ارتبطت العلاقات المغربية ــ الموريتانية، بحلوها ومرّها، باسم الرئيس الموريتاني الحالي، محمد ولد عبد العزيز. ومع اقتراب موعد الانتخابات الموريتانية في 21 يونيو/حزيران المقبل، يصبح من الضروري العودة إلى أبرز محطات تلك العلاقات الملتبسة. التباس يبدو أنه في طريقه للتجذر، إذ إن الحديث غائب بالكامل عن موعد انعقاد الدورة الثامنة من اللجنة العليا المشتركة بين المغرب وموريتانيا، والتي كان يُفترَض أن تُعقَد في أبريل/نيسان الحالي، بعدما كانت دورتها السابعة قد انعقدت بين 21 و24 من ابريل من العام الماضي في نواكشوط. وليست العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وموريتانيا على ما يرام اليوم. هذا ما يكاد يجمع عليه العديد من المراقبين والمحللين بخصوص الفتور الذي تتسم به روابط البلدين الجارين، على الرغم من نفي مسؤولين في الرباط ونواكشوط، لوجود أزمة سياسية تعكر صفو علاقاتهما الثنائية.

ويؤشر على الأزمة "الصامتة" بين المغرب وموريتانيا، كما يصفها معلقون سياسيون، إحجام الرئيس الموريتاني عن زيارة المغرب، بينما زار جميع دول المغرب العربي، تونس وليبيا والجزائر، وهو الأمر الذي ينطبق على العاهل المغربي محمد السادس الذي لم يزر موريتانيا منذ وصول عبد العزيز إلى الحكم.

 

عبد العزيز... "مغربي"

 

وكان الكثيرون يعتقدون أنه بوصول الرئيس الموريتاني الحالي، إلى سدة الحكم سنة 2009، ستتطور العلاقات الدبلوماسية مع المغرب إلى أفضل مستوياتها، باعتبار أن الرجل عاش ردحاً من الزمن في المملكة، كما أن أصول زوجته تعود إلى المغرب. وبعد زهاء خمس سنوات من حكمه موريتانيا، لم تتحقق التوقعات بتحسن علاقات البلدين استناداً لعلاقته الشخصية بالمغرب، باعتبار أن ولد عبد العزيز قضى الفترة الممتدة بين 1977 و1980 متدرجاً في أسلاك الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس وسط المغرب. وعاد عبد العزيز إلى المغرب سنة 1993، ليتابع زهاء سنتين تكوينه العسكري الرفيع المستوى، في معهد عسكري مغربي، وذلك بطلب من السلطات الموريتانية لقلة الضباط العسكريين في البلاد حينها، فحمل معه معارفه العسكرية التي حصّلها في المغرب، فرُقّي سريعاً ليصبح برتبة جنرال. وفضلاً عن العلاقات الشخصية التي بناها عبد العزيز مع مسؤولين مغاربة نتيجة قضائه فترة طويلة في المملكة، فإن زوجته، تكبر منت ماء العينين ولد النور، والتي تعرف عليها في المغرب عندما كان يدرس في مكناس قبل أن يتزوجا بعد تخرجه، تنتسب إلى قبيلة "سماسيد"، ذات الأصول المغربية. بداية سوء الفهم الكبير الذي وقع في طريق العلاقات بين الرباط ونواكشوط، بدأ صغيراً ليكبر مع مرور الأيام مثل كرة ثلج متدحرجة. بدأت الحكاية عندما طلب عبد العزيز التوجه إلى المغرب كأول بلد يزوره بعد توليه الرئاسة في يوليو/تموز 2009، غير أن الرباط اعتذرت عن الموعد المحدد. وتكرس سوء الفهم بعدما تم تحديد موعد ثانٍ لزيارة الرئيس الموريتاني للمغرب، لكن هذه المرة كانت نواكشوط هي من اعتذرت عن قيام الرئيس بالزيارة بحجة أن الوقت "غير مناسب" لأجندته. والأنكى أن عبد العزيز زار الجزائر في التوقيت نفسه، الجارة الشقيقة اللدودة للمغرب. وتعاطت نواكشوط باستياء مع الإلغاء الأول لزيارة عبد العزيز إلى الرباط، وهو ما عززته وقائع أخرى، منها طرد موريتانيا لمدير وكالة الأنباء الرسمية المغربية، وبعدها "رفض" عبد العزيز استقبال وزير الدولة المغربي عبد الله بها، الذي زار نواكشوط. ولم يقف "سوء التفاهم" بين الجارين عند هذا الحد، بل امتد إلى ما بعد خضوع الرئيس الموريتاني للعلاج في أحد المستشفيات الفرنسية، بعد محاولة اغتياله الفاشلة في أكتوبر/تشرين الأول 2012، إذ تم "منع" السفير المغربي في باريس من عيادة ولد عبد العزيز.

 

العلاقات "عادية"؟

وقائع سوء الفهم بين المغرب وموريتانيا هذه، لم يجد فيها مسؤولو البلدين، سبباً للشعوربالقلق أو الانزعاج، بل أكدوا أكثر من مرة أن العلاقات الثنائية تعيش "وضعية حسنة ولا تمر بأية أزمة رغم كل شيء". وجاء نفي المسؤولين المغاربة مرة على لسان وزير الخارجية السابق، سعد الدين العثماني، الذي أكد خلو العلاقات بين الرباط ونواكشوط من أية أزمة دبلوماسية، بالنظر إلى "الروابط التاريخية القائمة بين البلدين، وكذلك العمق البشري والاجتماعي بين الشعبين". وتجسد النفي الرسمي نفسه، في تصريحات سابقة للناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية، مصطفى الخلفي، الذي أكد أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا "عادية ولا تعاني من أية مشاكل"، بدليل الاجتماعات التي يعقدها وزراء البلدين في مجالات قطاعية عديدة، خصوصاً في النقل والإعلام والتواصل.

 

عمق استراتيجي

وتعليقاً على طبيعة العلاقات "المتوترة" بين المغرب وموريتانيا، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة وجدة شرق البلاد، الدكتور خالد شيات، لـ"العربي الجديد"، إنّ المشكل الرئيسي بين المغرب وموريتانيا ينبع من الإرث التاريخي السلبي لنشأة الدولة الموريتانية الحديثة، عقب تغير الموقف المغربي منها، واعترافه بها، بعد دعوة الملك الراحل الحسن الثاني، لمؤسس موريتانيا، المختار ولد دادة، لحضور مؤتمر الدار البيضاء سنة 1969، وهو ما شكل اعترافاً ضمنياً بالدولة الوليدة في حينها، بعد سنوات من عدم الاعتراف واعتبار موريتانيا "مناطق مغربية". ويضيف شيات أنه لا يزال لذلك الحدث التاريخي آثار إلى اليوم، باعتبار أن موريتانيا الحديثة "لا تزال تهمش القوى الاجتماعية المقربة من النسق الذي كان يطالب من داخل موريتانيا بالانضمام للمغرب"، مشيراً إلى أن "الكثير من القوى الموريتانية المقربة من المغرب بعيدة عن القرار السياسي". ويلفت شيات إلى أنه "من ناحية ثانية، هناك العمق الاستراتيجي الذي تشكله موريتانيا بالنسبة للمغرب". ويشرح أن الرباط "اتفقت مع موريتانيا على تقسيم الصحراء الغربية، ولم يتم ضمّ وادي الذهب إلا بعد الهجمات التي كانت تقوم بها جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر والقوى الاشتراكية الكبرى في وادي الذهب، لإجبار الموريتانيين على الانسحاب". وأكد شيات أن "موريتانيا ليست عمقاً استراتيجياً بالنسبة للمغرب فحسب، بل بالنسبة للجزائر أيضاً"، مشدداً على أن "موريتانيا ستبقى ساحة خلفية للقوى الإقليمية، ومجالاً استراتيجياً لقوى عالمية في أجنداتها المختلفة".