مازال شبح الازمة الأمنية يخيم على المشهد الليبي،رغم الساعي المتكررة للوصول إلى الإنفراج،حيث تشهد عدة مناطق ليبية أوضاعاً أمنية متوترة في ظل الانتشار الكثيف للمليشيات المسلحة التي تستغل حالة الاحتقان الداخلي السياسي والعسكري بين الأطراف المتنازعة،لترفع من وتيرة أنشطتها الاجرامية التي تهدد البلاد بمزيد من الخسائر البشرية والمادية.

ففي مشهد جديد،تعرض مطار معيتيقة الدولي،الأحد، ،للقصف بقذائف الهاون وصواريخ غراد،مما أسفر عن سقوط عدد من الجرحى.وأعلنت وزارة الصحة بحكومة الوفاق أن القصف أدى إلى إصابة 4 مواطنين بينهم 3 حجاج (إمرأة ورجلان) ومواطن آخر وجرى إسعافهم إلى مستشفيات معيتيقة وطرابلس المركزي فيما أصيبت ‏30 حالة أخرى من الحجاج بإغماء وارتفاع في معدلات الضغط والسكر نتيجة للهلع..

وأظهرت صور تناقلتها مواقع التواصل الاجتماعي، لحظة إسعاف الحجاج المصابين بشظايا القذائف، تعرّضوا لها، عقب وصولهم في رحلة، قادمة من المملكة العربية السعودية، بعد الانتهاء من أداء مناسك الحجّ، وسط أنباء عن تضرر طائرة الخطوط الليبية التي أقلتهم، إضافة إلى عدد من السيارات التي كانت رابضة بالمطار.

وبالرغم من عدم اعلان أي جهة مسؤوليتها عن القصف،فقد سارع المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق وكعادته الى اتهام قوات الجيش الوطني الليبي بالتورط في القصف مؤكدا أنه أدى لتعليق الرحلات الجوية، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى إرباك شديد للمسافرين وبينهم مرضى وجرحى وحجاج.

وفي المقابل،رد الجيش الليبي على هذه الاتهامات بالنفي،مؤكدا أن "حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج تعلم جيدا هوية قاصف مطار معيتيقة الدولي".وحمل الجيش الليبي، في بيان له، "ميليشيات "الرحبة" بقيادة بشير خلف الله، الملقب بـ"البقرة"، مسؤولية القصف المتكررة على المطار".

وقال البيان: "نستنكر إدعاءات الإخوان ضد قوات الجيش الوطني بشأن عمليات القصف المتكرر لمطار معيتيقة، كما لا بد للسراج أن يعترف، بأنه لا توجد لديه أي سلطة على الميليشيات، وأن من يقصف المطار هو الميليشياوي المدعو بشير البقرة وعصابته عشرات المرات".

وتعود أصول "البقرة" إلى مدينة مصراتة، ويقيم وأسرته في منطقة تاجوراء شرق طرابلس، ويرتبط بعلاقات وثيقة مع الإخوان، وما يعرف بـ"شورى بنغازي"، وقريب من المفتي السابق الصادق الغرياني المعروف بـ"مفتي الجماعات التكفيرية".وسبق لبشير خلف أن هدد العام الماضي باقتحام مطار معيتيقة، إذا لم يُفرج عن سجناء الميليشيات الذين أصدر النائب العام قرارًا بالإفراج عنهم، كما اقتحمت عناصره المسلحة المطار بالفعل 3 مرات خلال العام 2016.

ومثل مطار معيتيقة ساحة للصراع بين المليشيات التي ارتكبت الكثير من الجرائم والفضائع، على غرار ما حدث في يناير من العام 2018، حين شنت ميليشيا "البقرة" هجوما على المطار أسفر عن مقتل أكثر من عشرين شخصا وجرح حوالي ثلاثين آخرين وتسبب في ايقاف الملاحة الجوية من والى المطار.وجاء الهجوم حينها بحسب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، بهدف إطلاق سراح إرهابيين محتجزين في سجن، ينتمون إلى تنظيم "داعش" و"القاعدة".

وبحسب المحلل السياسي والأكاديمي الليبي، د.عطية الفلاح،فأن "الجهات الدولية تعرف تحديدًا من المسؤول عن القصف".ونقل موقع "ارم نيوز" عن الفلاح قوله،"يكفي أن نذكر تصريحًا للمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، بعد قصف مطار معيتيقة لأكثر من مرة، وتحديدًا في 12 سبتمبر/أيلول 2018، حيث قال سلامة إن البعثة تعرف من قصف المطار لمرتين متتاليتين وفي حالة تكرار العملية لمرة ثالثة سنسميه بالاسم، وهو الأمر الذي تكرر لأكثر من مرة بعد ذلك، ولم يخرج سلامة ليسمي المسؤول عن ذلك".

أما نسبة الأمر للجيش، فيشير الفلاح، إلى أن "الجيش الليبي كان يعلن مباشرة عن استهدافه للمطار في حال شن أي غارة ويوضح الأسباب والنتائج، ولو كان القصف من قبل طائرة تابعة للجيش، وهو أمر مستبعد، لكانت النتائج ليست أضرارًا طفيفة بطائرة رابضة في المدرج أو جروحًا لتجمع مئات من الركاب".

وبعيدا عن العاصمة،يشهد الجنوب الليبي وتحديدا مدينة مرزق توترا أمنيا كبيرا في ظل الهجمات المتصاعدة للعصابات التشادية المتحالفة مع المليشيات.وأسفرت مواجهات عنيفة منذ مطلع أغسطس/آب الماضي في المدينة، عن مقتل ما لا يقل عن 90 مدنيا، وإصابة أكثر من 200 شخص، بحسب بيانات نشرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط (أوتشا)،في وقت سابق.

وقال النائب طلال الميهوب، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي، إن عصابات تشادية معارضة احتلت مدينة مرزق في الجنوب الليبي، وأعلنت ما يسمى بـ "سلطنة التبو".وأضاف، في تصريحات لوكالة "سبوتنيك" الروسية الاثنين 02 سبتمبر 2019، أن "العصابات التشادية التي احتلت المدينة وقامت بالتطهير العرقي فيها، مدعومة من حكومة السراج، وأنها أمدتها بالسلاح والعتاد للقيام بالجرائم التي ارتكبتها في ليبيا".

وشدد على أن لجنة الدفاع والأمن القومي ستخاطب مجلس الأمن والمجتمع الدولي بشأن ما أعلنته المليشيات في الجنوب الليبي، وأن سيادة ليبيا غير قابلة للتقسيم أو إعلان أية مدن مستقلة بذاتها، وأن الأمر يعد انتهاكا للسيادة الليبية.وطالب برفع حظر التسليح عن الجيش الليبي للدفاع عن السيادة الليبية، خاصة أن الجيش يعمل على بسط السيطرة الكاملة على التراب الوطني الليبي.

وتحدثت تقارير اعلامية عن أوضاع صعبة تعيشها مدينة مرزق في ظل الانتهاكات التي ترتكبها العصابات التشادية.ووصف حامد الخيالي عميد بلدية سبها الليبية،في وقت سابق الأوضاع في مدينة مرزق الليبية بأنها وصلت الى مرحلة "كارثية"، حيث هجرها معظم أهلها بعد دخول المليشيات إليها، حسب وصفه.

ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية،عن الخيالي قوله: "الآن يسيطر على المدينة مجموعة من المرتزقة المدعومين من حكومة الوفاق التي دفعت لهم الملايين من أموال الشعب الليبي، حيث احتلت تلك المجموعات المدينة وقتلت الكثير من أهلها، وقد اعترفت حكومة الوفاق بأن المليشيات هي قوات شرعية تتبعها".

وطالب الخيالي المجتمع الدولي بالنظر إلى الجريمة التي حدثت في مدينة مرزق،مؤكدا "أن سببها حكومة الوفاق، خاصة أن تلك المجموعات تضم مليشيات تشادية، كما أن العناصر الليبية الموجودة بينهم هي عناصر مطلوبة على ذمة قضايا إرهابية وقانونية".وشدد على أن المجموعات التشادية شردت الأهالي في الجنوب وبالأخص من مدينة مرزق التي هجر جميع أهلها ما عدا من تم حصارهم، وأن حسن موسى زعيم الجماعة المهاجمة يقوم بعمليات حرق للمنازل وقتل وذبح للرجال في المدينة والجنوب.

ودفعت هذه الأوضاع الصعبة التي تعيشها مرزق مجلس النواب الليبي القيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الداخلية بالتصدي لمن وصفهم بـ"العصابات المارقة" في المدينة.وقال المجلس، في بيان له، إنه "يدين بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي تتعرض له مدينة مرزق وتشارك فيه عدد من التنظيمات الإرهابية وعصابات المرتزقة من المعارضة التشادية الذي راح ضحيته عدد من الشهداء والجرحى".وطالب المجلس القوات المسلحة الليبية بالضرب بيد من حديد لمن تسول له نفسه المساس بأمن ليبيا وشعبها، داعيا الحكومة الموقتة إلى تقديم الدعم الكامل بشكل عاجل لأهالي المدينة التي تشهد توترا أمنيا منذ أسابيع.

ومدينة مرزق التي يقطنها 50 ألف ساكن أغلبهم من التبو تشتهر بقلعتها التاريخية التي شيدت قبل أكثر من سبعة قرون، وهي عبارة عن واحة في جنوب غرب ليبيا تبعد نحو 900 كلم جنوب طرابلس. وتقع المدينة في موقع جغرافي هام، مما جعلها موطن التقاء القوافل التجارية القادمة من أفريقيا حتى سواحل البحر المتوسط قديما، وأيضا نقطة وصل بين الغرب والشرق في شمال أفريقيا، كما ازدهرت الحضارة في مرزق بسبب كثرة مياهها الجوفية.

ويشهد الجنوب الليبي في هذه الآونة حالة من زعزعة الاستقرار، سببها التنظيمات الإرهابية وبع الجماعات المسلحة والعصابات الأجنبية المتحالفة مع حكومة الوفاق، وأبرزها "قوات حماية الجنوب"، وهي مليشيا قوامها الرئيسي مقاتلين من قبائل التبو الليبية ومرتزقة من تشاد ودول أفريقية أخرى مثل نيجيريا، تقاتل تحت إمرة حسن موسى التباوي.وارتكبت هذه المليشيات عددا من الجرائم المسلحة في مدينة "مرزق" و"سبها" و"غدوة" وغيرها من المدن منذ إعلان الجيش الليبي إطلاق عملية "طوفان الكرامة" لتحرير العاصمة طرابلس في 4 أبريل/نيسان الماضي من المليشيات كنوع من تخفيف الضغط على المليشيات المتحالفة معها بعد اشتداد ضربات الجيش الليبي.

وتأتي هذه التطورات في وقت تتسارع فيه الجهود بحثا عن حلول للأزمة المتفشية في البلاد،حيث قام المبعوث الأممى إلى ليبيا، الدكتور غسان سلامة،بزيارة الى العاصمة المصرية للقاهرة،وذلك ضمن المشاورات التى يقوم بها لتعظيم فرص الحل السياسى للأزمة الليبية، فضلاً عن رغبته فى تحقيق توافق إقليمى ودولى على دعم العملية السياسية هناك.

التقى سلامة مع الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط،الاثنين 02 سبتمبر 2019، بمقر الجامعة العربية.وقال سلامة - فى تصريح أدلى به عقب اللقاء - إنه أطلع الأمين العام للجامعة العربية على أخر التطورات السياسية والأمنية فى ليبيا، مؤكدا أن ليبيا عضو مهم فى الجامعة العربية، ولابد أن تكون الجامعة "منخرطة " فى البحث عن آلية لحل سياسى دائم للأزمة الليبية.وشدد على ضرورة إعادة الأمن والأمان والاستقرار إلى ليبيا لتتبوأ مكانها الطبيعى بين أشقائها العرب.

وتأتي زيارة غسان سلامة إلى القاهرة في ظل تحركات أوروبية لعقد مؤتمر دولي حول الأزمة الليبية بالتشاور مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومن المقرر أن يلتقي المبعوث الأممي إلى ليبيا مع وزير الخارجية سامح شكري، وستطرق المشاورات إلى التوافق على ضرورة نزع فتيل الأزمة ووقف إطلاق نار شامل في البلاد.

وفي 29 يوليو الماضي، قدم سلامة إحاطته الدورية حول تطورات الأوضاع في ليبيا إلى مجلس الأمن الدولي، التي جدد خلالها التحذير من اتساع النطاق الجغرافي للعنف في ليبيا، وأكد الحاجة الملحة لحشد الدعم الدولي من أجل وقف التصعيد العسكري، والعودة إلى طاولة المفاوضات لاستئناف العملية السياسية.ودعا المبعوث الأممي إلى البناء على الهدنة التي عقدت خلال فترة عيد الأضحى الماضي، مطالبا بتنظيم "اجتماع دولي بمشاركة الأطراف الليبية المؤثرة؛ لوقف إطلاق النار والعودة إلى العملية السياسية".

وعلى وقع الصراعات المتجددة والفلتان الأمني المخيف الذى تشهده عدة مناطق ليبية،في ظل غياب الإنسجام بين الفرقاء وعجزهم عن الوصول إلى  تسوية سياسية وإرساء سلطة موحدة،باتت الفوضى المنتشرة هنا هناك هي السمة الأبرز للمشهد فى هذا البلد الممزق الذى مازال يصارع للخروج من أزمته التى مازالت تمثل مصدر قلق اقليميا ودوليا جعل منها أحد أهم الملفات في أجندة الدول الكبرى ودول الجوار.