إنه يوم ربيعي مشمس وحار في مليلية الإسبانية. تحتمي أسرة سورية من الشمس تحت خيمة بلاستيكية، في حين تتجاذب مجموعة من الشباب الأفارقة أطراف الحديث في ظل جسر صغير.

يمضي هؤلاء جميعاً بعض الوقت خارج مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين (CETI)، حيث يقيم حالياً نحو 1,200 شخص في المركز الذي تبلغ سعته الرسمية 480 شخصاً ولكنه في بعض الأحيان يستوعب ما يصل إلى 2,000 شخص. ولا يُسمح للصحفيين بالدخول، ولكن في وقت سابق من هذا العام، زار المجمع عضوان إسبانيان من أعضاء البرلمان الأوروبي ووصفاه بأنه "بائس" ويشبه مخيم اللاجئين.

مع ذلك، يعتبر المقيمون في مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين من المحظوظين؛ فقد وصلوا إلى أوروبا في الوقت الذي منح فيه البرلمان الإسباني مزيداً من السلطة للحرس المدني، الذي يسير دوريات على حدود مليلية وسبتة - الجيبين الإسبانيين في شمال أفريقيا - بغرض إعادة المهاجرين وطالبي اللجوء مرة أخرى إلى المغرب.

وتجدر الإشارة إلى أن مليلية وسبتة من بين الطرق القليلة المتبقية للوصول إلى أوروبا بالنسبة للكثير من المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يفتقرون إلى الأموال اللازمة للسفر على متن قوارب المهربين المتجهة إلى جنوب أوروبا.

ويقضي الكثيرون منهم عدة أشهر أو حتى سنوات في مخيمات مؤقتة في المملكة المغربية المجاورة في انتظار فرصة لتسلق السياج الثلاثي المغطى بالأسلاك الشائكة والذي يبلغ ارتفاعه 6 أمتار ويحيط بمليلية وسبتة.

وعادة ما يتم اعتراض أولئك الذين ينجحون في تخطي السياج من قبل حرس الحدود وإعادتهم فوراً إلى المغرب. وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة هذه الإعادة القسرية بأنها انتهاك خطير للقوانين الأوروبية والدولية، التي تضمن لطالبي اللجوء الحصول على الحماية الدولية وعدم الإعادة القسرية (مبدأ في القانون الدولي يحرّم إعادة طالبي اللجوء إلى مناطق الخطر).

ولكن قانون الأمن العام الجديد الذي أقره البرلمان الإسباني في أواخر مارس بدعم من حزب الشعب المحافظ الذي يحكم البلاد يخول "رفض" دخول الأشخاص الذين يحاولون العبور إلى مليلية وسبتة وإعادتهم على الفور إلى المغرب.

وفي هذا الشأن، قال خوسيه بلازون، أحد نشطاء مليلية الأكثر نشاطاً في الدفاع عن المهاجرين: "إنه لمن العار أن يتم تمرير هذا القانون بهذه السرعة وبغرض خلق درع قانوني لحماية بعض أفراد الحرس المدني، الذين دأبوا على مخالفة القانون فيما يتعلق بشيء يخص قضايا حقوق الإنسان بشكل مباشر".

وقد نشر بلازون في أواخر العام الماضي مقطع فيديو يظهر ضباط الحرس المدني وهم يضربون مهاجراً على السياج. ويزعم الضباط المعنيون أنهم تعرضوا للهجوم أولاً - وينظر تحقيق قضائي في هذه المسألة لتحديد ما إذا كان ينبغي مقاضاة ثمانية من ضباط الدوريات الحدودية.

من جانبه، قال برناردينو باردو، أحد عملاء الحرس المدني والمتحدث باسم منظمة تدافع عن حقوق قوات الأمن الإسبانية، أن سلوك الضباط على الحدود "قانوني ومتناسب،" مضيفاً في تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "إننا نعمل على هذا النحو على مدار السنوات العشرين الماضية، ولا أفهم لماذا نتعرض لكل هذه الانتقادات في الآونة الأخيرة".

ولكن معظم المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يصلون إلى مليلية لا يأتون من فوق السياج، فمن بين ما يقرب 6,000 شخص وصلوا بنجاح إلى مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين في عام 2014، وفقاً لإحصاءات الحرس المدني، جاء 38 بالمائة فقط عبر السياج. وكان معظم الأشخاص الذين قفزوا من فوق السياج من دول أفريقيا جنوب الصحراء جاءوا من مالي والكاميرون وساحل العاج ونيجيريا.

ووصل الباقون إلى مليلية عن طريق القوارب أو عبر نقطة العبور الحدودية الرسمية في بني انصار. وخاطر البعض بحياتهم عن طريق الاختباء داخل السيارات، بينما لجأ آخرون، لاسيما الأسر السورية، إلى شراء جوازات سفر مزورة في المغرب. وفي سبتمبر 2014، بدأت الحكومة الإسبانية في السماح للمواطنين السوريين بطلب اللجوء عند الحدود.

وقال شاب كاميروني تحدث إلى شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) خارج مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين وفضل عدم ذكر اسمه: "حاولت مراراً وتكراراً [تسلق السياج] وأخيراً نجحت، ولكن العديد من أصدقائي لم يتمكنوا من تسلقه. وصلت [هنا] في شهر مايو من العام الماضي وما زلت لا أعرف متى سأتمكن من المغادرة".

وينطبق الوضع ذاته على شاب موريتاني يبلغ من العمر 19 عاماً ولا يزال يحمل ندبة على ساقه بسبب تسلق السياج. وقال: "لقد قضيت فترة طويلة جداً هنا، أكثر من عام. الشيء الوحيد الذي أبحث عنه هو حياة أفضل، ولكنني لا أستطيع المضي قدماً".

والجدير بالذكر أن الأشخاص المسجلين في المركز غير مطالبين بالبقاء هناك، ولكن معظمهم لا يستطيع دفع ثمن الغذاء والمأوى في أماكن أخرى. ونظراً لعدم حصولهم على حق العمل في المدينة التي تبلغ مساحتها 12 كيلومتراً مربعاً، فإن وظيفتهم الرئيسية هي الانتظار.

القدرة الاستيعابية الرسمية لمركز مليلية لاستقبال المهاجرين هي 480 شخصاً، ولكنه في بعض الأحيان يستضيف ما يصل إلى 2,000 شخص
ولا يستطيع أولئك الذين يطلبون حق اللجوء في مليلية مغادرة المدينة حتى يتم اتخاذ قرار بشأن طلباتهم. وتقول اللجنة الإسبانية لشؤون اللاجئين (CEAR)، وهي منظمة غير حكومية، أن متوسط الوقت اللازم للتوصل إلى قرار بشأن الأفارقة من جنوب الصحراء هو عام ونصف. أما بالنسبة للسوريين، فإن هذه العملية لا تستغرق أكثر من شهرين.

ومن بين 523 شخصاً تقدموا بطلبات للحصول على حق اللجوء في مليلية في عام 2014، كان 500 من السوريين وخمسة فقط من الأفارقة من دول جنوب الصحراء الذين كانوا قد قفزوا فوق السياج، على الرغم من أن تقديرات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشير إلى أن 60 بالمائة من الذين يدخلون سبتة ومليلية عبر السياج هم لاجئون محتملون.

"أولاً، لا يستطيعون الوصول إلى المكتب الذي ينبغي تقديم الطلبات فيه، والذي يقع على الجانب الإسباني من الحدود. وثانياً، لا يريدون أن يقضوا الكثير من الوقت في مليلية، وهذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين منهم لا [يطلبون حق اللجوء] على الرغم من أن العديد منهم قد يكونون فارين من خطر أو اضطهاد في بلدانهم،" كما أوضح فرانسيسكو سولانس، المتحدث باسم اتحاد المحامين الإسباني.

وفي معظم الحالات، ينتظر المهاجرون الأفارقة حتى يقرر أحد القضاة أنه لا بد من نقلهم إلى مركز احتجاز في البر الإسباني الرئيسي. واعتماداً على عدد الأشخاص المسجلين في مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين، يمكن أن يستغرق ذلك ما يقرب من عام كامل، كما في حالتي الشابين الأفريقيين اللذين تحدثت إليهما شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين).

ولكن بمجرد الوصول إلى مركز الاحتجاز، ينص القانون الإسباني على أن مدة بقاء الشخص في مركز احتجاز المهاجرين لا يجب أن تتجاوز 60 يوماً. وغالباً ما تستغرق إجراءات الترحيل وقتاً أطول من ذلك، وبالتالي، كان لابد من إطلاق سراح ما يقرب من نصف المهاجرين المحتجزين في عام 2013 قبل أن يتم ترحيلهم، وفقاً للإحصاءات الرسمية.

كما أن ارتفاع أعداد المهاجرين المسجلين في مركز الإقامة المؤقتة للمهاجرين في أوقات معينة يعني أن السلطات الإسبانية لا تستطيع نقلهم جميعاً إلى مراكز الاعتقال. وبالتالي ينتهي المطاف ببعضهم في ملاجئ على البر الرئيسي في إسبانيا تديرها المنظمات غير الحكومية، حيث يفر الكثيرون منهم قبل أن يتم ترحيلهم.

وفي كلتا الحالتين، تكون مقامرة المهاجرين العالية المخاطر قد آتت ثمارها أخيراً، ويكونون قد وصلوا إلى منطقة شنغن الأوروبية ذات الحدود المفتوحة، وأصبحوا يتمتعون بحرية الانتقال إلى دول أخرى بها احتمالات أفضل للعثور على عمل غير قانوني.