تبدو الحركة في قصر قرطاج عادية لكنها لا تخلو من حرارة، فالبلاد تقترب من استحقاقين تاريخيين بعد الثورة الشعبية السلمية التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011. الاستحقاق الأول هو الانتخابات التشريعية المقررة في 26 أكتوبر/تشرين الأول، والثاني هو الانتخابات الرئاسية المقررة في 23 نوفمبر/تشرين الثاني.

وفي الوقت الذي أقفلت فيه أبواب الترشح في التشريعية، وبدأت الحملات الانتخابية وسط تنافس شديد، فإن أياماً قليلة بقيت قبل إقفال باب الترشح للرئاسية (22 من الشهر الحالي)، ورغم الإجماع على أن الرئيس الحالي المنصف المرزوقي سيكون في طليعة المتنافسين، فإنه لم يقدم ترشحه رسمياً حتى اليوم
وقال المرزوقي في حوار مع صحيفة العربي الجديد، يمكنني القول إني خدمت الشعب التونسي منذ ولادتي بحكم أني ابن أسرة مناضلة. لقد عشت السنوات الأخيرة من مرحلة الاستعمار، ثم عايشت الصراع الذي اندلع بين البورقيبيين واليوسفيين، إذ تمكن والدي من الهروب خارج البلاد، ولجأ إلى المغرب وبقي هناك 33 عاما إلى أن توفي بعيداً عن وطنه.

وقد اضطررت مع عائلتي أن نلتحق به حتى لا نموت من الجوع. ليست لي حياة خاصة، وإنما حياتي ارتبطت بهذا البلد. وبعدما تخرجت من الجامعة عدت إلى تونس لأخدم هذا الشعب كطبيب للفقراء. ثم تشرفت لكي أكون رئيساً للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ودافعت عن حقوق المواطنين بالكتابة والممارسة، وهو ما أثار غضب السلطة، إذ طردت من عملي وأدخلت السجن، وتعرضت لمختلف أنواع التنكيل بما في ذلك المساس بشرفي، والحرص على إخراجي من بلادي.

كنت أول من قال إن نظام زين العابدين بن علي (الرئيس المخلوع) لا يصلح ولا يُصلح. وكنت أول من ظهر على تلفزيون "الجزيرة" ليؤكد أن النظام لن يسقط إلا بثورة شعبية سلمية يُسهم فيها الشباب ويستفاد خلالها من تكنولوجيا الاتصال. سخروا مني يومها، لكن هذا ما حدث فيما بعد. وقد تم تشريفي بأن أكون أول رئيس عربي ينتخب في تونس لمدة ثلاث سنوات، خدمت خلالها هذا الشعب بكل إخلاص. وسيكتب المؤرخون أني أفشلت الثورة المضادة وحافظت على الحقوق والحريات. هذا هو رصيدي، حياة كاملة من دون انقطاع من النضال وخدمة هذا الشعب.

وأضاف المرزوقي الحديث عن رئيس توافقي لا معنى له (كلام فارغ). التوافق ضرورة في مرحلة ما. لا أعتقد أنه كان بالإمكان كتابة دستور بطريقة انتخابوية تعطي الأولوية لأغلبية بنسبة 51 في المائة. الدستور لا يمكن إلا أن يكون توافقياً. وكذلك الشأن بالنسبة للمراحل الانتقالية، إذ يفرض فيها التوافق كحل فريد. لكن بعد ذلك يجب أن يطلع الشعب على مواقف وبرامج مختلفة. يجب أن نسمح للديمقراطية بأن تلعب دورها.
 

الديمقراطية هي رفض فكرة الإجماع. تاريخ العرب قائم على فكرة الإجماع، لكن دائماً يتضح أنه إجماع مزيف وإجماع عنيف. إذن الوفاق مرحلي واستثنائي، في حين أن المجتمع تعددي، والديمقراطية هي النظام الذي يتولى تنظيم هذه التعددية التي يفرضها وجود مصالح وآراء مختلفة. على الأحزاب والأفراد التوجه نحو الشعب لتقديم اختياراتهم. ليست الديمقراطية أن تجتمع النخب لتختار رئيساً ثم تطلب من الشعب أن يبصم على ذلك. أنا مع الوفاق عندما يجب الوفاق، ولكن أنا مع الديمقراطية التي يجب أن تلعب دورها.

ولفت الرئيس التونسي أنه كلما قامت ثورة، إلا وقامت بعدها مباشرة ثورة مضادة. فالذين فقدوا السلطة لن يبقوا مكتوفي الأيدي. وهؤلاء كانوا بمئات الآلاف، سواء الذين كانت لهم الكعكة الكبرى أو الفتات. ولهذا حدثت خلال السنوات الثلاث الأخيرة محاولات كثيرة من أجل استعادة خسائر هذه الأطراف. يومياً كنا نصارع الثورة المضادة. فالدولة العميقة موجودة في الإدارة وفي الإعلام، ثم صارت محاولة انقلابية بأتم معنى الكلمة.

فعندما تمت محاصرة المجلس التأسيسي، ورفعت أصوات تطالب أعضاءه بالرحيل، في حين أن هذا المجلس منتخب. ثم ماذا يعني مطالبة رئيس الجمهورية بالاستقالة رغم كونه منبثقاً عن المجلس التأسيسي باعتباره السلطة العليا الشرعية في البلاد. كما دعا هؤلاء الجيش إلى التدخل، وانطلقوا في تشكيل حكومات جديدة. كما وجهوا إنذارات إلى الولاة من أجل إثارة الرعب في صفوف الشعب التونسي. كل هذه المؤشرات تدل على وجود رغبة للانقلاب على الشرعية. لست أنا الذي أفشل هذا الانقلاب، وإنما هو الشعب التونسي الذي لم يستجب لتلك الدعوات. والذي أفشل هذا الانقلاب هو الجيش وكذلك الأمن الجمهوري الذي أفشل تلك الدعوات ووقف إلى جانب الشرعية. بطبيعة الحال قمت شخصيا بدوري، ولكن لولا الشعب والجيش والأمن لتحقق ما أرادوا. وهكذا استمر المجلس التأسيسي، وبقيت مؤسسة الرئاسة ثابتة. أما انسحاب حركة النهضة من الحكومة فقد حدث ذلك بموجب التوافق فيما بيننا. وهكذا فشلت هذه المحاولة، وبقيت منظومة 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.