتلافي نقص المياه مفيدا في هذا السياق " تجنبت مدينتان كبيرتان ، مراكش (جنوب)، العاصمة السياحية ووجدة (شرق)، الأسوأ باللجوء منذ نهاية ديسمبر 2021 إلى المياه الجوفية لضمان إمداداتها.
كما ألقت أزمة النقص الفادح للمياه بتداعياتها على القطاع الزراعي حيث تراجع محصول الحبوب إلى 34 مليون قنطار فقط، ما يمثل انخفاضا بـ67 بالمائة مقارنة مع العام الماضي، وفق ما أعلنت عنه وزارة الزراعة المغربية. وفي تصريحات سابقة حذّر وزير التجهيز والمياه، نزار بركة من مغبّة هذه الأزمة المتفاقمة قائلا" إذا كان الجفاف في الماضي متكررًا في المغرب، وأثر بشكل رئيسي على المناطق الريفية والقطاع الزراعي ، فإنه يؤثر حاليًا على "إمدادات مياه الشرب في المناطق الحضرية".
ووفق التقارير والدراسات فإن تأثير الجفاف وندرة المياه لا يمسّ فقط حاجيات المواطن والزراعة بل يتجاوزها لكثير من القطاعات الحيوية وعلى رأسها الاقتصاد. فوفقاً لآخر إصدار من تقرير البنك الدولي "المرصد الاقتصادي للمغرب، ربيع 2022: الجفاف يعرقل الإنتعاش الإقتصادي " فإن وتيرة الاقتصاد المغربي ستتباطأ بشكل ملحوظ عام 2022، حيث من المتوقع أن يبلغ معدل النمو 1.3% في عام 2022، مقابل 7.9% العام الماضي.
ووفق التقرير ذاته فإن تأثير موجات الجفاف، التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، يسلط الضوء على تعرض المغرب للصدمات المناخية وصدمات أسعار السلع الأولية العالمية. وتمثل موجات الجفاف المتتالية على مدى ثلاث سنوات من السنوات الأربع الماضية تذكرة صارخة بضعف الاقتصاد المغربي في مواجهة عدم الانتظام المتزايد في مستويات هطول الأمطار. ويتضمن التقرير تحليلاً لأثر الجفاف وشح المياه على الاقتصاد الكلي في المغرب، والذي تم تنفيذه كجزء من العمل القادم الذي يتناول المناخ والتنمية في المغرب.
أزمة المياه في المغرب" أزمة عميقة" تثقل كاهل المملكة خاصة مع عجز الإجراءات المتخّذة منذ سنوات لحلها، وفق الخبراء، ما يجعل البلاد على شفير "جفاف كلي" وتداع مخيف للعديد من مؤشراتها القطاعية الحيوية.