القرب الجغرافي بين ليبيا ومصر مثل أحد عوامل نمو الحركة الإسلامية في ليبيا، خاصة وأن تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا أواخر الأربعينات من القرن الماضي كان على يد المصري عز الدين إبراهيم مصطفى، إلى أن تطور نشاط الجماعة بعد الاستقلال محققا انتشارا في صفوف الطبقات الوسطى بغطاء من الملك إدريس. لكن الحدث الأهم في تاريخ الحركة الإسلامية الليبية، هو أن وجود الإخوان ونشاطهم وتحديهم لنظام معمر القذافي أنتج ظهور الحركات المتطرفة مثل الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة.

لم تعلن الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة عن تكوينها إلا في وقت متأخر جدا بعد نشاطها في ليبيا وأفغانستان في ثمانينات القرن الماضي. فبعد أن عادت بعض قياداتها من المعارك ضمن ما سمي الأفغان العرب أعلنت مجموعة من المتطرفين الليبيين تأسيس الجماعة سنة 1995. وقد اعتمدت خطة طويلة المدى للإعداد لحملتها العسكرية، كما اقتنص الكثير من أعضائها فرصة الحرب ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينات بهدف تعزيز مهاراتهم القتالية.

وجاء في شهادة عدد من المقاتلين آنذاك وردت في بحث لمركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنهم أقاموا معسكرهم الخاص وخضعوا لتدريبات عسكرية، بتوجيهات من أعضاء تنظيم القاعدة من حين إلى آخر.

الجماعة الإسلامية المقاتلة التي تأسست رسميا في العام 1982 على يد الإسلامي المتشدد علي العشيبي تحت اسم "شباب الجهاد" قبل أن تلاحقها السلطات الليبية، فأسست في الخفاء جماعتها الجديدة تحت الاسم الجديد الذي شاركت به في العمليات القتالية في أفغانستان ضمن تنظيم القاعدة قبل أن تعود إلى ليبيا مجددا ويتم القبض على أغلب قياداتها وإيداعهم سجن أبوسليم.

إثر اندلاع أحداث فبراير عام 2011  كانت قيادات "المقاتلة" على أهبة الاستعداد  للاستيلاء على السلطة، فبرز أمير الجماعة عبد الحكيم بلحاج كمتحدث باسم "الثوار" الذين كانوا منشغلين بتأمين العاصمة وقتها لينفض عنه غبار اسم جماعته السابق في حين غفلة ويظهر تحت مسمى جديد هو "المجلس العسكري لطرابلس" وبعد سنة تخلى عنه ليظهر في زي السياسي زعيماً لحزب "الوطن".

وفي الأثناء كانت قيادات الجماعة توزعت لتعلن عن نفسها كشخصيات سياسية كان أبرزها سامي الساعدي مؤسس حزب الأمة الوسط ومعه عبدالوهاب القايد شقيق أبويحيى الليبي، أبرز مساعدي أسامة  بن لادن، وعلي السباعي مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة الممثل للمفتي المعزول الصادق الغرياني. لكن أحزاب الجماعة لم تتحصل على مقاعد كافية في أول انتخابات برلمانية عام 2012، فلجأت إلى التحالف مع صنوها المقرب من فكرها ومنهجها وهي جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في حزب العدالة و البناء.

ويؤكد عدد الخبراء في الجماعات الإسلامية خاصة المسلحة منها، أن الهدف الرئيسي لتلك المليشيات هو السلطة السياسية والوصول إليها بقوة السلاح لفرض الهيمنة على نطاق واسع ومدة طويلة، مستغلة شعارات دينية لسهولة استنباطها وتبني مقولاتها لأنها مبهمة وغير واضحة ولا تحوي نظاما محددا يترك الباب مفتوحا أمام أهواء القيادات الكبيرة لتلك المليشيات.

أثارت مسألة تمويلات هذه الجماعة نقاشا موسعا،فقد بلغ حجم التمويل الذى وصل من الدوحة إلى هذه التنظيمات الإرهابية منذ 2011 حوالى 750 مليون يورو، حسب تقارير دولية. وبدأت ملامح سيطرة الإسلاميين على الدولة تتضح عقب الإطاحة بنظام القذافي بإيعاز من دول إقليمية حليفة لهم وفي مقدمتها قطر.

وتحدث رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل عن سعي قطر للسيطرة على ليبيا من خلال تنصيب عبدالحكيم بلحاج رئيس حزب الوطن وزعيم ما كان يعرف بـالجماعة الليبية المقاتلة المقربة من فكر القاعدة، حاكما لليبيا. وقال جبريل في تصريحات إعلامية إن رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل عمل في الكثير من الملفات بشكل منفرد، من دون علم المجلس الانتقالي التنفيذي خلال تلك الفترة. وتحدث جبريل عن حادثة شهيرة أخفى فيها عبدالجليل عزمه السفر إلى الدوحة عنه.

وأضاف أنه توجه إلى المطار ليجد شخصيات قطرية رسمية في استقبال عبدالجليل الذي كان برفقة عبدالحكيم بلحاج وفوزي بوكتف وجلال الدغيلي. وبين جبريل  أن هذه الزيارة كانت في إطار برنامج يجهز بلحاج لقيادة ليبيا بصفته قائد ثوار ليبيا.

فقد بدأ دعم الدوحة لهذه الجماعات عبر التنظيم المسمى بـ"المجلس العسكري طرابلس"، بالسلاح والعتاد بالإضافة إلى إرسال جنود  كانوا يرافقون زعيم "الجماعة الليبية المقاتلة" ورئيس "المجلس العسكري طرابلس" عبدالحكيم بلحاج حتى دخل "باب العزيزية" تحت غطاء طائرات حلف الناتو. كما جاء الدعم القطري كذلك من خلال دعم شخصيات من أطياف مختلفة، مثل رجال دين، منهم على الصلابي، وعبدالحكيم بلحاج، وعبدالباسط غويلة.

لم تفلح الجماعة في نفي الصلة بداعش، فالعضو والقيادي البازر فيها محمد بوسدرة الذي كان عضوا بالمؤتمر الوطني العام، أعلن لقاءه بــ"شباب الجهاد في سرت" وتفاوضه معه، مقرا بأنه "على صلة طيبة بهم" من أجل التهدئة والانخراط في حوار مع هياكل الدولة، بل برأ بوسدرة، أحد مؤسسي داعش في سرت من تهمة الإرهاب.

وإثر الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش في بنغازي فرت عناصر الجماعة من بنغازي لتعلن في يونيو من العام 2016 عن تشكيل مسلح جديد تحت اسم "سرايا الدفاع عن بنغازي" وتبعيته الشرعية للمفتي المعزول، وبدا واضحا خروج شخصيات الجماعة في البيان التأسيسي المتلفز كــ"الساعدي النوفلي" الذي ظهر في تسجيل مرئي لاحقا صحبة بلمختار الأعور في اجدابيا، وأحمد الحسناوي القيادي البارز في الجماعة والمعروف بنشاطه في تجنيد المقاتلين ونقلهم إلى سوريا.

الجماعة الليبية المقاتلة التي تنقلت بين المسميات العديدة البلدان المختلفة لا يبدو أنها تخلت عن منهجها الجهادي، لكن اللافت في مساراتها مؤخرا لاسيما عقب أحداث فبراير في ليبيا هي علاقتها بجماعة "الإخوان المسلمين"، فكثيرا ما تساءل مراقبون عن الدعم الكبير الذي لاقته الجماعة من زعيم الإخوان المسلمين علي الصلابي المقيم في قطر والعلاقة المشبوهة مع حزب العدالة والبناء الإخواني.